منتديــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــات جبال البابـــــــــــــــــــــــــــــــــور
منتديات جبال البابور ترحب بك زائرا و مشاركا و عضوا
منتديــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــات جبال البابـــــــــــــــــــــــــــــــــور
منتديات جبال البابور ترحب بك زائرا و مشاركا و عضوا
منتديــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــات جبال البابـــــــــــــــــــــــــــــــــور
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــات جبال البابـــــــــــــــــــــــــــــــــور


 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 قبيلة زنــــــــــاتة البربرية ودورها في الفتح الإسلامي لبلاد المغرب

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
badro1819

badro1819


عدد المساهمات : 419
تاريخ التسجيل : 19/04/2011

قبيلة زنــــــــــاتة البربرية ودورها في الفتح الإسلامي لبلاد المغرب  Empty
مُساهمةموضوع: قبيلة زنــــــــــاتة البربرية ودورها في الفتح الإسلامي لبلاد المغرب    قبيلة زنــــــــــاتة البربرية ودورها في الفتح الإسلامي لبلاد المغرب  I_icon_minitimeالثلاثاء 27 مارس 2012 - 3:39



مدخــــــــــــل:

لقد اختلف المؤرخون والجغرافيون في إعطاء تسمية أو مصطلح موحد لبلاد المغرب، فأطلقوا عدة تسميات على هذا الجزء من الأرض، كنوميديا(1) وليبيا(2)، وشمال افريقية، وقرطاجنة(3) وافريقية(4) وبلاد البربر.

و استمر الحال كذلك إلى أن دخل الإسلام إلى هذه البقاع في وصف أرض المغرب وأقاليمه وشعابه ووديانه وحصونه وجذوره ومدنه ومناخاته (مذكرة ماجستير، انتشار الإسلام في بلاد المغرب وآثاره على المجتمع خلال القرن الأول الهجري، ص ص 18-19).

حيث ارتبط ظهور مصطلح المغرب الإسلامي بعصر الفتنة بين علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- (35هـ- 656م/40هـ- 661م) ومعاوية بن أبي سفيان ـ رضي الله عنه ـ (5)(41هـ-660م/60هـ-680م)، أي قبل منتصف القرن الأول الهجري، ويظهر أنه استعمل في هذه الفترة للدلالة على الجزء الغربي من العالم الإسلامي الذي كان يشمل مصر بملحقاتها والشام وما جاورها.

ويقابله من الناحية الأخرى المشرق الإسلامي الذي كان يشمل العراق وفارس وما وراء النهر (تاريخ المغرب الإسلامي، ص 18) « والمغرب بعضه ممتد على بحر المغرب في غربيه، ولهذا البحر جانبان شرقي وغربي وهما جميعا عامران، أما الغربي:











(1) نوميديا: إقليم قديم في شمال غرب إفريقيا، كان جزء من إمبراطورية قرطاجنة حتى انضم ماسينيسا حاكم نوميديا إلى الرومان في الحرب البونية الثانية (206 ق،م)، ومنح استقلاله بمقتضى الصلح (201 ق،م) (الموسوعة العربية الميسرة، ج2، ص 1862).

(2) ليبيا: اسم أطلقه الإغريق على قارة إفريقيا، حدودها الشرقية عند النيل أو غرب مصر. ( الموسوعة العربية الميسرة، ج2، ص 1590).

(3) قرطاجنة: هي بلد قديم بنواحي إفريقية. ( معجم البلدان، مج4، ص 323).

(4) افريقية: بكسر الهمزة و هي اسم لبلاد واسعة، وهي مملكة كبيرة، قبالة جزيرة صقلية، ينتهي آخرها إلى قبالة جزيرة الأندلس، سميت بإفريقش بن صفي بن سبأ، وهو الذي اختطها وذكروا انها سميت بفارق بن بيصر بن حام بن نوح، وأن أخاه مصر لما حاز لنفسه مصر حاز فارق بافريقية، وسميت بلاد إفريقية، و ما وراءها بلاد المغرب، لأنها فرقت بين مصر و المغرب. ( معجم البلدان، ج1، ص 228).

(5) معاوية بن أبي سفيان: هو معاوية بن أبي سفيان بن صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ابن قصي القرشي الأموي، أسلم عام الفتح، شهد اليمامة، زعم أنه من قتل مسيلمة الكذّاب، صحب معاوية الرسول –صلى الله عليه وسلم- و كتب الوحي بين يديه...تولى ولاية الشام بعد وفاة أخيه يزيد، شهد التحكيم، و كان أول خليفة أموي، بويع بالخلافة سنة 41هـ، و توفي سنة 60هـ. ( مآثر الأنافة في معالم الخلافة،ج1، ص ص 110-111).



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
badro1819

badro1819


عدد المساهمات : 419
تاريخ التسجيل : 19/04/2011

قبيلة زنــــــــــاتة البربرية ودورها في الفتح الإسلامي لبلاد المغرب  Empty
مُساهمةموضوع: رد: قبيلة زنــــــــــاتة البربرية ودورها في الفتح الإسلامي لبلاد المغرب    قبيلة زنــــــــــاتة البربرية ودورها في الفتح الإسلامي لبلاد المغرب  I_icon_minitimeالثلاثاء 27 مارس 2012 - 3:44

]
فمن مصر وبرقة إلى إفريقية وناحية تنس إلى سبتة وطنجة وهو للعرب، وأما الشرقي: بلد الروم من حدود الثغور الشامية إلى القسطنطينية إلى نواحي رومية وقلورية والإنكيردة والإفرنجة وجليقية، ثم باقي إلى آخره للعرب في يد أصحاب الأندلس» ( صورة الأرض، ص 64)، بالنسبة للسكان، فلقد عرف سكان المغرب القديم باسم البربر، ووجد هذا المصطلح في الاستعمال الغربي في العهد الروماني و المشتق من اللفظة اللاتينية Barbarian، التي تعني كلمة بربري، لكن نجد أن البربر يرفضون هذا التفسير الغربي، بل يطلقون اسم امازرهين Imazirhene أو الرجال الأحرار النبلاء (مذكرة ماجستير، انتشار الإسلام في بلاد المغرب و آثاره على المجتمع خلال القرن الأول هجري، ص 23).

أما عن أصولهم الأولى فقد اختلف في نسب البربر اختلافا كثيرا، فقيل أنهم من ولد فارق بن بيصر بن حام، و البربر يزعمون أنهم من ولد قيس غيلان، و صنهاجة من البربر تزعم أنها من ولد إفريقش بن صفي الحميري، وزناتة تزعم أنها من لخم ( تاريخ أبي الفداء، ج1، ص 152).

أما ابن خلدون فيرى أنهم من ولد كنعان بن حام بن نوح، وأن اسم أبيهم مازيغ وإخوتهم اركيش وفلسطين إخوانهم بنو كسلوحيم بن مصرايم بن حام، وملكهم جالوت ( العبر، ج6، ص 113)، كما قيل أنهم من العرب، وقيل: من غسان وغيرهم تفرقوا عند سيل العرم، وقيل: خلفهم أبرهة ذو المنار أحد تبابعة اليمن حين غزوا العرب، وقيل: من ولد لقمان بن حمير بن سبأ، بعث سرية من بنيه إلى المغرب ليعمروه، فنزلوا وتناسلوا فيه.

وقيل: من لخم و جذام كانوا نازلين بفلسطين من الشام إلى أن أخرجهم منها بعض ملوك فارس فلجئوا إلى مصر، فمنعهم ملوكها من نزولها، فذهب قوم إلى أنهم من ولد لقشان بن إبراهيم الخليل عليه الصلاة و السلام.

وذكر الحمداني: أنهم من ولد بر بن قيدار بن إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، وأنه كان قد ارتكب معصية فرده أبوه، وقال له: البرَّ البرَّ اذهب يا بر فيما أنت بر، وقيل: هم من ولد بربر بن تملي بن مازيغ بن كنعان بن حام بن نوح عليه السلام، وقيل: من ولد جالوت ملك بني إسرائيل، وقيل غير ذلك (سبائك الذهب، ص ص 427-428).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
badro1819

badro1819


عدد المساهمات : 419
تاريخ التسجيل : 19/04/2011

قبيلة زنــــــــــاتة البربرية ودورها في الفتح الإسلامي لبلاد المغرب  Empty
مُساهمةموضوع: رد: قبيلة زنــــــــــاتة البربرية ودورها في الفتح الإسلامي لبلاد المغرب    قبيلة زنــــــــــاتة البربرية ودورها في الفتح الإسلامي لبلاد المغرب  I_icon_minitimeالثلاثاء 27 مارس 2012 - 3:52



وعلماء النسب متفقون على أن البربر يجمعهم جدمان عظيمان وهما برنس ومادغيس الملقب بالأبتر، فلذلك لشعوبه البتر، ويقال لشعوب برنس البرانس، وبين النسابين خلاف هل هما لأب واحد أم لا، فعند ابن حزم أنهما من أب واحد والجميع من نسل كنعان بن حام، وقال سابق بن سليمان المطماطي وغيره من نساب البربر أن البرانس فقط من نسل كنعان وأما البتر فهم بنو بر بن قيس بن غيلان بن مضر ( الاستقصا، ج1، ص 59).

أ: البرانس: نشأ خلاف كبير بين النسابة والمؤرخين حول أصل كلمة "برانس"، من قال بأنها مشتقة من الكلمة اليونانية BARANOS التي تعني الحضر المستقرين، وهناك من قال بأن التسمية استمدت من اللباس الذي كان يرتديه هذا الفرع والمتميز بغطاء الرأس ذي الشكل المخروطي، في حين اقترح البعض أن هؤلاء البربر قد أخذوا تسميتهم من جدّهم الأكبر "برنس بن بر" ( صنهاجة المغرب الأوسط رسالة الماجستير، ص 11)، غير أن ابن حزم أنكر ذلك، حيث قال أنه ما علم النسابون لقيس غيلان ابنا اسمه بر أصلا ( الجمهرة، ص 326)، وارتكز هذا الفرع من البربر في الهضاب والسهول والمدن والقرى الكبيرة، يعيشون على الصناعة والزراعة وتربية المواشي (موسوعة القبائل العربية، ج1، ص 1046)، وشعوب البرانس عند النسابين تجمعهم سبعة أجذام وهي: ازداجة، مصمودة، أوربة، عجيسة، كتامة، صنهاجة، اوريغة وزاد سابق بن سليم وأصحابه، لمطة، هكوسة، و كزولة ( العبر، ج6، ص 105)، فأما أوربة فهم بنو أوربة بن برنس بن بربر غلب عليهم اسم أبيهم، فقيل لهم أوربة (السبائك، ص 429)، وكان منهم كسيلة بن أغز الأوربي قاتل عقبة بن نافع زمان الفتح، ومنهم إسحاق بن محمد بن عبد الحميد الأوربي القائم بدعوة إدريس بن عبد الله (الاستقصا، ج1، ص 59)، و أما صنهاجة فهم أكبر قبائل البربر حتى زعم كثير من الناس أنهم مقدار الثلث منهم (الاستقصا،ج1، ص 59)، ويقال أن صنهاج ولمط إنما هما ابنا امرأة يقال لها تركي لا يعرف لها أب، تزوجها أوزيغ، فولدت له هوار، فهم إخوة لأم (الجمهرة، ص 327)، ومن صنهاجة ملوك افريقية بنو بلكين بنو زيري (تاريخ أبي الفداء، ج1، ص 152)، وأما كتامة فتعتبر أوفر قبائل البرانس عددا و أشدهم بأسا و أقواهم شكيمة وأعظمهم استقرارا و تمرسا على أساليب الحضارة، و كانت مواطنها أيام الفتح الإسلامي شرق المغرب الأوسط، تم فتحها على يد أبي المهاجر دينار وأهلها هم القائمون بدعوة العبيديين في إفريقيا ومصر (مذكرة ماجستير، صنهاجة المغرب الأوسط، ص ص 12-13)، وقال الكلبي أن كتامة وصنهاجة ليستا من قبائل البربر وإنما هما من شعوب اليمانية تركهما إفريقش بن صفي بإفريقية مع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
badro1819

badro1819


عدد المساهمات : 419
تاريخ التسجيل : 19/04/2011

قبيلة زنــــــــــاتة البربرية ودورها في الفتح الإسلامي لبلاد المغرب  Empty
مُساهمةموضوع: رد: قبيلة زنــــــــــاتة البربرية ودورها في الفتح الإسلامي لبلاد المغرب    قبيلة زنــــــــــاتة البربرية ودورها في الفتح الإسلامي لبلاد المغرب  I_icon_minitimeالثلاثاء 27 مارس 2012 - 4:02



من نزل بها من الحامية (العبر، ج6، ص 105)، وأما المصامدة فسكناهم في جبل درن(1) وهم الذين قاموا بنصر المهدي بن تومرت وبهم ملك عبد المؤمن وبنوه بلاد المغرب، وأنفرق من المصامدة قبيلة هنتاتة، وملك منهم إفريقية والمغرب الأوسط أبو زكريا يحي بن عبد الواحد بن أبي حفص، ثم خطب لولده أبي عبد الله محمد بن يحي بالخلافة، واستمر الحال على ذلك إلى سنة 652م، ومن المصامدة أيضا برغواطة أهل تامسنة وجهات سلا (تاريخ أبي الفداء، ج1، ص ص 152-153)، ومن وزداجة: مسطاسة، ومن أوزيغ: هوار، ملك، مقر وفلدان، ومن ملك بن أوزيغ: ستات، ورفل، أوسيل ومسرات، ومن فلدان بن أوزيغ: قمصانة، ورسطيف، بياتة وبل، وأما باقي قبائل البرانس فلم يكن لها ملك يذكر (الجمهرة، ص 327).

ب: البتـر: اختلف النسابة والمؤرخون حول أصل كلمة"البتر"، فقد افترض "غويته" Gautier أن التسمية مشتقة من الكلمة اليونانية BOTROS وتعني البدو والرعاة، في حين يرجح البعض أن البتر هم ا


لمنحدرون من ولد مادغيس الأبتر بن بر، ورأى فريق ثالث بأن العرب هم الذّين أطلقوا على السكان الذّين يرتدون ثيابا قصيرة اسم "البتر" (ماجستير، صنهاجة المغرب الأوسط، 14). والبربر التبر رُحل في العادة يركنون إلى الزحف على السهول، معيشتهم في الغالب على الرعي، يسكنون الخيام المصنوعة من الشعر والوبر (موسوعة القبائل العربية،ج1، ص 1046)، وشعوب البتر تجمعهم أربعة أجذام: أدّاسة،

نفوسة، ضرية ، بنو لوا الأكبر(العبر، ج6، ص 105)، ولد مادغيس: زجيك، فولد زجيك: ضرى، لوا الأكبر، نفوس و أدّاس، فتزوج أم أداس هذا أوزريغ بن برنس والد هوار، فدخل نسبه في هوارة، فولد

أدّاس بن زحيك بن مادغس هذا، وشفانه وأندارة، وهتروقة وصنبرة، وهوارة وأطيطة وترهنة، وكل هؤلاء اليوم في هوارة (الجمهرة، ص 326)، وأما لوا الكبر فمنه بطنان عظيمان وهما: نفراوة بنو نفراوا بن لوا الأكبر، و لواته ومن لواته: سدراتة، ومن نفراوة أيضا بطون كثيرة وهم: ولهاصة، غسّاسة، زهلة، سـوماتة، وسيف، مرنيزة، زاتيمة، وركول، مرنسية، ورد غروس ووردين كلهم بنو يطوفت من نفراوة، وأما ضرية





(1) جبل درن: يقع بالقرب من مراكش، في رأسه المدينة التي بناها الإمام المهدي، و هذا الجبل يقطع من المغرب إلى المشرق ومن البحر الأعظم من أقصى بلاد السوس و بلاد المغرب، و يتصل ببلاد زناتة في الشمال، فيستمر في المشرق بين أورڤلان والإفريقية حتى ينتهي بالغرب من القيروان (كتاب الجغرافية، ص 116).





الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
badro1819

badro1819


عدد المساهمات : 419
تاريخ التسجيل : 19/04/2011

قبيلة زنــــــــــاتة البربرية ودورها في الفتح الإسلامي لبلاد المغرب  Empty
مُساهمةموضوع: رد: قبيلة زنــــــــــاتة البربرية ودورها في الفتح الإسلامي لبلاد المغرب    قبيلة زنــــــــــاتة البربرية ودورها في الفتح الإسلامي لبلاد المغرب  I_icon_minitimeالثلاثاء 27 مارس 2012 - 4:04



وهم بنو ضرى بن رحيك بن مادغيس الأبتر فيجمعهم جذمان عظيمان: بنو تمصيت بن ضرى، وبنو يحي بنو ضرى (العبر،ج6، ص ص 105-107)، فمن بطون تمصيت بن ضرى مطماطة وصدفورة، لماية، مدغرة، صدينة، مغيلة، ملزوزة، كشانة، دونة، مديونة، ومن بطون يحي بن ضرى بن زحيك بن مادغيس: زنا و هو زناتة ( الجمهرة، ص 327)، هذه القبيلة التي شكّلت أغلب سكان المغرب الأوسط حتى عرف باسمها، وامتدت مواطنها بين غدامس(1) شرقا ووادي الساورة غربا، ثم زحفت أوزاع منها إلى الشمال و استقرت غرب بلاد صنهاجة بالمغرب الأوسط و ملأت سهوله وجباله ( ماجستير، صنهاجة المغرب الأوسط، ص 15).

كما تعتبر زناتة إحدى أعظم قبائل البربر في شرق إفريقيا، بنشر أفرادها من الصحاري الممتدة من غدامس(1) إلى المغرب الأقصى ( الموسوعة العربية الميسرة، ج2،ص، ص 1226 ، 1267).


























(1) غدامس: منطقة كبيرة مسكونة، حيث القصور العديدة، على بعد نحو ثلاثمائة ميل من البحر المتوسط، سكانها أغنياء لأنهم يتاجرون مع بلاد السودان يديرون شؤونهم بأنفسهم ويؤدون الخراج إلى الأعراب، و كانوا من قبل خاضعين لملك تونس أي لخليفته في طرابلس ( وصف أفريقيا، ج2، ص 146).



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
badro1819

badro1819


عدد المساهمات : 419
تاريخ التسجيل : 19/04/2011

قبيلة زنــــــــــاتة البربرية ودورها في الفتح الإسلامي لبلاد المغرب  Empty
مُساهمةموضوع: رد: قبيلة زنــــــــــاتة البربرية ودورها في الفتح الإسلامي لبلاد المغرب    قبيلة زنــــــــــاتة البربرية ودورها في الفتح الإسلامي لبلاد المغرب  I_icon_minitimeالأربعاء 28 مارس 2012 - 2:54

الفصــــــــــــــــــــل الأول:
المبحـث الأول:

اسمـها و نسبهـا:

اسمـها: لم يروى اسم زناتة مع أسماء القبائل الأمازيغية التي وجدت في كتب المؤرخين القدماء، من يونان ورومان و بيزنطيين، غير أنه عثر على كتابة في منطقة شلف و أخرى بشرشال(1) تدل على أن هذه التسمية كانت موجودة ببلاد المغرب في العصر الروماني، وكانت تطلق على شخص هو كلوديوس زناتوس (Claudius Zonatus)، و هو حسب Tauscier ينتسب إلى زناتة.

أما في العهد الإسلامي فقد أصبح اسم زناتة معروفا، و يطلق على قبيلة كبيرة لعبت دورا هاما في بناء صرح تاريخ المغرب العربي (دور زناتة في الحركة المذهبية، ص 15)، و يقول ابن خلدون عن كلمة زناتة (اسم زناتة) أنها مشتقة من صيغة "جانا" و التي تعني اسم الجيل كله و هو "جانا بن يحي"، و هم إذا أرادوا الجنس في التعميم زادوا للاسم المفرد تاء، و بذلك تصبح جانات، و إذا أرادوا التعميم زادوا مع التاء نونا فتصير بذلك "جاناتن" و تيسيرا للنطق أبدلوا الجيم زايا فصارت زانات لفظا مفردا دالا على الجنس و ألحقوا بها هاء النسبة وحذفوا الألف التي بعد الزاي فصارت زناتة (العبر، ج7، ص 9)، وقد يكون اسم زناتة مأخوذا من اسم مدينة "زانة" التي ما تزال آثارها باقية على بعد خط مستقيم، طوله 80 كلم جنوب شرق قسنطينة، و كانت تسمى عند الرومان، ديانة فيتيرانورم Diana Vétéranorum ، و قد يكون مدلوله التشابه مع قوم انحدروا من أين (ENN) و هي كلمة تعني الجنس الطوراني (دور زناتة في الحركة المذهبية، ص 16)، هذا الاختلاف يخلق صعوبة لدى الباحث عند تحديد معاني اسم زناتة و الأسماء الأخرى كما أن كل محاولة لتفسير هذه الكلمات هو تجاوز لحد التفسير إلى حد التأويل مما يخرج بالكلمات و الأسماء عن مدلولاتها الحقيقية (مذكرة ماجستير، الأوراس في العصور الوسطى، ص 113)، وفيما يتعلق بكلمة زناتة فإن معظم المؤرخين يأخذون برأي النسابة الذّين يجعلون اسم زناتة مأخوذا من اسم جانا أو شانا الذي هو الجد الأول لها ( دور زناتة في الحركة المذهبية، ص 16).

(1) شرشال: مدينة كبيرة جدا و أزلية، شيدها الرومان على ساحل البحر المتوسط، سكنها القوط و خربوها، ثم هجرت أثناء الحروب القائمة بين ملوك تلمسان و ملوك تونس، إلى أن سقطت غرناطة في أيدي المسيحيين، فقد قصدها الغرناطيون إذ ذاك و أعادوا بناء عدد مهم من دورها إلى أن خضعوا لبربروس. (وصف إفريقيا، ج2، ص 34).

أما الرواية الخاصة بسلسلة نسبهم، و هي الرواية التي كانت العماد في تصنيفهم أجناسا، فهي تقول أن زناتة انحدرت من مادغيس الأبتر، و تختلف عن صنهاجة التي انحدرت من برنس، وبرنس و مادغيس هم أبناء أب واحد هو برّ، و ثمة أراء أخرى تربط زناتة بشخص يدعى شنة أو جنة، ويقال أنه إما أن يكون قد انحدر من صلب كنعان ولد سام أو من صلب جالوت، و يكفي في تعليل هذا الزعم من جانب زناتة القول بأنهم أرادوا به أن يصلوا حبلهم بشخصيات من شخصيات التوراة ( دائرة المعارف الإسلامية، ص 416).

و قد ناقش ابن خلدون نسب زناتة طويلا، فقال عند نسابة البربر، و حكاه البكري و غيره، أنه كان لمضر ولدان إلياس و عيلان، أمهما الرباب بنت جيدة ابن عمرو بن معد بن عدنان، فولد عيلان بن مضر: قيسا و دهمان، أما دهمان فولده قليل وهم أهل بيت من قيس يقال لهم بنو أمامة، وكانت لهم بنت تسمى البهاء بنت دهمان، و أما قيس بن عيلان فولد له أربعة بنين و هم: سعد وعمر و أمهما مزنة بنت أسد بن ربيعة بن نزار، و برّ و تماضر و أمهما تمزيغ بنت مجدل و مجدل بن غمار بن مصمود، و كانت قبائل البربر يومئذ يسكنون الشام و يجاورون العرب في المساكن ويشاركونهم في المياه و المراعي و المسارح و يصهرون إليهم، فتزوج برّ بن قيس بنت عمه و هي البهاء بنت دهمان و حسده إخوته في ذلك، وكانت أمه تمزيغ من دهاة النساء فخشيت منهم عليه، و بعثت بذلك إلى أخوالها سرا و رحلت معهم بولدها و زوجته إلى أرض البربر، و هم إذ ذاك ساكنون بفلسطين و أكناف الشام فولدت البهاء لبرّ بن قيس ولدان: علوان و مادغيس، فمات علوان صغيرا و بقي مادغيس و كان يلقب بالأبتر، و أبو البتر من البربر ومن ولده جميع زناتة.

قالوا و تزوج مادغيس بن بر و هو الأبتر بأملل بنت وطاس بن محمد بن مجدل بن عمار فولدت له زجيك بن مادغيس (العبر، ج6، ص ص 111-112)، فولد زحيك: ضرى و لوا الكبير، ونفوس و أداس، و ولد ضرى بن زجيك بن مادغيس: يحي، تمزيت، فولد يحي زنا و هو أبو زناتة (الجمهرة، ص ص 326-327)، وهو شانا بن يحي بن صولات بن ورماك بن سقفو بن جنذواذ بن يملا بن مادغيس بن هوك بن هرسق بن كراد بن مازيغ بن هواك بن هريك بن بدا بن بديان بن كنعان بن حام بن نوح النبي –عليه السلام- (المعجم الشامل للقبائل العربية والأمازيغية،ج2، ص 605)، أما ابن خلدون فقد نقل عدة روايات حول نسب البربر، حيث نقل عن أبي محمد بن قتيبة أن نسب زناتة من ولد جالوت، في رواية أن زناتة هو شانا بن يحي بن ضريس بن جالوت، و جالوت هو ونّور بن هربيل بن جدبلان بن جاد بن رديلان بن حصى بن باد بن زجيك بن مادغيس الأبتر بن قيس بن عيلان، و في رواية أخرى أن جالوت هو ابن جالود بن ديال بن برنس بن سفك، وسفك أبو البربر كله، و نسابة الجيل نفسه من زناتة يزعمون أنهم من حمير، ثم من التبابعة منهم، و بعضهم يقول أنهم من العمالقة، و يزعمون أن جالوت جدهم من العمالقة...وأنكرها جميعا و قال بأن الحق فيما ذكره ابن حزم، أي أنهم من نسب شانا بن يحي بن زجيك بن ضرى بن مادغيس الأبتر (العبر، ج7، ص 4)، حيث قال ابن حزم أن زناتة هو شانا بن يحي بن صولات بن ورتناج بن ضرى بن سقفو بن جنذواذ بن يملا بن مادغيس بن هوك بن هرسق بن كراد بن مازيغ بن هواك بن هريك بن بدا بن بديان بن كنعان بن حام بن نوح النبي –عليه السلام- (الجمهرة، ص 326).

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
badro1819

badro1819


عدد المساهمات : 419
تاريخ التسجيل : 19/04/2011

قبيلة زنــــــــــاتة البربرية ودورها في الفتح الإسلامي لبلاد المغرب  Empty
مُساهمةموضوع: رد: قبيلة زنــــــــــاتة البربرية ودورها في الفتح الإسلامي لبلاد المغرب    قبيلة زنــــــــــاتة البربرية ودورها في الفتح الإسلامي لبلاد المغرب  I_icon_minitimeالأربعاء 28 مارس 2012 - 2:58



[b]المبحث الثاني:


فروعـها و مضـاربها:

تعتبر زناتة أعظم قبائل المغرب، فشعوبها و بطونها كثيرة، و سنكتفي نحن بذكر المشاهير منها، فقد اتفق نسابة زناتة على أن بطونهم كلها ترجع إلى ثلاثة من ولد جانا و هم: ودليك، فرني والديرت، هكذا في كتب أنساب زناتة (العبر، ج7، ص 6)، فأما فرني بن زانا بن يحي فقد ولد: برمرختا، رجلة، منجصة و نمالة (الجمهرة، ص 327)، و يضيف ابن خلدون سبرترة (العبر، ج7، ص 6)، أما الديرت بن جان فمن ولده عند نسابة زناتة جراو بن الديرت (العبر، ج7، ص ص 6-7)، أما ابن حزم فقال أن الديرت ولد: ورسيك، و ورسيك ولد: الغانا ولقبه دمر، وزاكيا وهما شقيقان، فولد زاكيا بن ورسيك: مصر ابن زاكيا، فولد مصرا يصلتن فولد يصلتن بن مصر ابن زاكيا: مغراو، يفرن و واسين، و ولد الغانا و هو دمر: وارديزن بن دمر، فولد وارديزن: وانتين ابن وارديزن، فولد وانتين: وزتيد، فولد وزتيد: برزال، يزدرين، صغمار و يطوفت أشقاء، ووزناتين، وغرزول وتفورت أشقاء فبنو وزناتين هم الذّين ينتسبون بني دمر (الجمهرة، ص ص327-328).

وعند نسابة البربر مثل سابق بن سليمان المطماطي و هانئ بن صدور الكومي وكهلان بن أبي لوا، فإن بين ورسيك بن الديرت بن جانا ثلاثة بطون وهم: بنو زاكيا و بنو دمر و آنشة بنو آنش، و كلهم بنو وارديرن و و ارسيك، فمن زاكيا بن وارديرن أربعة بطون: مغراوة، بنويفرن، بنو يرنيان و بنو واسين، كلهم بني يصلتن ابن مصرا بن زاكيا، ومن آنش بن وارديرن أربعة بطون: بنو برنال، بنو صقمان، بنو يصدورين و بنو يطوفت و كلهم بنو آنش بن وارديرن، ومن دمر بن وارديرن ثلاثة بطون: بنو تقورت، بنو غرزول و بنو ورتانين و كلهم بنو وريند بن دمر، هذا الذي ذكره نسابة البربر و هو خلاف ما ذكره ابن حزم (العبر، ج7، ص 7)

أما ابن حوقل فقد ذكر فروع زناتة و شعوبها جملة فقال: و من قبائل البربر الخارجة عن صلب زناتة: بنو مغراوة و بنو وتاجن و بنو يلوما و بنو يزللن، وبنو بزمرنتا و بنو زاوين و بنو امندرين وزواوة و مكلاته، و بنو ملنتيس و بنو واريتن ونزراتة وبنو سنوس...و من قبائل زناتة أيضا بنو يفرن...و بنو واسين و مصارة وبنو واصل و بنو حمزة و بنو وابوط و مكناسة و بنو تيغرين ومسغونة و بنو ياكرين...و بنو ستاتة و بنو دركمون، و بنو مسكن و بنو لنت وكورايه وسندراتة وبنو زنداج و بنو ورسيفان، و ورداجة و بنو دمر و بنو سنجاسن...وقال ابن حوقل بأنه لم يصل إلى علم كير من قبائلهم، إذ أن البلاد التي تجمعهم والنواحي التي تحيط بهم مسيرة شهور في شهور، و العلماء بأنسابهم و أخبارهم و آثارهم هلكوا، و كنت قد أخذت عن بعضهم رسوما أثبتها و لم أرجع منها إلى غير ما قدّمته من ذكر قبائلهم (صورة الأرض، ص ص 102-103).

ويذكر نسابة زناتة آخرين من شعوبهم و لا ينسبونهم مثل يجفش، و هم أهل جبل قازاز قرب مكناسة و سنجاسن و ورسيفان و تحليلة و تيسات و واغمرت وتيغرض ووجدين و بني يلومي وبني ومانو و بني توجين، على أن بني توجين ينتسبون في بني واسين نسبا ظاهرا صحيحا بلا شك، و بعضهم يقولون في وجديجن و واغمرت و بنو ورتنيس أنهم من البرانس من بطون البربر. (العبر، ج7، ص 7)، و الحديث عن شعوب زناتة و فروعها يحتاج لبحث طويل، لذلك سأذكر الأهم منها فقط:

1)بنو يفرن: بنو يفرن من شعوب زناتة و أوسع بطونها، و هم عند نسابة زناتة بنو يفرن بن يصلتن بن مسرا بن زاكيا بن ورسيك بن الديرت ابن جانا، وهم إخوة مغراو و بنو يرنيان و بنو واسين، و كلهم ينحدرون من يصلتين و يفرن كما يقول ابن خلدون في لغة البربر يعني القار (مذكرة ماجستير، الأوراس في العصور الوسطى، ص 116)، و أهم الأحياء المتفرعة عنهم: بنو واركو و مرنجيصة (القبائل الأمازيغية، ص 156)، و كان بنو يفرن هؤلاء لعهد الفتح أكبر قبائل زناتة و أشدها شوكة، و كان منهم بإفريقية و جبل أوراس(1) والمغرب الأوسط(2) بطون وشعوب (العبر،ج7، ص 14)، كان بنو يفرن في بداية الفتح الإسلامي ضمن القبائل الأمازيغية المتحالفة مع جراوة بهدف مقاومة المسلمين (القبائل الأمازيغية، ص 156). حيث انظموا إلى الكاهنة(1)




(1) جبل اوراس: كتلة جبلية شاهقة، تقع على بعد نحو ثمانين ميلا من بجاية، و ستين ميلا من قسنطينة، تتاخم الأوراس جنوبا صحراء نوميديا، و شمالا بلاد مسيلة وسطيف ونكاوس و قسنطينة، و هي مفصولة عن الجبال الأخرى و ممتدة على طول نحو ستيم ميلا. (وصف إفريقيا، ج2، ص 102).

(2) المغرب الأوسط: يشمل بلاد الجزائر، عاصمته تاهرت في عهد الدولة الرستمية، و أشير في عهد الدولة الزيرية، تلمسان أيام دولة بني عبد الواد، و الجزائر العاصمة حاليا. ( في تاريخ المغرب و الأندلس، ص13).

(3) الكاهنة: (78هـ- 697م): هي داهية بنت ثابتة ،كان لها بنون ثلاث ،استبدت بهم علي قومها،اشتهرت بالكهانة و معرفة الغيب،ملكت البربر35سنة،وعاشت127سنة ( العبر،ج7،ص11 ).

في قتال الجيش الإسلامي الذي قاد حسان بن النعمان(1) (مذكرة ماجستير، الأوراس في العصور الوسطى، ص 116)، وبعد هزيمة ذلك الحلف ومقتل الكاهنة و افترق شمل القبائل في أقطار المغرب، تعرض بنو يفرن للمصير نفسه (القبائل الأمازيغية، 156)، و لما فشا دين الخارجية في العرب، و غلبهم الخلفاء بالمشرق و استحملوهم نزعوا إلى القاصية، و صاروا يبثون بها دينهم في البربر فتلقفه رؤساؤهم على اختلاف مذاهبه باختلاف رؤوس الخارجية في أحكامهم من إباضية(2) و صفرية(3) و غيرهما، ففشا في البربر و ضرب فيه يفرن هؤلاء بسهم وانتحلوه، وقاتلوا عليه، وكان أول من جمع لذلك منهم أبو قرّة(4) من أهل المغرب الذي كان له ملك تلمسان(5) الكثير، ثم من بعده أبو يزيد صاحب الحمار(6) وقومه بنو واركو و مرنجصية (العبر، ج7، ص 14)، الذي ثار على الدولة الفاطمية و قد بلغ تأثير هذه الدولة في الدولة الفاطمية درجة كادت بسببها أن تسقطها نهائيا، لولا بعض التصرفات السلبية التي تسببت في تفرق جل القبائل عن أبي يزيد، وقد استطاعت قبيلة بني يفرن أن تصل برؤسائها إلى مرتبة الملك، حيث أقامت دويلات عديدة في المغربين، الأوسط و الأقصى، و في الأندلس، زمن الطوائف، و هذه الإمارات هي (القبائل الأمازيغية، ص 157).




(1) حسان بن النعمان: هو حسان بن النعمان بن عدي بن بكر بن مغيث بن عمر ومزيقياء ابن غامر بن الأزد، يعتبر من القادة المشهورين في الشام، و هو من سلالة ملوك الغساسنة، كان مقربا من خلفاء بني أمية، و ذا شخصية قوية، و يتمتع بثقة كبيرة في الأوساط السياسية في دمشق، حتى كان يلقب (الشيخ الأمين)، و حسان هو أول الولاة الشاميين عهدت إليهم مسؤولية الفتح في إفريقيا في عصر الخلافة الأموية، و عينه الخليفة عبد الملك بنفسه على إفريقية. (المغرب الإسلامي، ص 67).

(2) أصحاب عبد الله بن إباض، الذي خرج في أيام مروان بن محمد، فوجّه إليه عبد الله بن محمد بن عطية فقاتله بتبالة، و قيل أن عبد الله بن يحي الإباضي كان رفيقا له في جميع أحوالح و أقواله. (الملل و النحل، ص 108).

(3) فرقة من الخوارج، تنتسب إلى زيادة بن الأصفر، و قيل: زيادة بن صفار، أو زياد ابن الأصفر، و لقبوه بالصفرية لأنهم في نظر معارضيهم صفرا في الدّين، وقيل أن وجوههم قد اصفرت من كثرة العبادة، ظهرت في العصر الأموي، في عهد يزيد بن معاوية، كانت أقل تطرفا من الأزارقة، انتشر هذا المذهب في المغرب الأقصى والأوسط، و كانت مدينة القيروان قاعدة له، من أرائهم:1-عدم تكفير القعدة عن القتال إذا كانوا مؤمنين 2-عدم قتل أطفال المشركين و تكفيرهم وتخليدهم في النار.3-عدم إباحة دماء المسلمين.4-عدم اعتبار دار المخالفين دار حرب. (قاموس المذاهب و الأديان، ص 138).

(4) أبو قرّة: هو أبو قرّة المغيلي من بني يفرن من مغيلة، بويع بالخلافة سنة 148هـ، فتقدم حتى سهول الزاب و لكنه تراجع أمام الأغلب إلى طنجة، ثم عاد ليشارك بأربعين ألفا من الصفرية في محاصرة طبنة سنة 154هـ، و لكن عمر بن حفص والي إفريقية نجح في إبعاده عنها، إلا انه عاد من جديد لمحاصرتها فهزمه عاملها فاختفى نهائيا. (العبر، ج7 ، ص15 ).

(5) تلمسان: تكتب بكسرتين و سكون الميم، و سين مهملة، و بعضهم يقول تلمسن بالنون عوض اللام بالمغرب، و هما مدينتان متجاورتان مسورتان بينهما حجر إحداهما قديمة يسكنها الرعية و تسمى أغدير، و الحديثة اختطها الملثمون ملوك المغرب و اسمها تازفرت منها إلى وهران مرحلة. (معجم البلدان، ج2، ص ص 5-44).

(6) أبو يزيد صاحب الحمار: هو أبو يزيد مخلد، نشأ في بلدة توزر، تعلم القرآن ومال إلى الخوارج، اعتنق مذهبهم و عاش في تاهرت يعلم الصبيان القرآن وينشر مذهب الخوارج، و يعادي الشيعة، و ظهر أمره سنة 316هـ، و قويت شوكته في عهد القائم، و أخذت له البيعة سنة 331هـ و كان يستبيح الغنائم من الفاطميين، دخل القيروان سنة 332هـ و دعا إلى مجاهدة الشيعة. (أخبار ملوك بين عبيد و سيرتهم، ص 56).

إمارة أبي قرّة بتلمسان، التي قامت بعد قدوم عمر بن الأشعث إلى إفريقية، حيث انتفض بنو يفرن بتلمسان و دعوا إلى الخارجية و بايعوا أبا قرّة كبيرهم بالخلافة سنة 148هـ، و كان لها دور في حصار طنبة(1) عام 150هـ على ما سنذكره لاحقا، و عند قدوم يزيد بن حاتم(2) واليا على إفريقية توغل في المغرب و نواحيه و أثخن في أهله إلى أن استكانوا واستقاموا، ولم يكن لبني يفرن من بعدها قائمة حتى كان شأن أبي يزيد بإفريقية حسبها سنذكره، كذلك إمارة يعلي بن محمد بن صالح اليفريني (العبر، ج7، ص 15)، ثم إمارة بين يعلي بن محمد اليفريني بسلا(3) من المغرب الأقصى، ثم إمارة أبي نور بن أبي قرّة اليفريني برندة من إقليم تاكرنا بالأندلس...و مع مرمر الزمن مال حال بني يفرن إلى الضعف والتفكك بعد العز و السلطان، فتفرقت أحياؤهم عبر بلاد المغرب و الأندلس (القبائل الأمازيغية، ص 157)، و قد وصف ابن خلدون في كتابه العبر حي مرنجيصة من بطون بني يفرن، فقال عنه « كان هذا البطن من بني يفرن بضواحي إفريقية، وكانت له كثرة و قوة، و لما خرج أبو يزيد على الشيعة(4)، وكان من أخوالهم بنو واركو ظاهروه على أمره بما كان معهم من العصبية، ثم انقرض أمره و أخذتهم دولة الشيعة وأوليائهم صنهاجةو ولاتهم في إفريقية بالسطوة و القهر، و إنزال العقوبات بالأنفس و الأموال إلى أن تلاشوا و أصبحوا في عداد القبائل الغارمة، وبقيت منهم أحياء نزلوا ما بين القيروان(5)





(1) طنبة: مدينة قديمة أهلها قبيلتان عرب و برقجانة. (صورة الأرض، ص 85).

(2) يزيد بن حاتم: المهلبي،قدم المغرب بولاية ابى جعفر المنصور سنة144 ،فأزال الفساد منها ورتب القيروان، وأقام في المغرب والبلاد هادئة،الى أن توفي سنة 170 هـ في سلطان هارون الرشيد (تاريخ افريقية و المغرب،ص،ص 111،113،126).

(3) سلا: مدينة أزلية، بناها الرومان، و تغلب عليها القوط، و لما دخلت الجيوش الإسلامية إلى هذه المنطقة سلمها القوط إلى طارق بن زياد قائد الجيش الإسلامي، وبعد تأسيس مدينة فاس انضوت سلا تحت سلطة ملوكهان فبنيت هذه المدينة على شاطئ المحيط، موقعها استيراتيجي، هاجمها أسطول ملك قشتالة عام 670هـ، و لم يدم مقامهم سوى عشرة أيام، إذ هاجمها يعقوب بن عبد الحق أول ملوك بني مرين، و يعيش الناس في سلا عيشة طيبة. (وصف إفريقيا، ج1، ص ص 207-208).

(4) الشيعة: هم أتباع الإمام علي بن أبي طالب و آل بيته، ظهرت شكل واضح في زمن عثمان بن عفان –رضي الله عنه- و كثر أتباعها بعد وفاته، عندما نودي بمعاوية بن أبي سفيان خليفة على المسلمين، عند انشق المسلمون إلى فرقين،: أحدهما يدعو إلى معاوية فسمي أنصاره "الأحزاب"ن و الآخر يدعو إلى علي و سمي أنصاره "الشيعة". (قاموس المذاهب و الأديان، ص 130).

(5) القيروان: مدينة عظيمة و هي أول مدينة عمرت في الأرض، و كانت عظيمة البناء، كانت تضاهي بغداد، و هي من قواعد الإسلام الأربعة، بغداد، القاهرة، القيروان، قرطبة، ذكر أن عقبة هو الذي اختطها و بنا مسجدها، كانت ولايتها في أول حدوثها لبني الأغلب، قوم من بين تميم تحت يد بني العباس، إلى أن وصل إليها أبو عبد الله الحسين بن محمد بن أحمد الكوفي المدعو بداعية المغرب سنة 280هـ، و لما انتقل العبيد بين مصر خلفه زيري بن مناد الصنهاجي على المغرب، وبما في ذلك القيروان، و كان خرابها على يد المعز بن باديس الصنهاجي، آخر ملوك صنهاجة. (كتاب الجغرافيا، ص ص 109-111).

وتونس(1)، أهل شاء و بقر و خيام يظعنون في نواحيها و ينتحلون الفلح في معاشهم، و ملك الموحدون إفريقية وهم بهذه الحال، و ضربت عليهم المغارم والضرائب و العسكرة مع السلطان في غزواته بعدّة مفروضة يحضرون بها متى استقروا (العبر، ج7، ص 28)، و في زمن ابن خلدون تسلّط عليهم حي من بني سليم يسمى الكعوب، كانت الدولة الحفصية قد استنجدت بهم لصد قبيلة الذواودة من أحياء رياح، فأقطعتهم المنطقة ما بين قابس(2) و باجة(3)، فأصبحت مرنجصية ضمن إقطاعاتهم و ألزموها على دفع الخراج (القبائل الأمازيغية، ص 158)، وبعد موقعة بني مرين على القيروان، صار مرنجصية هؤلاء من صفاياهم...ورجعوا إلى ما ألفوه من الغرامة وقوانين الخراج (العبر،ج7، ص 29).

2) مغراوة: كانت مغراوة هي الأخرى من أكثر بطون زناتة عددا في هذه الفترة كبني يفرن و جراوة (مذكرة ماجستير، الأوراس في العصور الوسطى، ص 116)، يرجع نسبهم إلى مغراو بن يصلتين بن مسرا بن زاكيا بن ورسيك بن الديرت بن جانا، و أهم إخوة بني و بني برنيان (العبر، ج7، ص 29)، و لمغراوة فروع كثيرة أهمها: بنو سنجاس، بنو غيار، بنو ريغة، بنو ورا (دور زناتة في الحركة المذهبية، ص 19)، جمهورهم بالمغرب الأوسط من شلف إلى تلمسان إلى جبل مديونة(4) (تاريخ الجزائرفي القديم و الحديث، ص 212).








(1) تونس: مدينة عجيبة فيها الجامع المكرّم، و هو جامع كبير فيه خمسمائة سارية من الرخام الأبيض، و فيه صحن عظيم، و في شرقي الجامع الصحن لترش بالرخام الأبيض مرتفع نحو الخمسة عشر ذراعا، يشرف على شارع البلد و على جانب هذا الصحن سقاية عظيمة البناء، و هي سبعة أقواس و قوسان فيها أحجار من الرخام، و عليها أسود من النحاس ترمي الماء من طلوع الشمس إلى غروبها، يستقي الناس من هذا الماء، و الخمسة أقواس في كل قوس منها خمس نهود من نحاس، يأتي الرجل إليها فيبقي فمه على النهد فيخرج له ماء عظيم، فيشرب حتى يرتوي، فإذا انزل فمه جفّ الماء و لم ينقص منه شيئا، وهو كذلك أبدا. (كتاب الجغرافيا، ص 108).

(2) قابس: مدينة كبيرة جدا، بناها الرومان على ساحل البحر المتوسط داخل الخليج، نهبها الأعراب مما أدى إلى انحطاطها وهجران الناس عنها. (وصف إفريقيا، ج2، 66).

(3) باجة: مدينة عتيقة بناها الرومان على بعد نحو خمس و عشرين ميلا من البحر المتوسط، و ثمانين ميلا أو أكثر بقليل من تونس، وبما أنها شيدت في موقع مدينة أخرى أطلقوا عليها اسم فيتشيا، ثم تحولت الفاء باء والكاف جيما فأصبح الاسم باجا. (وصف إفريقيا، ج2، ص 66).

(4) جبل مديونة: بقبلة فاس. (المغرب في ذكر بلاد إفريقية والمغرب، ص 27).



وكان لمغراوة هؤلاء في بدوهم ملك كبير أدركهم عليه الإسلام فأقره لهم، و حسن إسلامهم (العبر، ج7، ص 29)، و قد قيل بأن أميرهم في فترة الفتح (صولات بن وزمار)(1)، ذهب إلى المدينة المنورة مقر الخلافة، و قابل عثمان بن عفان –رضي الله عنه-(23-35 هـ/644-656م) و أسلم و قومه، فصاروا من موالي عثمان و بني أمية (مذكرة ماجستير، الأوراس في العصور الوسطى، ص 116)، وبعد قيام الدولة الإدريسية بالمغرب بقيادة إدريس الأكبر(2)سنة 170هـ في خلافة الهادي(3) (169-170هـ/785-786م)، انحازت إليها مغراوة التي كانت تحت رئاسة محمد بن خزر وسلمت إليها قيادة الأمور في تلمسان، و اكتفى أمراؤها بمرتبة الرئاسة على قومهم عبر الأرياف والبوادي (القبائل الأمازيغية، ص 160).

و لما قامت الدولة الأموية بالأندلس انضمت إليهم و نقلت ولاءها أليهم (موسوعة القبائل العربية،ج1، ص 1055)، و لما كانت دولة الشيعة و استوثق لهم ملك إفريقية حاربتهم مغراوة بقيادة محمد بن خزر(4) بالتحالف مع أمويي الأندلس (الناصر)، و كان لهم في ذلك وقائع كثيرة، سنذكرها في موضعا (العبر، ج7، ص 31).










(1) صولات بن وزمار: (70هـ/689م)، عاش في القرن الأول الهجري، لعب دورا كبيرا في نشر الدين الإسلامي بين قومه، و بذلك مهد الطريق للفتوحات الإسلامية في الغرب و خاصة الأندلس، حيث كان ملكا على قومه مغراوة، اعتنق الإسلام زمن عثمان بن عفان و حسن إسلامه وكان ذلك سنة 25هـ، و أقره بعد ذلك عثمان على قومه و كلفه بنشر الإسلام بين قومه، و نجح في ذلك بحيث أصبح الجزء الكبير من المغرب الأوسط يدين بالإسلام، و أغلب الظن أنه توفي سنة 70هـ/689م). (معجم مشاهير المغاربة، ص ص 285-286).

(2) إدريس الأكبر: هو الإمام القائم بالمغرب الأقصى، إدريس بن عبد الله بن الحسن ابن الحسين بن علي بن أبي طالب –رضي الله عنهم- بويع له بمدينة وليلي سنة 172هـ، و توفي سنة 177هـ، فكانت خلافته خمس سنوات، و قد قتل مسموما. (الأنيس المطرب، ص ص 11-12).

(3) الخليفة الهادي (169-170هـ /785-786م): هو موسى الهادي، ولاه أبوه العهد بعده، أتته البيعة و هو يحارب في طبرستان وجرجان، من صفاته أنه كان قاسي القلب شرس الخلاق، وكان شديدا شجاعا جوادا سخيا، مما يؤخذ عليه تنكيله بالعلويين، وتمثيله بالأمويين و الخوارج و الزنادقة. (تاريخ الإسلام السياسي و الديني و الثقافي و الاجتماعي، ج2 ، ص ص 41-42).

(4) محمد بن خزرالزناتي: ثائر على الدولة الفاطمية،دخل في طاعة الناصر الأموي وتحالف معه وتظاهروا على الشيعة. (دور زناتة في الحركة المذهبية، ص190)،

وقد استقر زيري بن عطية(1) أحد زعماء بني خزر بفاس(2)، و مكن لنفسه إلى أن جاء المرابطون(3)عام 455هـ/1036م (دائرة المعارف الإسلامية، ص 417)، وقد تمكنت مغراوة من إنشاء بعض الأمارات والدول في المغربين الأقصى والأوسط ثم طرابلس(4)، مثل: إمارة بني جزر بتلمسان، أمارة آل زيري بن عطية بفاس، إمارة بين خزرون بسجلماسة(5)، إمارة بني خزرون بطرابلس، إمارة بني يعلى أولاد خزر بتلمسان، إمارة لقوط بن يوسف بن لقوط بن يوسف بن علي المغراوي بأغمات(6) ، إمارة بني منديل بشلف و مازونة(7) (القبائل الأمازيغية، ص 160).

والمحقق عند أهلها و أعرابها أن الهلاليين تغلبوا على أطراف مدينتهم، وبها بستان يعرف اليوم باسم هلال، و بجبل كسال طائفة معروفة اليوم باسم غواط كسال، ومنها ريغة بعضهم بجبل عياض إلى نڤاوس(Cool، تغلب عليهم العرب، وبعضهم بوادي ريغ لهم على عدويته قصور كثيرة و فلاحات متنوعة، خرب جلها ابن غانية، و من تلك القصور تڤرت، و منها سنجاس بالجريد والزاب وأرض مسنتل و جبل كريرة و جبل راشد و شلف، و قد تغلب عليهم الهلاليون، فاستكانوا للدول، ومنها بنو ورسيفان و بنو ورتزمان و بنو يلنت و بنو بوسعيد و كلهم بشلف (تاريخ الجزائر في القديم و الحديث، ص ص 212-213).

(1) زيري بن عطية: تولى حكم زناتة في 368هـ، و غلب على جميع بوادي المغرب، و ملك مدينة فاس سنة 377هـ، و في سنة 381هـ عقد له المنصور بن أبي عامر على المغرب، و كانت وفاته سنة 391هـ. (الأنيس المطرب، ص ص 102-105).

(2) فاس: مدينة جليلة مسورة بالصخر الجليل، من بنيان الأول، ذات حصن حصين، لها ثلاثة أبواب، و يسكنها العرب و الأفارقة، و هي دار مملكة بني إدريس بن عبد الله بن حسن بن علي بن أبي طالب- رضي الله عنهما- -. (المغرب في ذكر بلاد إفريقية و المغرب، ص، ص 17، 116).

(3) المرابطون: في شرقي غانة بنحو عشرين فرسخا مدينة قرافون، و هي اقرب مدائن الصحراء إلى ورڤلان و إلى سجماسة و بين هاتين المدينتين يسكن المرابطون، و قد أسلم هؤلاء القوم حين أسلم أهل ورڤلان في مدة هشام ابن عبد الملك، لكنهم كانوا على مذهب خرجوا به عن الشرع، ثم صلح إسلامهم حين أسلم أهل غانة و تادمكة و آهل قرافون وهم يضافون إلى مدينة غانة لأنها حاضرتهم ودار مملكتهم. (كتاب الجغرافيا، ص 126).

(4) طرابلس: كانت قدما من عمل إفريقية و البربر المقيمين هناك من هوارة و غيرهم إليه، و هي بيضاء على ساحل البحر، خصبة، حصينة و كبيرة. (صورة الأرض، ص 71).

(5) سجلماسة: بنيت سنة 140هـ، ملكها بنو مدرار سنة 160هـ، كان فيها أبو القاسم سمجو بن واسول المكناسي، و دخلها جوهر و مملكها سنة 347هـ. (المغرب في ذكر بلاد إفريقية و المغرب، ص، ص 149، 151).

(6) أغمات: مدينة موسومة بالقدم، وكانت حاضرة المصامدة، و بالقرب منها البركة العظيمة، التي تجتمع فيها مياه أغمات كلها، و هي كثيرة الفواكه و الكروم و الزرع و الضرع. (كتاب الجغرافيا، ص 117).

(7) مازونة:مدينة أزلية بناها الرومان على بعد 40 ميلا من البحر،كانت مدينة متحضرة جدا،تعرضت للتخريب كثيرا حتى أصبحت اليوم قليلة السكان.(وصف افريقيا،ج2،ص36)

(Cool نڤاوس:مدينة تتاخم نوميديا،بناها الرومان على بعد180ميلا من البحر المتوسط و80ميلا من المسيلة، وهي مدينة كثيرة النعم.(وصف افريقيا،ج2،ص53).

3) جراوة: هي أقوى فروع قبيلة زناتة، كان مركزهم الرئيسي في جبال الأوراس، حيث كان لملكتهم المشهورة الكاهنة في القرن 2هـ شأن كبير في مقاومة الفتح العربي (دائرة المعارف الإسلامية، ص 417)، كانت جراوة تعطي الطاعة للفرنجة في موطنها، فيما كانت هي تملك الضواحي المجاورة و النواحي القريبة.

و جراوة من ولد كراو بن الديرت بن جانا، كانت الرئاسة فيهم للكاهنة بنت تابنة بن نبقان بن باورا بن مصكسري بن افرد بن وصلا بن جروا، حيث تجمعت زناتة حولها لمقاومة العرب بعد مقتل كسيلة(1) ونهاية تورثه (مذكرة ماجستير، الأوراس في العصور الوسطى، ص 160).

وكان ملوك جراوة أعظم شأنا، فالتف حول الكاهنة القبائل البترية، و انضوى إليها بنو يفرن ومن كان بإفريقية من قبائل زناتة و سائر البتر، و تمكنت الكاهنة من هزيمة المسلمين، فتراجع حسان بن النعمان إلى برقة(2) حتى جاءه المدد من المشرق، فزحف إليها سنة 74هـ و قضى عليها، وبذلك افترق جراوة بين القبائل، و كان منهم قوم بسواحل مليلة(3)، و كان لهم آثار بين جيرانهم هناك، وإليهم نزغ ابن أبي العيش لما غلبه موسى بن أبي العافية(4) على سلطانه بتلمسان أوائل المائة الرابعة، فنزل إليهم و بنا القلعة بينهم إلى أن خربت من بعد ذلك، و القل منهم بذلك الوطن إلى الآن لهذا العهد مندرجون في يطوفت و من إليهم من قبائل غمارة (العبر، ج7، ص 11).






(1) كسيلة: هو كسيلة بن ملزم المغربي، ينتمي إلى قبيلة مغربية ذات قوة و غلبة، حتى عهد الفتح الإسلامي و هي قبيلة أوربة نسبة إلى شيخها و قائدها "أورب بن برنس"، ولعله مؤسس مجد هذه القبيلة، خلفه كسيلة في قيادة القبيلة، و كان كسيلة يتدين بالديانة المسيحية و أعلن إسلامه في أول الفتح، ثم ارتدّ عنه قبيل تعيين القائد المسلم أبو المهاجر دينار على إفريقية ، و اسلم على يد أبي المهاجر دينار، و كان له ما كان مع عقبة بن نافع .(المغرب الإسلامي ص ص 40-41).

(2) برقة:منطقة في الجزء الشمالي الشرقي من ليبيا، استوطنها الإغريق، حكمها بطالمة أو بطالسة مصر بعد وفاة الإسكندر المقدوني، ثم سيطر عليها الرومان ابتداء من عام 96 ق،م، فتحها العرب بقيادة عمرو بن العاص عام 642م، خضعت للسيادة العثمانية اسميا بعد القرن 15م، احتلها البريطانيون بعد معركة العلمين، أصبحت جزء من الدولة الليبية عام 1951م، مساحتها 855 ألف كلم2، سكانها 500 ألف نسمة، أهم مدنها بنغازي. (الموسوعة الجغرافية للوطن العربي، ص 106).

(3) مليلة: مدينة كبيرة قديمة، أسسها الأفارقة على رأس خليج البحر المتوسط، كانت عاصمة المنطقة، كانت حينا من الدهر خاضعة للقوط، فتحها المسلمون فهرب القوط إلى الأندلس، أرسل ملك إسبانيا أسطولا لحصارهم، فاستنجد سكانها بملك فاس، وفر سكانها، فقام ملك فاس بإحراق المدينة سنة 896هـ، ولما وصل الأسطول بعد الحريق و رأى المدينة خالية، فبنوا فيها حصنا، وهم اليوم مالكوها. (وصف إفريقيا، ج1، ص 341).

(4) موسى بن أبي العافية: هو موسى بن أبي العافية المكناسي بن أبي بسال بن أبي الضحاك المكناسي، و هو مؤسس إمارة آل أبي العافية المكناسية، و عقد له ابن عمه مصالة بن حبوس على سائر المغرب سنة 305هـ، و أقره العبيديون على ولايتهن ثم ضم فاس سنة 313هـ، و أجلى الأدراسة عن مملكتهم، نقض الدعوة الفاطمية و مال إلى المروانية، ثم عاد إليها تحت ضغط بني زيري، مات سنة 341هـ. (مفاخر البربر،ص139).

4) بنويرنيان: و هم بنويرنيان بن يصلتين، جدهم الأكبر هو زانا بن يحي، و من إخوتهم بنو يفرن و مغراوة، و كان بنويرنيان من أشد القبائل شكيمة و أخلصهم جهادا (القبائل الأمازيغية، ص 164)، متفرقون في مواطن زناتة، و جمهورهم على وادي ملوية(1) مجاورين لمكناسة (تاريخ في الجزائر القديم و الحديث، ص 211)، تعددت بطونهم و أفخاذهم، فمنهم بنو وطاط موطنون لهذا العهد بالجبال المطلة على واد ملوية من جهة القبلة...و كان لبني يرنيان هؤلاء صولة و اعتزاز، وكانوا من أفحل جند الأندلس(2) (العبر، ج7، ص 59)، وكان بنويرنيان أتباعا وأعوانا لإخوانهم مغراوة أيام ملكهم المغرب الأقصى، و في العهود الأخيرة تحالفوا مع بني مرين، وجاوروهم بالقفر، خلال عهدي المرابطين و الموحدين، و كانوا سندا لهم عند إسقاط الدولة الموحدية، و عليه فقد أشركهم بنومرين في مناصب الدولة، حيث اسندوا إلى بعض بيوتهم مرتبة الوزارة، كما عين آخرون على رأس المقاطعات و العمالات (القبائل الأمازيغية، ص 165).

5) وجديجن: كان جمهورهم بمنداس شرقي يفرن و شمال لواتة و غربي مطماطة (تاريخ الجزائر في القديم و الحديث، ص 211)، وهم من أولاد ورتنيص، و جدهم هو زانا بن يحي، و إخوتهم هم بنو واغمرت، كانت أعدادهم زاخرة و قوتهم وافرة، و من أشهر رؤسائهم الشيخ عنان الذي عاش في عهد يعلى بن محمد اليفريني أمير بني يفرن (القبائل الأمازيغية، ص 167)، وكانت بينهم وبين لواتة الموطنين بالسرسو، فتنة متصلة يذكر أنها بسبب امرأة من وجديجن نكحت في لواتة وتلا، جاء معها نساء من موطنهم فعيرنها بالفقر، فكتبت بذلك إلى عنان، فغضب واستجاش بأهل عصبته من زناتة و جيرانه، و دارت الحرب بينهم و بين لواتة، ثم غلبوا لواتة في بلاد السرسو، وانتهوا بهم إلى كدية العابد من آخرها، وهلك عنان شيخ وجديجن (العبر، ج7، ص 60)، وذلك أيام العبيديين، و ورث وجديجن منداس إلى أن غلب على مواطنهم بنو يلومي وماتوا، فلم يكن لهم ذكر في العصر البربري (تاريخ الجزائر في القديم و الحديث، ص 211).




(1) واد ملوية: نهر كبير ينبع من الأطلس في ناحية الحوز، على بعد نحو خمسة و عشرون ميلا من مدينة كرسلوين، يجتاز أولا بعض السهول الوعرة اليابسة ليصل إلى سهل أكثر وعورة و يبسا بين مغارات أنكاد و كرط، و يمر في سفح جبل بني يزناسن و يدخل في البحر المتوسط غير بعيد عن مدينة غساسة. (وصف إفريقيا، ج2، ص 250).

(2) الأندلس: بلاد الأندلس حسنة الهواء طيبة الماء، يشقها أربعون نهرا، لا يوجد هذا في معمورة الأرض إلا فيها، و هي أبرك بقاع الأرض و أكثرها نسلا. (كتاب الجغرافيا، ص 80).



6) واغمرت: يسمّون أيضا غمرت، و هم أبناء ورتنيص من أحفاد زانا (القبائل الأمازيغية، ص 169)، جمهورهم جنوب صنهاجة فيما بين الدوسن(1) و مشنتل (تاريخ الجزائر في القديم والحديث، ص 221) « كانوا أوفر القبائل عددا، كان لهم مع أبي يزيد صاحب الحمار في الشيعة آثار، و واقع بهم إسماعيل عند ظهوره على أبي يزيد و أثخن فيهمن و كذلك في بلكين و صنهاجة من بعده» (العبر، ج7، ص 61)، واكتملت مصيبتهم باجتياح ديارهم من طرف بين هلال (القبائل الأمازيغية، ص 169)، فاعتصموا بالجبال قبلة المسيلة(2) و صنهاجة و قعدوا عن الظعن، ثم صاروا في أقطاع الذواودة (تاريخ الجزائر في القديم و الحديث، ص 211)، الذين أقطعتهم الدولة الجبال التي تسكنها واغمرت، فأضحوا بذلك من القبائل الغارمة التي تدفع مغرمها التي تدفع مغارمها إلى قبيلة الذواودة (القبائل الأمازيغية، ص 169).

7) بنو ومانو و بنويلومي: ذكر ابن خلدون أنه لم يتم معرفة نسبها إلى جانا، إلا أن نسّابتهم متفقون على أن يلومي و ورتاجن الذي هو أبو مرين أخوان، و أن مديون أخوهما لأم، و كانت هاتان القبيلتان من أوفر بطون زناتة و أشدهم شوكة، و مواطنهم جميعا بالمغرب الأوسط (العبر، ج7، ص ص 65-66)، فأما موطن بني وامانو فهي في المغرب الأوسط شرق وادي ميناس بمنداس، وحتى أسافل شلف، وثمة بعض الأحياء من بني وامانو ببني يالدّاس، وهم منتشرون في القصور الجنوبية التي تسمى توات، وتيكورارين، و أشهر قصورهم هي: بودا، تمنطيط وتيميمون وقليعة و تعتبر هذه القصور الصحراوية بمثابة محطات رئيسية لقوافل التجار المتنقلين بين مالي وأقطار المغرب.

أما بني يلومي فمواطنهم تتواجد في الضفة الغربية لوادي ميناس بالجعبان والبطحاء(3) وسيكوسبرات وجبل هوارة و بني راشد. (القبائل الأمازيغية، ص، ص177،179).




(1) الدوسن: مدينة أزلية بناها الرومان في النقطة التي تتاخم فبها مملكة بجاية صحراء نوميديا، و قد خربت لما دخل جنود المسلمين إلى إفريقيا، لأنهم لم يرضوا بتسليمها إلى القائد العربي، احتلت عنوة، ثم أضرمت فيها النيران فأحرقت المنازل. (وصف إفريقيا، ص 14).

(2) المسيلة: مدينة عتيقة بناها الرومان في تخوم صحراء نوميديا، على بعد نحو مائة و أربعين ميلا من بجاية. (وصف إفريقيا، ج2، ص 52).

(3) البطحاء: أصله المسيل الواسع فيه دقاق الحصى، و قال النضر: الأبطح و البطحاء بطن الميثاء و التلعة و الوادي، و هو التراب السهل في بطونها مما قد جرّته السيول، يقال: أتينا أبطح الوادي، و بطحاءه مثله، و هو ترابه و حصاه و السهل اللين، و الجمع الأباطح، وقال بعضهم، البطحاء كل موضع متسع، و قول عمر –رضي الله عنه- بطّحوا المسجد أي ألقوا فيه الحصى الصغار، وهو موضع بعينه قريب من ذي قار، و بطحاء مكة و أبطحها ممدود، و بطحاء أيضا: مدينة بالمغرب قرب تلمسان، يبنهما نحو ثلاثة أيام أو أربعة. (معجم البلدان، ج1، ص 446).

وكانت مغراوة و بني يفرن أكثر منهم عددا و قوة، و عندما تقلص نفوذ مغراوة وبني يفرن على يد بلكين بن زيري(1)، بقيت هاتان القبيلتان بمواطنهما، وانظمتا إلى صنهاجة في حروبها، و لما تقلص ملك صنهاجة اعتزلوهم، و تول بنو مانو الولاية في عهد الناصر بن علناس صاحب القلعة(2)، وبذلك أصبحوا سندا لقومه، وكانت رياستهم في بيت يعرف ببني ماخرخ، الذي أصهره المنصور بن الناصر في أختها، فزوجها إياه، فزادهم ذلك ملكا (العبر، ج7، ص 66).

وفي عهد المرابطين دب الخلاف بين الطرفين، عندما ناصرت قبيلتا بني وامانو وبني يلومي المرابطين ضد الدولة الحمادية(1)، الأمر الذي دفع المنصور لقتل زوجته أخت ماخوخ شيخ قبيلة وامانو انتقاما منهم، وبعد وفاة المنصور خلفه ابنه العزيز، وفي عهده رجع بنو وامانو إلى طاعة الدولة الحمادية، وبذلك انتهى الحلف بين بني وامانو وبني يلومي، حيث نشبت بينهما الفتن، وازدادت عمقا عندما ظهر الموحدون، حيث وصل بهم الحال إلى الاقتتال بسبب تحيّز أحدهما إلى أعداء الآخر، حيث انظم بنو وامانو إلى الموحدين متخلين في ذلك عن أبناء عمومتهم و حلفائهم الطبيعيين بني يلومي الذّين ظلوا على ولائهم للمرابطين...ومع مرور الوقت وبسبب الفتن والحروب اضمحل شأن القبيلتين وانقرض عزهما، ووهنت شوكتهما، و أصبحوا مغلوبين لقبيلتي توجين وبني عبد الواد (القبائل الأمازيغية، ص 176، 178).

Cool بنو واركلا: هم أبناء نمالة بن فريني بن زانا بن يحي، و من إخوانهم منجصة و يزمورتن، عددهم ليس كبيرا، و رئيسهم أيام ابن خلدون من بيت منهم و هو أبو بكر بن موسى بن سليمان من بني أبي غبول (القبائل الأمازيغية، ص 171).





(1) بلكين بن زيري: من قبيلة صنهاجة، التي ساندت الدولة الفاطمية، و عندما اندلعت ثورة أبي يزيد ضد الفاطميين قام بلكين بدور ملحوظ في إخماد هذه الثورة والقضاء عليها، كلفه الفاطميون بولاية المغرب الأوسط، فقام بتنظيمه، و بعد رحيل المعز إلى مصر، كان بلكين بالمغرب كله و أسماه أبو الفتح يوسف، فقام بلكين بتوطيد ملكه في المغرب حتى أصبح المغرب كله من طرابلس إلى فاس يخضع له و لعله أول ملك استطاع أن يوحد المغرب. (معجم مشاهير المغاربة، ص ص 71-72).

(2) القلعة: قلعة بني حماد، مدينة متوسطة بين أكم و أقران، لها قلعة عظيمة على قمة جبل سمي "تاقربوست"، تشبه في التحصن ما يحكى عن قلعة أنطاكية، وهي قاعدة ملك بني حمّاد بن يوسف الملقب بلكين بن زيري بن مناد الصنهاجي البربري، و هو أول من أحدثها سنة 380هـ، وهي قرب أشير من أرض النغرب الأدنى. (معجم البلدان، ج4، ص 390).

(3) الدولة الحمادية: هي شعبة من دول ال زيري،أول أمرائها حماد الذي بني القلعة سنة 398هـ ، واتسع ملكها ،من أشهر حكامها القائد ابن حماد ، محسن بن القائد، يحي الذي في عهده دخل الموحدون القلعة عنوة وانقرض ملك بني حماد بعد تفرقهم. (العبر،ج6،ص ص 202-210).

موطنهم جنوب الزاب(1) اختطوا المدينة المعروفة بهم لهذا العهد (ورڤلة)(2) على بعد ثمان مراحل من جنوب بسكرة(3)، (دور زناتة في الحركة المذهبية، ص 21)، و إليهم كان هرب ابن أبي يزيد النكاري عند فراره من الاعتقال سنة 325هـ، و استبحر عمران هذا المصر، و اعتصم به بنو واركلا هؤلاء، و الكثير من ظواعن زناتة، عندما غلب الهلاليين إياهم على المواطن و اختصاص الأثيج بضواحي القلعة و الزاب و ما إليهما، وفي عهد الأمير أبو زكريا بن أبي حفص زاد في هذا المصر، وقد وصفه ابن خلدون قائلا: « و هذا البلد لهذا العهد باب ولوج السفر، من الزاب إلى المغارة الصحراوية المفضية إلى بلاد السودان، يسلكها التجار الداخلون إليها بالبضائع، وسكانها لهذا العهد من أعقاب بين واركلا...» (العبر، ج7، ص 62).

9) بنودمر: هم أبناء الغانا بن ورسيك أو ورسيج، لأن اسم دمر لقبه و ليس اسمه، و جدّهم هو زانا بن يحي (القبائل الأمازيغية، ص 171)، مواطنهم في نواحي طرابلس، و جبالها و غرب إفريقية (دور زناتة في الحركة المذهبية، ص 21)، من أوسع بطونهم بنو ورنيد، و من ورنيد بنو ورتانين و بنو تفورت و بنو بزال، وكان بنو برزال بجبل سالات من ناحية بوسعادة، و بقية ورنيد بصحراء تلمسان إلى سعيدة، و تغلب عليهم بنو راشد، فانقبضوا إلى الجبل المضاف إليهم المطل على تلمسان (تاريخ الجزائر في القديم و الحديث، ص 212).

وقد أجاز إلى الأندلس من بني دمر أعيان و رجالات حرب فيمن أجاز إليها من زناتة و سائر البربر مثل: نوح الدمري الذي كان له و لأبنائه شأن في الأندلس (العبر، ج7، ص 63).







(1) الزاب: يقع هذا الإقليم في وسط مفازات نوميديا، يبتدأ غربا من تخوم مسيلة، يحده شمالا جبال مملكة بجاية، و يمتد شرقا إلى بلاد الجريد التي توافق مملكة تونس، وجنوبا إلى القفاز التي تقطعها الطريق المؤدية من تڤرت إلى ورڤلة. (وصف إفريقيا، ج2، ص 138).

(2) ورڤلة: مدينة أزلية بناها النوميديون في صحراء نوميديا، سكانها أغنياء جدا لأنهم على اتصال مع مملكة أكدر. (وصف إفريقيا،ج2، ص 136).

(3) بسكرة: أشهر الواحات الجزائرية، عرفت أيام الحكم الروماني باسم –فيسكرا- كانت أيام ازدهار الديانة المسيحية مركز أسقفية، افتتحها العرب تحت إمرة عقبة بن نافع الفهري، دخلت تحت حكم الأغالبة (182-296هـ)، ثم حكم الفاطميين (296- 362هـ)، ثم حكم الحماديين (404-574هـ)، هاجمها أعراب بني هلال و احتلوها، و جاء الموحدون (547-626هـ) فدخلت تحت حكمهم، استقل عنهم الحفصيون و صارت بسكرة تابعة لهم. (عنوان الدراية، ص 91).



وقد تمكن بنو دمر و إخوتهم بنو برزال من تشييد إمارتين صغيرتين في الأندلس هما: إمارة بني برزال بقرمونة(1) ثم إمارة بني نوح الدمري بمرور، وظل بنو د
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
badro1819

badro1819


عدد المساهمات : 419
تاريخ التسجيل : 19/04/2011

قبيلة زنــــــــــاتة البربرية ودورها في الفتح الإسلامي لبلاد المغرب  Empty
مُساهمةموضوع: تكمــــــــــــــــــــــــلة    قبيلة زنــــــــــاتة البربرية ودورها في الفتح الإسلامي لبلاد المغرب  I_icon_minitimeالأربعاء 28 مارس 2012 - 3:02



المبحـث الثـالث:

خصائصـها و نمـط معيشتـها:

لقبيلة زناتة خصائص و مميزات عامة و خاصة، فالعامة تشترك فيها مع بقية القبائل، في حين أن الخاصة تميّزها عن غيرها، كما أن لزناتة نمط خاص في أسلوب المعيشة.

أولا: الخصائص العامة: قبائل زناتة رحل في جملتهم على طريقة الأعراب، يتفرقون في كل البلاد (دائرة المعارف، ص 416)، و يمكن تقسيم الرحالة في بلاد المغرب إلى ثلاثة أصناف هي:

أ-الرحالة الكبار (Grands Nomades) أو البدو: و هم الذين ينتقلون في طرق متغيرة، غير معروفة مع كونها تقع ما بين السهوب مقدمة الصحراء و السهول المرتفعة، حسب ما تقتضيه حاجيات عيشهم ومتطلبات أمنهم، مجتنبين الجبال أثناء الذهاب والإياب، و يعتمدون في عيشهم على سكن الخيام...كما يجتمعون في قبائل، يحكم كل قبيلة شيخ يطلق اسمه عليها و على سلالتها، وعندما تصبح هذه السلالة كبيرة جدا تنقسم إلى فروع يحكمها شيوخ آخرون، و هذا الانقسام لا يكون في الغالب شعوبا من أصل واحد، فالقبيلة تجمع الأقارب و الحلفاء، وكثيرا ما تنتقل وظيفة الشيخ من الأب إلى الابن (دور زناتة في الحركة المذهبية، ص 21)، و يشعر أفراد القبيلة الواحدة أن هناك رابطة فيزيولوجية قوية تربطهم، ومن صفاتهم الغلظة و البساطة و الخشونة و الصراحة والشجاعة في الحروب.

ب-أنصاف الرحالة (Semi Nomades) أو أنصاف البدو: يتميز هؤلاء بمقرهم المحدد الذي يقضون فيه جزء من السنة، و هم منتجعون كبار لكنهم في الوقت نفسه عمال موسميون، يذهبون إلى الشمال ليؤجروا خدماتهم، و يعيش أنصاف الرحالة أثناء تنقلهم في ظروف تشبه ظروف الرحالة الكبار إلا أن التقاليد تختلف اختلافا ملموسا عندما يستقرون في القرية، إذ يقتسم مجلس القدماء (Conseil d’anciens) السلطة مع الرئيس، وتكون قوانين الحياة عندهم موافقة لمتطلبات حياة الحضر.

ج-الرحالة الصغار (Petites transhumants): يتميزون بأنهم يجمعون بين القيام بأعمال الزراعة و الرعي في آن واحد، فهم يملكون مزارع في الجبال وأراضي للرعي في السهول، حيث تخيم العائلات في فصل الشتاء، ثم تعود مع بداية الربيع إلى المنزل للقيام بالأعمال الزراعية، وكثيرا ما تصعد إلى أعلى الجبل في عز الصيف عندا تجف الحشائش حول القرية، و المنتجع لا يخرج أبدا من ممتلكاته، إلا في حالة القحط الشديد، متبعا مراحل معينة في زمن محدد بدقة.

وقد كانت بعض فروع زناتة رحالة كبار، والبعض الآخر أنصاف رحالة أو رحالة صغار وهؤلاء هم الذين أسسوا المدن.

وإذا كانت زناتة تشترك في خصائصها العامة مع الرحالة الآخرين فإن لها أيضا مميزات خاصة بها (دور زناتة في الحركة المذهبية،ص23).

وقد وصف ابن خلدون قبائل زناتة بقوله: « وكانت مكاسبهم الأنعام و الماشية وابتغاؤهم الرزق من تحيف السابلة و في ظل الرماح المشرعة، و كانت لهم في محاربة الأحياء و القبائل ومنافسة الأمم و الدول و مغالبة الملوك أيام و وقائع...» (العبر، ج7، ص 3 )، ولم تكن مخالطة بينهم وبين أهل الأرياف والحضر، حتى يشهدوا آثارهم لإبعادهم في القفر و توحشهم عن الانقياد، فبقوا عقلا إلى أن درس منهم الكثير و لم يصل إلينا بعد ملكهم إلا الشارد القليل (تاريخ الجزائر في القديم و الحديث، ص 209)، كما أن ابن خلدون حدد ظاهرتين مميزتين لزناتة عن غيرها من الأمازيغ هما أسلوب العيش و اللهجات.

ثانيا: الخصائص الخاصة:

1-أسلوب العيش: تعتمد زناتة في عيشها على الترحال بحثا عن الكلأ و الماء عبر السهوب والفيافي، فهم كالأعراب، يتخذون الخيام مساكن لهم، و يلتفون على اكتساب الإبل و الخيل (القبائل الأمازيغية، ص ص 143-144)، فقد قال ابن خلدون: « و هم لهذا العهد آخذون من شعائر العرب في سكنى الخيام و اتخاذ الإبل و ركوب الخيل، و التغلب في الأرض و إيلاف الرحلتين، و تخطف الناس من العمران، و الإباية عن الانقياد للنصفة» (العبر، ج7، ص 3).

2-اللهجات: ان اللهجات التي تتكلم بها زناتة تختلف عن لهجات الأمازيغ الأخرى، و قد ذكر ذلك بان خلدون بقوله: «...و شعارهم بين البربر اللغة التي يتواصلون بها، و هي منتشرة بنوعها عن سائر رطانة البربر» (العبر، ج7، ص 3)، و تنتشر هذه اللهجة في واحات الزاب و ورڤلة وفي غرب الجزائر، يطلق عليها الزناتية (موسوعة القبائل العربية، ص 1051)، وثمة أبحاث تقول بأن لهجاتهم تنتمي إلى أصول لسانية حامية-سامية، و تلتقي مع اللغة العربية في بعض الخصائص المشتركة (القبائل الأمازيغية، ص 144)، و لا تزال لهجتهم هذه إلى اليوم منتشرة في الواحات الموجودة بأطراف الصحراء و في بعض المناطق الجبلية الصغيرة المنعزلة التي تحيط بالمغرب الأوسط وبالمغرب الأقصى: في الريف، والجزء الشمالي من الأطلس الأوسط (دور زناتة في الحركة المذهبية، ص 24).

إلى جانب هاتين الخاصيتين، فلزناتة خصائص أخرى تميزها منها:

أ-الفروسية: اشتهر رجالها بالشجاعة و الفروسية و الروح الحربية و التفوق في القتال، مما جعلها تلعب دورا هاما في تاريخ المغرب و الأندلس (موسوعة القبائل العربية، ص 1053)، وقد كان لقبائل زناتة فن حربي خاص يقوم باستعمال الدروع الحربية و ركوب الخيل الخفيفة ذات الركاب المرتفع، كما لهم طريقتهم في القتال، و التي تقوم على خفة الحركة و سرعة الكر و الفر، و هي طريقة تختلف علن طريقة الأسبان المسيحيين الذّين استعملوا السيوف و الدروع الحديدية الثقيلة، والركاب الطويل المنخفض و الخيول المدرعة، و كل هذه الأشياء كانت تعيقهم عن الحركة أمام ثبات الزناتيين و خفة حركتهم، و قد برز هذا النظام بشكل خاص في عهد الدولة المرينية الزناتية في القرن السابع هجري (في تاريخ المغرب و الأندلس، ص 17).

ب-رؤية الكف: انتشرت عند زناتة عادة استخدام الكف في أمور التكهن، مما جعل الإدريسي يقول في ذلك: « و لا يدري أن أحدا من الأمم أعلم من زناتة بعلم الكف» (دور زناتة في الحركة المذهبية، ص 24)، إذ أنهم كانوا يعتقدون في السحر و الشعوذة و التنبؤ...و مثل هذه العقلية تكون عادة سريعة الانقياد للزعماء و القواد الذّين يعرفون استغلال هذا الضعف، و لهذا نرى أن كل الحركات السياسية المشهورة في المغرب تزعمها أناس باسم الدين، و استخدموا السحر والخرافات لجذب الأنصار و الأتباع، و تلمس ذلك في ثورة الكاهنة التي قاومت الفتح العربي، و في دعوة عبد الله الشيعي(1) مؤسس الدولة الفاطمية ( في تاريخ المغرب و الأندلس، ص ص 18-19).



(1) عبد الله الشيعي: رجل من الكوفة ،يذكر أنه كان صوفيا،كان مع أخيه الأكبر أبي العباس محمد جارين لأبي علي الداعي بالكوفة،و هو الداعي القائم ببلاد المغرب.( دور زناتة في الحركة المذهبية،ص163).



قلنا أن معظم قبائل زناتة رحل، نادرا ما يستقرون، و كان نشاطهم الغالب عليهم عند الاستقرار أنهم كانوا يعملون كجزارين حتى ليقال عنهم "جدهم دم"، ويستهلكون اللحم بكثرة، فأغلب محضري المشوى منهم (دور زناتة في الحركة المذهبية، ص 24).







الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
badro1819

badro1819


عدد المساهمات : 419
تاريخ التسجيل : 19/04/2011

قبيلة زنــــــــــاتة البربرية ودورها في الفتح الإسلامي لبلاد المغرب  Empty
مُساهمةموضوع: رد: قبيلة زنــــــــــاتة البربرية ودورها في الفتح الإسلامي لبلاد المغرب    قبيلة زنــــــــــاتة البربرية ودورها في الفتح الإسلامي لبلاد المغرب  I_icon_minitimeالأربعاء 28 مارس 2012 - 3:03





المبحث الرابع:

زناتة قبيل الفتح الإسلامي:

يذكر ابن خلدون أن أولية هذا الجيل بإفريقية و المغرب مساوقة لأولية البربر منذ أحقاب متطاولة لا يعلم مبدأها إلا الله تعالى، و لما ملك الفرنجة بلاد البربر و دانوا لهم دين النصرانية و نزلوا الأمصار بالسواحل، و كان هؤلاء و سائر البربر في ضواحيهم (العبر، ج7، ص ص 9-10)، فاضطروا إلى تأدية الطاعة لهم، و دفع الخراج و مشاركتهم في حروبهم. (مذكرة ماجستير، الأوراس في العصور الوسطى، ص 114)، و لما كانت سياسة البيزنطيين قائمة على جمع الضرائب الفادحة من الأهالي، و التدخل في شؤونهم الدينية معتمدين في تنفيذها على القوة العسكرية، فإن نتيجة هذه السياسة لم تكن في صالحهم، إذ أنهم لم يسلموا من هجمات البربر جبليين و رحل، و تكتلت القبائل البربرية ضدّهم مثل: لواتة، صنهاجة، زناتة...

هذه الظروف دفعت الإمبراطورية إلى جعل ولاية إفريقية و المغرب ولاية عسكرية، يديرها قائد عسكري، و في عهد الإمبراطور هرقل (640-641م) أنشأ "مذهب المشيئة الواحدة" لمحاولة التوفيق بين المذاهب العديدة التي شتّتت إمبراطوريته، لكنه لقي معارضة شديدة في إفريقية، بلغت أشدها سنة 640م/19هـ، أي السنة التي دخل فيها المسلمون مصر، و كانت الظروف السياسية لهذه المعارضة تتضح في قول ابن خلدون –سابقا- « و لما ملك الإفرنجة بلاد البربر... ويمتنعون عليهم فيما سوى ذلك »، و من هنا نستنتج أن الحروب بين البربر و البيزنطيين قد توقفت قبيل الفتح، و صارت زناتة من قوات البيزنطيين في محاربة المسلمين (دور زناتة في الحركة المذهبية، ص ص 29-30)، حيث ملك الإفرنجة بها يومئذ جرجير، فظاهره زناتة و البربر على شأنه مع المسلمين (العبر، ج7، ص 10)، و لما تمكن المسلمون من القضاء على جرجير، انقضت زناتة من حولهم، معتقدة أنها قادرة على مواجهة العرب، فكان ما جرى بينها و بين العرب (مذكرة ماجستير، الأوراس في العصور الوسطى، ص 114).



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
badro1819

badro1819


عدد المساهمات : 419
تاريخ التسجيل : 19/04/2011

قبيلة زنــــــــــاتة البربرية ودورها في الفتح الإسلامي لبلاد المغرب  Empty
مُساهمةموضوع: رد: قبيلة زنــــــــــاتة البربرية ودورها في الفتح الإسلامي لبلاد المغرب    قبيلة زنــــــــــاتة البربرية ودورها في الفتح الإسلامي لبلاد المغرب  I_icon_minitimeالأربعاء 28 مارس 2012 - 3:14





الفصــل الثــاني:

المبحث الأول:

موقف زناتة من الفتح الإسلامي:

تمكن عمرو بن العاص(1) في عهد الخليفة عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- (13-32هـ/634-644م) من فتح مصر سنة 22هـ/642م، وعين الخليفة عمر -رضي الله عنه- عبد الله بن سعد بن أبي سرح(3) على الصعيد لمساعدة عمرو بن العاص (فتوح إفريقية والأندلس، ص 10)، بعد أن استكمل عمرو بن العاص فتح مصر، كان من الطبيعي أن يفكر في فتح برقة وطرابلس الغرب لعاملين: الأول: أن برقة تعتبر امتدادا طبيعيا لمصر وإقليما متمما لها، والثاني: هو رغبة عمرو في تطبيق سياسة الاستمرار في الفتح نحو الغرب (تاريخ الدولة العربية، ص 491)، فلما دخلت سنة اثنين وعشرين سار عمرو بن العاص إلى برقة (تاريخ أبي الفداء، ج1، ص 203)، فصالح أهلها على ثلاثة عشر ألف دينار يؤدونها إليه جزية على أن يبيعوا من أولادهم في جزيتهم، و لم يكن يدخل برقة يومئذ جابي خراج، إنما كانوا يبعثون بها إذا جاء وقتها، و وجه عمرو بن العاص عقبة بن نافع(4) حتى بلغ زويلة(5)، ففتحها بصلح، و صار ما بين زويلة وبرقة سلما للإسلام.







(1) عمرو بن العاص: هو عمرو بن العاص السهمي القريشي، فاتح مصر، أحد دهاة العرب، أسلم في هدنة الحديبية، ولاه النبي –صلى الله عليه وسلم- إمرة ذات السلاسل، ثم استعمله على عمان، ثم في زمان عمر تولى إمرة بعض جيوش الفتح في الشام، ففتح قنسرين...ثم ولاه عمر على فلسطين ثم مصر بعد أن فتحها، و لما كانت الفتنة كان مع معاوية فأقره على مصر، مات بالقاهرة. (تاريخ الأمة العربية، عصر الاتساق، ص 90).

(2) عبد الله بن سعد بن أبي سرح: هو عبد الله بن أبي سرح العامري، كان يكتب الوحي للرسول –صلى الله عليه و سلم- ثم ارتد عن الإسلام، و لحق بالمشركين بمكة، فلما فتح النبي –صلى الله عليه و سلم- مكة، استجار ابن أبي سرح بعثمان، فأخذ له عثمان الأمان من النبي –صلى الله عليه وسلم-وكان ابن أبي سرح أخا لعثمان من الرضاعة، فحسن إسلامه من ذلك الوقت، فلما أفضت الخلافة إلى عثمان –رضي الله عنه- ولاه ملك مصر و جندها. (البيان المغرب، ج1، ص9).

(3) عقبة بن نافع: هو عقبة بن نافع بن قيس بن لقيط بن عامر بن أمية بن طرف بن حارث بن فهر، ولد قبل وفاة الرسول –صلى الله عليه و سلم- بسنة واحدة، وصل إفريقية و افتتحها و وضع السيف مع أهلها و اختط قيروانها. (البيان المغرب، ج1، ص 19).

(4) زويلة: مدينة ليبية تقع قرب الصحراء في منطقة فزّان إلى الجنوب الشرقي من سبها. (الموسوعة الجغرافية للوطن العربي، ص 261).

ثم سار عمرو بن العاص حتى نزل طرابلس في سنة 22هـ، فنزل القبة التي على الشرق من شرقيها، فحاصروها شهرا لا يقدر منهم على شيء، ثم خرج من بني مدلج ذات يوم في عسكر عمرو متصيدا في سبعة نفر، فمضوا غربي المدينة حتى أمعنوا عن العسكر، ثم رجعوا فأصابهم الحر فأخذوا على ضفة البحر، و كان البحر لاصقا بالمدينة، و لم يكن فيما بين المدينة و البحر سور، وكانت سفن الروم شارعة في مرساها إلى بيوتهم، فنظر المدلجي و أصحابه فإذا البحر قد غاض من ناحية المدينة و وجدوا مسلكا لها من الموضع الذي انحسر عنه البحر، فدخلوا حتى أتوا من ناحية الكنيسة و كبروا، فلم يكن مفزع للروم إلا سفنهم، و أبصر عمرو المدلجي وأصحابه الستة في جوف المدينة فأقبل بجيشه حتى دخل عليهم، فلم يفلت الروم إلا بما خف لهم من مراكبهم، و غنم عمرو ما كان بالمدينة (التذكار، ص ص 21-22)، و فيما يتعلق بفتح ما يلي طرابلس فإن عمرو بن العاص استشار الخليفة عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- يستأذنه في ذلك قائلا: « إن الله قد فتح علينا طرابلس و ليس بينها و بين إفريقية إلا تسعة أيام، فإن رأى أمير المؤمنين أن يغزوها و يفتحها الله على يده فعل»، فكتب إليه عمر –رضي الله عنه- « لا إنها ليست بإفريقيا، و لكنها المفرقة غادرة مغدور بها لا يغزوها أحد ما بقيت»، فأمر عمرو العسكر بالرحيل قافلا إلى مصر، بعد أن أقام قائده عقبة على البلاد المفتوحة ببرقة، يدعو إلى الإسلام، و أصبحت برقة قاعدة لجيوش المسلمين في غرب مصر (فتوح إفريقية و الأندلس، ص 33).

استشهد عمر –رضي الله عنه- و بويع بالخلافة عثمان –رضي الله عنه- سنة أربع و عشرين، ولما دخلت سنة ست و عشرين عزل عثمان عمرو بن العاص عن مصر و ولاها عبد الله بن سعد بن أبي سرح العامري (تاريخ أبي الفداء، ج1، ص 233)، و أمره بغزو إفريقية، فبعث عبد الله بن سعد المسلمين في جرائر خيل فأصابوا من أطراف إفريقية و غنموا، و في سنة 27 هـ و يقال في سنة 28 هـ ويقال في سنة 29هـ كتب إلى عبد الله يأمره بغزوها و أمده بجيش عظيم فيه: عبد الله بن الزبير، عبد الرحمان ابن زيد بن الخطاب، عبد الله بن عمر بن الخطاب، عبد الرحمان بن أبي بكر و سبر بن أبي أرطأة(1) (فتوح البلدان، ص 317).






(1) سميت حملة العبادلة: سميت كذلك لأن أفرادها هم العبادلة الأربعة –رضي الله عنهم- وهم: عبد الله بن عباس، عبد الله بن عمر بن الخطاب، عبد الله بن الزبير بن العوام، عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، عبد الله بن عمرو بن العاص، عبد الرحمان بن العباس. (الاستقصا، ج1، ص ص 75-76).

فخرج عبد الله من مصر زمن عثمان -رضي الله عنه- سنة تسع و عشرين، فجمع لهم جرير ملك الفرنجة يومئذ بإفريقية من كان بأمصارها من الفرنج و الروم، ومن بضواحيها من جموع البربر وملوكهم، و كانت دار ملكه سبيطلة(1)، فلقوا المسلمين في زهاء مائة و عشرون ألفا و المسلمين يومئذ في عشرين ألفا، فكان من هزيمة العرب لهم و فتحهم لسبيطلة و تخريبهم إياها و قتلهم جرجير ملكهم (العبر، ج6، ص 126)، و قد كانت لزناتة في هذه الموقعة مساهمات كبيرة في رد حملة الفتح هذه، حيث تعاونت مع جرجير، كما قال ابن خلدون: « ظاهره زناتة والبربر على شأنه مع المسلمين و انفضوا جميعا...» (العبر، ج6، ص126 )، بعد قتله وافترقت رياستهم، وأخذ المسلمون يغزون كل قبيلة من البربر في جهتها مع من تحيز لهم من الفرنجة، و في إحدى غزواتهم تلك أسروا على ما يبدو أمير مغراوة وزمار، و بعثوا به إلى أمير المؤمنين عثمان بن عفان –رضي الله عنه-، الذي منّ عليه بإطلاق سراحه، وعقد له على قومه مما جعله يسلم بإخلاص –اعترافا بالجميل-، و اختص هو و سائر مغراوة بولاء عثمان و أهل بيته من بني أمية، غير أن هناك بطون أخرى لزناتة بقيت تقاوم المسلمين (دور زناتة، ص 32)، و لما انهزمت جيوش جرجير، سار عبد الله بن أبي سرح حتى نزل باب مدينته العظمى قرطاجنة، « فحاصرها حصارا شديدا حتى فتحت، فأصاب فيها من السبي و الأموال ما لا يحيط به الوصف، وقد أذلت هذه الوقعة الروم بإفريقية، فطلبوا من عبد الله بن أبي سعد أن يقبض منهم ثلاثمائة قنطار من الذهب في السنة جزية على أن يكف عنهم و يخرج من بلادهم، فرضي بذلك و عاد إلى مصر دون أن يترك قاعدة إسلامية في البلاد المفتوحة، ودون أن إلى أحد القادة بحكم الإقليم» (البيان المغرب، ج1، ص 12).

لما قتل عثمان، والاجتماع على معاوية بن أبي سفيان الذي ولى على إفريقية معاوية بن حديج السكوني(2) و بعثه من مصر لافتتاح إفريقية سنة خمس وأربعين.





(1) سبيطلة: تقع جنوب غرب القيروان. ( في تاريخ المغرب و الأندلس، ص 38).

(2) معاوية بن حديج السكوني: من أصحاب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ولى إفريقية ثلاث مرات لمعاوية بن أبي سفيان سنة 34هـ، 40هـ، 50هـ، شهد فتح مصر، كان أعور، ذهبت عينه يوم دمقلة، اختط مدينة عند القرن قبل تأسيس عقبة القيروان، وأقام بها مدة، و حفر آبارا عند باب تونس في ناحية الجبل، و تسمى للآن "آبار حديج". (رياض النفوس، ج1، ص 93).

وبعث ملك الروم من القسطنطينية(1) عساكره لمدافعتهم في البحر فلم تغني شيئا، وهزمهم العرب بساحل أجم، و حاصروا جلولاء(2) وفتوحها، و قفل معاوية بن حديج إلى مصر (العبر، ج6، ص 127)، فوجه معاوية عقبة بن نافع بن قيس الفهري، فغزا إفريقية في عشرة ألف من المسلمين وافتتحها، و اختط قيروانها، وكان موضع غبطة ذات طرفاء و شجر، لا يرام السباع و الحيات والعقارب القتالة، و كان ابن نافع رجلا صالحا مستجاب الدعوة فدعا ربه، فأذهب ذلك كله حتى أن كانت السباع لتحمل أولادها هاربة بها (فتوح البلدان، ص 320).

كما ذكر ابن عذاري حادثة بناء القيروان، بأنه بدأ في بناء القيروان سنة 51هـ، فأجابه العرب وقالوا: « إنك أمرتنا بالبناء في شعارى و غياض لا ترام، و نحن نخاف من السباع و الحيات و غير ذلك ! »، فدعا عقبة الله سبحانه ومضى إلى السبخة و واديها، و نادى: « أيتها الحيات والسباع! نحن أصحاب رسول الله –صلى الله علية وسلم- فارحلوا عنا، فإنا نازلون! و من وجدناه بعد هذا قتلناه! »، فنظر الناس بعد ذلك إلى أمر عجيب، إذ بالسباع تخرج حاملة أشبالها، والذئب يحمل جروه، و الحية تحمل أولادها، ونادى في الناس: « كفوا عنهم حتى يرحلوا عنها!»، فلما خرج ما فيها من الوحوش و السباع دخلوها، و أمرهم عقبة بقطع الشجر و بدأ في اختطاط القيروان و تم بناؤها سنة 55 هـ، و عظم قدرها (البيان المغرب،ج1، ص ص 22-23).

وبعد الانتهاء من بناء القيروان قام معاوية بن أبي سفيان باستعمال مسلمة بن مخلد الأنصاري(3) على مصر، فقام هذا الأخير بتعيين مولى له على إفريقية سمي "أبو المهاجر"(4)، فقدم إلى إفريقية وأساء عزل عقبة، و استخف به، ولما قدم أبا المهاجر إلى إفريقية كانت رئاسة البربر يومئذ في أوربة لكسيلة بن لمزم، وهو رأس البرانس، و كان على دين النصرانية، فأسلم لأول الفتح، حيث زحف إليهم أبو المهاجر حتى نزل عيون تلمسان فهزمهم و ظفر بكسيلة، فأسلم و اسْتَبْقَاهُ حـتى




(1) القسطنطينية: هي من بنيان قسطنطين بن ميلا و لاسمه نسبت، و هو أول من قال بدين النصرانية، و هي من أحسن مدائن الأرض و أغربها عمرانا و بنيانا، وهي مدينة طيبة الهواء و الماء، و هي على بحرين، فالجانب القبلي على بحر الروم، و الجانب الشرقي على بحر الخليج. (كتاب الجغرافيا، ص ص 73-74).

(2) جلولاء: حصن من اهم الحصون البيزنطية. ( في تاريخ المغرب و الأندلس، ص 46).

(3) مسلمة بن مخلد الأنصاري:كان من التابعين. (رياض النفوس، ج1، ص 31).

(4) أبو المهاجر: هو أبو المهاجر دينار، تولى إمارة جيش إفريقية في الفترة التي بين و لايتي عقبة الأولى و الثانية، أي بين 55 و 60هـ على عهد معاوية بن أبي سفيان، وقد أهمل المؤرخون أمره، حيث اهتموا بعقبة بن نافع، رغم أن أبا المهاجر قام بأعمال جليلة، وقد كان رجلا سياسيا بارعا، عمل على تجنب سياسة العنف مع البربر، و نجح في ذلك نجاحا كبيرا، إذ أسلم على يده زعيم البربر البرنس كسيلة. ( المغرب العربي في العصر الوسيط،ص3).

صار صديقه الحميم (العبر، ج6، ص 127).

ما يلاحظ على الحملات السابقة معاوية بن حديج، عقبة بن نافع في المرة الأولى، ثم أبو المهاجر، أن أخبار زناتة انقطعت و لم يكن لها دور يذكر في مواجهة المد الإسلامي بعد هزيمة جرجير، غير أنها تعود للظهور مرة أخرى في ولاية عقبة بن نافع الثانية التي توغل فيها بالمغرب، فلما توفي معاوية سنة 60هـ خلفه ابنه يزيد(1) (60-63هـ/680-684م) الذي بادر بعزل أبي المهاجر ورد عقبة إلى ولاية إفريقية، وقدم إليها ناقما على أبي المهاجر بسبب إهانته له يوم عزله، فما كاد يتولى إفريقية حتى قبض عليه و اوتقفه هو وصاحبه كسيلة بالحديد، ثم عزم على غزو العدو (تاريخ الدولة العربية، ص 637)، فاستفتح حصون الفرنجة مثل باغاية(2) ولميس و لقيه ملوك البربر بالزاب و تاهرت(3)، ففضهم جمعا بعد جمع (العبر، ج6، ص 127)، و قتل فيها أكبر فرسان البربر، فذهب عزّهم من الزاب، ولا تذكر المصادر إلى أي القبائل ينتمي هؤلاء البربر، غير أنه ليس بعيدا أن يكونوا من زناتة، أو على الأقل يكونوا بعضهم من زناتة نظرا لأنها كانت منتشرة بهذه المنطقة (دور زناتة، ص 33).

كما دخل المغرب الأقصى وأجاز بلاد السوس(4)، و كسيلة أثناء هذا كله في اعتقاله يحمله معه في عسكره سائر غزواته (العبر، ج6، ص 127)، يتعرض لكل أنواع الإهانة فقد كان يستهين به ويمتهنه، ولما بلغ ذاك أبا المهاجر وهو معتقل عند عقبة فبعث إليه ينهاه، وخوفه عائلته فتهاون عقبة بقوله فكان ما تخوف منه أبو المهاجر دينار (الاستقصا، ج1، ص 73)، فبعد مدة هرب كسيلة مع قومه أوربة وتمكن من تكوين جيش ضخم من البربر وتحالف مع الروم لمقاتلة المسلمين (تلمسان، ص 16)، و لما كان عقبة راجعا إلى القيروان و قد أمن كل شر، طلب من بعض جنده




(1) يزيد بن معاوية (60-63هـ/680-684م) : ولد في دمشق و نشأ في البادية، بويع بالخلافة بعد وفاة معاوية، تأخر عن مبايعته الحسين بن علي وعبد الله بن العباس، و عبد الله بن عمر، توفي سنة 63هـ. (تاريخ الإسلام السياسي و الديني و الثقافي والاجتماعي، ج1، ص 234).

(2) باغاية: مدينة جليلة ذات أنهار وثمار، على مقربة من جبل الأوراس. (المغرب في ذكر بلاد إفريقية و المغرب، ص 50).

(3) تاهرت: بفتح الهاء و سكون الراء، اسم لمدينتين متقابلتين بأقصى المغرب، يقال لأحدهما تاهرت القديمة و للأخرى تاهرت المحدثة، بينهما و بين المسيلة ستة مراحل، و هي بين تلمسان و قلعة بين حماد، و كان صاحب تاهرت ميمون بن عبد الرحمان بن عبد الوهاب بن رستم بن بهرام، و كان رأس الإباضية ورأس الصفرية و الواصلة. (معجم البلدان، ج2، ص 7).

(4) بلاد السوس: هي اليوم خراب، كانت حاضرة وادي درعة. (كتاب الجغرافيا، ص 117).



الانصراف عنه، و إذ به يشاهد جموع البربر تحت إمرة كسيلة تهاجمه من كل ناحية ونشبت الحرب بين الفريقين، استشهد فيها عقبة و دينار و الكثير من المسلمين و محل هذه الواقعة كان عند سفح جبل آراس (قرطاجة، ص 153)، وبذلك ملك كسيلة إفريقية خمس سنين ونزل القيروان، و أعطى الأمان لمن بقي بها ممن تخلف من العرب أهل الذراري و الأثقال، و عظم سلطانه على البربر (العبر، ج6، ص 128).

طيلة حكم كسيلة للقيروان لم يتعرض له المسلمون، لأن المشرق كان يعاني من الانقسامات والفتن، و لما عادت للخلافة الأموية قوتها و تولى زمامها الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان(1) (65-86 هـ /685-705م ) (تاريخ المغرب الإسلامي، ص47)، قام بإرسال المدد إلى زهير بن قيس البلوي(2) الذي كان مقيما ببرقة بعد مهلك عقبة و ولاه الحرب ضد البربر، و أمره باستعادة القيروان ومن بها من المسلمين من يد كسيلة (الاستقصا، ج1، ص 79)، فسار زهير إلى إفريقية على رأس جيش كثيف من جنود الشام، فلما بلغ كسيلة قدومه إليه رحل عن القيروان، واشتبك مع الجيوش العربية و من انظم إليها من موالي البربر في موقعة عرفت بساقية ممس على مرتفع من هضبة تتصل بجبال أوراس، فانتصر المسلمون انتصارا ساحقا، وقتل كسيلة (تاريخ الدولة العربية، ص 639)، ثم انصرف زهير إلى القيروان فأوطنها، و رأى زهير بإفريقية ملكا عظيما فأبى أن يقيم فيها خوفا على نفسه من الفتنة (البيان المغرب، ج1، ص 22)، و ارتحل إلى المشرق، و لما وصل إلى برقة وجد أسطول الروم على قتالها في جموع عظيمة من قبل قيصر، وبأيديهم أسرى من المسلمين، فاستغاثوا به و هو في خف من أصحابه، فصمد إليهم فيمن معه، وقاتل الروم حتى قتل، وقتل معه جماعة من أشراف أصحابه، ونجا الباقون إلى دمشق (الاستقصا، ج1، ص ص 79-80).








(1) عبد الملك بن مروان: ولد سنة 26هـ في خلافة عثمان بن عفان،نشأ نشأة عالية،استطاع بفضل رجاحة عقله أن يقيم مجد الدولة الأموية، توفي سنة 86 هـ /705م.(تاريخ الاسلام،ج1،ص ص 238-239،245).

(2) زهير بن قيس البلوي: هو الذي استعاد إفريقية من يد كسيلة بعد أن هزمه و قتله سنة 69هـ، فقضى بذلك على قوة البربر البرانس، وقد استشهد في إحدى المعارك الساحلية مع البيزنطيين بنواحي برقة. (تاريخ المغرب العربي في العصر الوسيط،ص3).

بعد استشهاد زهير اضطربت بلاد المغرب من بعده، و اضطرمت بها نار الفتن، و افترق أمر البربر وتعدد سلطانهم ، كل ذلك و المشرق و الخليفة عبد الملك بن مروان منشغل بالقضاء على فتنة ابن الزبير في الحجاز و العراق ولما قضى عليها لم يتردد في استعادة المغرب (تاريخ الدولة العربية، ص 640)، و عين حسان بن النعمان الغساني قائدا على المغرب، وبمجرد وصوله إلى القيروان ومعه جيش كبير، بدأ يسأل عن أماكن تجمع الروم واحتشادهم، فأخبروه بأن قرطاجة هي عاصمة الروم بإفريقية، فانطلق إليها وقد عزم القضاء على الروم، الذّين يشكلون خطورة على الوجود العربي بإفريقية، ويبدو أن المدينة كانت حصينة وتضم أعدادا كبيرة من الروم ،وتم افتتاحها بعد مشقة وجهد، و نجحت خطة حسان في تدمير قوة البيزنطيين (الروم) في قرطاجنة (تاريخ الدول المستقلة، ص 34)، وتتبع بعدها فلولا من الروم هربت إلى صطفورة أواسط فورة وبنزرت في غربي إفريقية، بل لجأ بعضهم إلى بونة –التي تسمى اليوم عنابة- في شرقي المغرب الأوسط وإلي باجة إلى غربي بونة (تاريخ المغرب الإسلامي، ص 99).

بعد هذه الرحلة الشاقة عاد حسان إلى القيروان و أراح بها أياما، ثم سأل أهلها عمن بقي من أعظم ملوك إفريقية ليسير إليه فيبيده أو يسلم، فدلوه على امرأة بجبل أوراس يقال لها "الكاهنة"، وجميع من بقي بإفريقية من الروم منها خائفون، وجميع البربر لها مطيعون «فإن قتلتها دان لك المغرب كله، ولم يبق لك مضاد ولا معاند» (البيان المغرب، ج1، ص 35).

وكانت الكاهنة وقومها من جراوة، وهم من ولد جراو بن الديرت بن زانا و هو أبو زناتة، وكان لهذه الكاهنة بنون ثلاثة ورثوا رياسة قومهم وبما كان لها من الكهانة و المعرفة بغيب أحوالهم وعواقب أمورهم فانتهت إليها رياستهم، و وقفوا عند إشارتها، قال هانئ بكور الضريسي:ملكت عليهم خمسا وثلاثين سنة، وعاشت مائة و سبعا و عشرين سنة، وكان قتل عقبة بن نافع وأصحابه في البسيط قبلة جبل أوراس، فلما قتل كسيلة، وانفضت جموع البربر رجعوا إلى هذه الكاهنة بمعتصمها من جبل أوراس وقد انظم إليها بنو يفرن و من كان بإفريقية من قبائل زناتة و سائر البتر (الاستقصا، ج1، ص 81)، فلما سمع ذلك من أهل إفريقية، توجه إليها يريدها، و لما بلغ الكاهنة أمره، رحلت من جبل أوراس بعدد لا يحصى، فسبقته إلى مدينة باغاية و أخرجت الروم منها وهدمت حصنها، وضنت أن حسان إنما يريد حصنها يتحصن فيه، و أقبل حسان و نزل بوادي مسكيانة وزحفت الكاهنة إليه كذلك، وخرج حسان حتى نزل على النهر هو و الكاهنة، فكان هو يشرب من أعلى النهر و هي من أسفله، فلما دنا بعضهم من بعض، وتوافت الخيل وكان ذلك آخر النهار (تاريخ إفريقية و المغرب، ص ص 23-24)، فأبى حسان أن يقاتلها آخر النهار، فبات الفريقان ليلتهم على سد وجوههم، فلما أصبح الصباح التقى الجمعان فتقاتلوا قتالا لم يسمع بمثله، وصبر الفريقان صبرا لم ينته أحد إليه، إلى أن انهزم حسان بن النعمان ومن معه من المسلمين، وقتلت الكاهنة العرب قتلا ذريعا و أسرت ثمانين رجلا من أعيانه و أصحابه، وسمي ذلك الوادي وادي العذاري (البيان المغرب، ج1، ص 36).

ولما وصلت أخبار الهزيمة إلى الخليفة عبد الملك بن مروان تأثر كثيرا، وأمر قائده حسان بالتريث قليلا ريثما تهدأ الأوضاع في المشرق فيمده بالعتاد والعدة، في هذه الأثناء تحركت الكاهنة بين القبائل تجمع الأتباع و تألب السكان ضد الفاتحين المسلمين (تاريخ المغرب الإسلامي، ص 58)، أما حسان فإنه أثناء انتظاره لمدد الخليفة أقام ببرقة وبنى قصوره المعروفة لهذا العصر بقصور حسان، و الكاهنة أطلقت سراح أسرى المسلمين سوى خالد (الاستقصا،ج1، ص 81)، فلما انتهى الأسرى إلى حسان بن النعمان سألهم عن خالد بن يزيد، فأخبروه بسلامته، و بأن الكاهنة أبقته عندها، وقد قالت له: ما رأيت في الرجال أجمل منك و لا أشجع !، وأنا أريد أن أرضعك فتكون أخا لولدي، و كان لها ولدان: احدهما "قويدر" والآخر "يايمين"، فقال لها: و كيف يكون ذلك وقد ذهب الرضاع منك !؟، فعمدت إلى دقيق شعير فلتته بزيت و جعلته على ثدييها، ودعت ولديها وقالت لهما: كُلا معه على ثديي، و قالت لهم قد "ضرته إخوة".

أما حسان فقد كان يبحث عن رجل يثق به حتى يوافيه بأخبار الكاهنة، فكتب إلى يزيد لأنه كان واثقا من تمسكه بالإسلام، فلما أتى رسول حسان و وقف بين يدي يزيد في زي سائل، فلما رآه يزيد علم أنه رسول و قال له: رزقك الله تعود إلي (تاريخ إفريقية و المغرب، ص ص 26-27)، ولما أطال العرب في إفريقية بعثت الكاهنة إلى عمال إفريقية كلها و أمرتهم بقطع الأشجار كلها وتخريب البساتين علما بأن العرب لا يطلبون إلا المدن، و إذا خلت المدن لم يكن لهم إرب في إفريقية (المؤنس في أخبار إفريقية وتونس، ص 32)، وقد أضرت هذه العملية الوحشية بالكاهنة، و أساءت إلى القضية التي زعمت أنها تدافع عنها، فتغير نفوس البربر حيالها، و كان ذلك بانفراط عقد الأحلاف و الموالين، ففر من البربر خلق كثير التجأ إلى ساحل الأندلس، و جزر البحر المتوسط، وذهب فريق منهم إلى إقليم برقة يستغيثون بحسان لما حل ببلادهم من الكاهنة (المغرب الإسلامي، ص 66)، وكتب خالد بن يزيد بكل ذلك إلى حسان قائلا: « إن البربر متفرقون، لا نظام لهم، و لا رأي عندهم، فاطووا المراحل، وجد في السير»، وجعل الكتاب في خُبزة وجعلها زاد للرجل ووجهه بها إلى الأمير حسان، فلم يغب عن خالد بن يزيد إلا يسيرا حتى حتى خرجت الكاهنة ناشرة شعرها، تضرب صدرها و تقول: « يا ويلكم !يا معشر البربر ذهب ملككم فيما يأكله الناس »، فافترقوا يمينا وشمالا يطلبون الرجل، فستره الله تعالى حتى وصل حسانا، فكسر الخبرة و قرأ الكتاب الذي كتبه إليه خالد، فوجده قد أفسدته النار، فقال له حسان: « إرجع إليه»، فقال الرجل: « إن المرأة الكاهنة لا يخفى عليها شيء من هذا ! » فرحل حسان بجنوده إليها (البيان المغرب، ج1، ص 37)، وقد أحست الكاهنة بخروجه، فخرجت ناشرة شعرها و قالت: «يا بني انظرا ماذا ترون في السماء»، قالوا: «نرى شيئا من سحاب أحمر»، قالت: «لا والله و لكنها صج خيل العرب»، ثم قالت لخالد بن يزيد: « إني إنما كنت قد تبنيتك لمثل هذا اليوم، إنني مقتولة فأوصيك بأخويك هذين خيرا»، فقال خالد: «إني أخاف إن كان ما تقولين حقا ، أن لا يستبقينا»، قالت بلى و يكون أحدهما عند العرب أعظم شأنا من اليوم، فانطلق و خذ لهما أمنا، فأنطلق خالد فلقي حسان و أخبره خبرها و أخذ لابنيها أمانا، و كان مع حسان جماعة من البربر البتر، فولى عليهم حسان الأكبر من بني الكاهنة و قربه، و مضى حسان ومن معه للقاء الكاهنة (فتوح إفريقية و الأندلس، ص 64)، والتحم الجيشان في المعركة الفاصلة التي ظنها البعض أنها الفناء، وانهزم البربر و تفرقوا، فاقتفى العرب أثرهم تقتيلا و أسرا، و أدركوا الكاهنة و قتلوها في مكان سمته المصادر بئر الكاهنة(1) و احتزوا رأسها و أرسلوه إلى المشرق كما تنبأت من قبل، وأثر ذلك تجمع البربر وساعدهم الروم، وقاتلوا حسان، فلما هزمهم (المغرب الإسلامي، ص 67)، أستأمن له البربر على الإسلام و الطاعة، و على أن يكون منهم اثنا عشر ألفا مجاهدين معه فأجابوه وأسلموا وحسن إسلامهم (العبر، ج6، ص 129).

وهكذا فشا الإسلام في البربر خاصة زناتة، وعاد حسان إلى القيروان في غرّة شهر رمضان من سنة 74هـ، وأقام لا ينازعه أحد حتى وفاة عبد الملك بن مروان، فلما ولي الوليد الملك(2) ولى




(1) هذه المصادر هي لاين خلدون.

(2) الوليد بن عبد الملك (86-96هـ/705-715م): تولي الخلافة بعد وفاة أبيه سنة86هـ، كان عهده عهد يسر و رخاء، و هو سادس الخلفاء الأمويين، كان شديد الاهتمام بأحوال رعيته توفي سنة96هـ.(تاريخ الإسلام، ج1، ص245).

إفريقية عمه عبد الله بن مروان(1)، فعزل عنها حسانا، مستعملا بدلا منه موسى بن نصير(2) وذلك سنة 89هـ، (موسى بن نصير، ص17).

وبهذا كانت زناتة قد لعبت أكبر دور في مقاومة المسلمين عند فتحهم لبلاد المغرب، فقد قاومتهم إلى جانب البيزنطيين بقيادة جرجير، وإلى جانب البرانس بقيادة كسيلة، ثم قادت المقاومة بنفسها، وكانت أنجح من غيرها نظرا لأهمية الانتصار الذي حققته على جيش حسان رغم أنه كان قائدا لأكبر جيش وصل المغرب حتى ذلك الوقت (دور زناتة، ص 40)، تابع موسى الفتوحات المغربية بنشاط و همة، و تم على يده فتح المغرب كله، كما فتح الأندلس رفقة طارق بن زياد(3).






















(1) عبد الله بن مروان:هو عبد الله بن مروان بن محمد الأموي من بقايا بني أمية في الشام،شهد وقائع الكارثة وزوال دولتهم في أيام أبيه،فر من عبد الله بن علي العباسي،لكن قبض عليه وأوتي به إلى المهدي العباسي في بغداد،فحبس إلى أن مات سنة 161هـ في أيام الرشيد.( الأعلام،ج4،ص138).

(2) موسى بن نصير: هو موسى بن نصير اللخمي، آو البكري، العربي بالولاء، ولد زمن عمر بن الخطاب سنة 19هـ، المتوفى سنة 97هـ، فاتح بلاد الأندلس، وأحد الذين غزوا البر الإفريقي في خلافة عبد الملك بن مروان، فاتحا المصر بعد المصر، والثغر تلو الثغر، متابعا الفتح و الغزو في خلافة الوليد بن عبد الملك، إلا أن كتب له النصر و الظفر، بمعظم أصقاع البرّ الإفريقي الشمالي المتوسطي. (موسى بن نصير، ص9).

طارق بن زياد :فاتح الأندلس،ينتمي إلى قبيلة نفراوة، ولد وقت كسيلة و الكاهنة،كان مولى موسي بن نصير،عينه عاملا على طنجة سنة 86هـ،وبعدها فتح الأندلس،رجع إلى المشرق وبقي في دمشق حتى توفي سنة102هـ (معجم مشاهير المغاربة،ص ص 285-286).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
badro1819

badro1819


عدد المساهمات : 419
تاريخ التسجيل : 19/04/2011

قبيلة زنــــــــــاتة البربرية ودورها في الفتح الإسلامي لبلاد المغرب  Empty
مُساهمةموضوع: رد: قبيلة زنــــــــــاتة البربرية ودورها في الفتح الإسلامي لبلاد المغرب    قبيلة زنــــــــــاتة البربرية ودورها في الفتح الإسلامي لبلاد المغرب  I_icon_minitimeالأربعاء 28 مارس 2012 - 3:16



المبحث الثاني:

إسلام زناتة و مساهمتها في الفتح:

لم يكن المقصود من الفتح الإسلامي الاستيلاء على أمم صغيرة لا عدّة لهاو لا عدد أمام القوي المنتصر، و إنما كان المقصود توحيد كلمة المعمورة على قول واحد وعقيدة واحدة ولغة واحدة ونظام واحد، فكان الفتح دعاية لا على سبيل الإكراه –إذ لا إكراه في الدّين- لكن على سبيل البيان و الحجة و الجدال بالتي هي أحسن، وكان البربر لم يدركوا في أول الأمر المغزى الأساسي ولم يفقهوا كُنه الثورة الإسلامية العظمى، إذ لو فقهوا لكانوا رأوا في الشريعة المحمدية خير مخلص لهم من رقبة الاستبعاد، وهذا ما حصل مع زعيم مغراوة (زناتة) صولات بن وزمار بن سقلاب (موجز التاريخ العام، ص 106)، فقد تقدم لنا في أخبار الفتح، أن الصحابة رضي الله عنهم أسروا صولات بن وزمار كبير مغراوة، و بعثوا به إلى عثمان بن عفان –رضي الله عنه- فأسلم على يده و ولاه على قومه، و قيل أن صولات هاجر مع عثمان –رضي الله عنه- طائعا من غير أسر فأكرمه و ولاه، فكان بيت صولات بسبب هذه المزية نبيها في قومه مغراوة، وسائر زناتة، وكان هذا أول فرع أسلم من زناتة (الاستقصا،ج1، ص 162)، من هنا بدأت فروع زناتة تسلم في فترات مختلفة من فترات الفتوحات الإسلامية، وكانوا يساندون المسلمين في فتوحاتهم، إذ يذكر ابن خلدون أن طائفة من بني عبد الواد الزناتيين، كانوا يسكنون بجبل أوراس في عهد الفتح «حضروا مع عقبة بن نافع فتح المغرب...و أنهم أبلوا البلاء الحسن فدعا لهم و أذن في رجوعهم قبل استتمام الفتح» (دور زناتة، ص 41)، وهناك موقف آخر لزناتة مع المسلمين و خاصة مع عقبة بن نافع، إذ أنه عندما كان سائرا في غزواته و أجاز إلى وليلي(1) ثم إلى جبال درن و قاتل المصامدة، وكانت بينهم و بينه حروب، حاصروه بجبال درن، و نهضت إليهم جموع زناتة، وكانوا خالصة للمسلمين منذ إسلام مغراوة، فأفرجت المصامدة عن عقبة وأثخن فيهم حتى حملهم على الإسلام (العبر، ج6، ص 127).





(1) وليلي: مدينة أسسها الرومان عندما كانوا يحكمون الأندلس، خربها الأفارقة كلها تقريبا في زمن قديم، إلا أن إدريس الشيعي لما قدم إلى هذه المنطقة، سارع إلى ترميم هذه المدينة واستقر بها، فأصبحت في زمن قليل متحضرة، لكن بعد موته هجرها ابنه و بنى مدينة فاس. (وصف لإفريقيا، ج1، ص 295).

وبذلك تكون زناتة قد لعبت دورا كبيرا في إنجاح حملة عقبة بن نافع على الغرب، ويعتبر عقبة فاتح المغرب فقد كان من نتائج قيام قاعدة القيروان، التي بناها عقبة قبل أن يقبل البربر على اعتناق الإسلام، وقد تكون فروع زناتة من بينهم، ولكن رغم ذلك فإن بعضها لم يسلم، و يتضح ذلك من خلال مساندة بعض فروع زناتة لثورة كسيلة ضد عقبة، غير أن الزناتيين في معظمهم سرعان ما أعلنوا إسلامهم بعد القضاء على الكاهنة.

فقد قال ابن خلدون:« استأمنوا حسان على الإسلام والطاعة وعلى أن يكون منهم اثنا عشر ألفا مجاهدين معه، فأجابوا وحسن إسلامهم، وعقد للأكبر من ولد الكاهنة على قومهم من جراوة وعلى جبل أوراس، فقالوا: لزمنا الطاعة له سبقناها ، فقالوا: لزمنا الطاعة له سبقناها إليها وبايعناه عليها» (العبر، ج6، ص 129)، ولما تولى موسى بن نصير أمور المغرب زمن الخليفة عبد الملك بن مروان كان أول ما قام به عند وصوله إفريقية، هو إرسال جيش بقيادة عياش بن أخيل إلى هوارة وزناتة في ألف فارس، وكان رئيسهم كْمَامُون من بين الأسرى الذين بعث بهم موسى إلى عبد العزيز بن مروان والي مصر فقتله، وقد كان لهذه الغارة أبعاد سياسية كبيرة، فقد كانت بمثابة درس لبقية القبائل التي أصبحت تشعر بضعف أمام جيوش المسلمين، ولم يبق أمامها سوى الأخذ بأحد الحلين الباقيين وهما: طلب الصلح والأمان أو الفرار، وفعلا لجأ بعضها إلى الحل الأول، فقدم وجوهها إلى موسى فصالحهم بشرط أن يتركوا معه رهائن من خيارهم، أما بعضها الآخر فراح يبحث عن النجاة في المغرب الأقصى، وراح موسى يلاحقه حتى بلغ السوس الأدنى دون أن يجد مقاومة ما (دور زناتة، ص ص 42-43)، فلما رأى البربر ما نزل بهم استأمنوا وأطاعوا، فولى عليهم واليا، واستعمل مولاه طارق على طنجة(2) وما والاها (البيان المغرب، ج1، ص 42)، وأنزل معه سبعة وعشرون ألفا من العرب، و اثني عشر ألفا من البربر (العبر، ج6، ص 129)، وحسب الرقيق القيرواني فهؤلاء هم العدة التي جعلها عليهم (البربر) حسان بن النعمان، وأنهم زناتيون (دور زناتة، ص 43)، ولكن ابن عذاري يقول: « وفي سنة 92هـ (710-711م) جاز طارق إلى الأندلس، وافتتحها بمن كان معه من العرب و البربر و رهائنهم الذين تركهم موسى عنده والذين أخذهم حسان من المغرب الأوسط قبله (البيان المغرب، ج1، ص 43).




(1) طنجة: مسافة ما بين القيروان و طنجة ألفي ميل، و هي قديمة أزلية، ليس بالمغرب أقدم منها. (المغرب في ذكر بلاد إفريقية والمغرب، ص41).



فمن هذين الرأيين يمكن الاستنتاج أن هؤلاء البربر كانوا رهائن حسان ورهائن موسى على السواء، أي خليطا من القبائل، على أنه لا يستبعد أن يكون رهائن حسان أكثر عددا على اعتبار أنهم كسبوا ثقة العرب، لأنهم أخلصوا لهم منذ إسلامهم، فيكونوا أكثر منهم ليجعلوهم عيونا على الرهائن الجدد فيقفوا لهم بالمرصاد، إذ ما حاولوا أن يتمردوا، و إذا صح هذا الافتراض، فإن عدد الزناتيين يكون اكثر من غيرهم في هذا الجيش الذي قام بفتح الأندلس (دور زناتة، ص ص 43-44).



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
badro1819

badro1819


عدد المساهمات : 419
تاريخ التسجيل : 19/04/2011

قبيلة زنــــــــــاتة البربرية ودورها في الفتح الإسلامي لبلاد المغرب  Empty
مُساهمةموضوع: رد: قبيلة زنــــــــــاتة البربرية ودورها في الفتح الإسلامي لبلاد المغرب    قبيلة زنــــــــــاتة البربرية ودورها في الفتح الإسلامي لبلاد المغرب  I_icon_minitimeالأربعاء 28 مارس 2012 - 3:18





المبحث الثالث:

أوضاع زناتة في عصر الولاة :

أسلم البربر وأخلصوا لدينهم الجديد، وسعوا دوما في توطيد أركانه والذود عنه، وكانوا يميلون إلى الطاعة والنظام حينما تكون السلطة القائمة "القيروان" عادة تسعى في سعادة المسلمين على اختلاف أرومتهم (تلمسان، ص 19).

وازدادت الروابط بين الطرفين عندما اجتاز كثير من رجالات البربر وأمرائهم إلى الأندلس مع طارق بن زياد وموسى بن نصير لغرض الجهاد، مما جعلهم يشعرون أنهم أصحاب الدين الجديد، وزالت أسباب العداء بين الشعبين العربي والبربري، وهدأت الأوضاع، واستمر الهدوء قائما إلى أن هبت ريح العصبية القبلية القوية من المشرق الإسلامي إلى المغرب (دور زناتة، ص 45)، ليبدأ عصر جديد في الغرب عرف بعصر الولاة، فبعد أن أرسل الخليفة الوليد بن عبد الملك موسى بن نصير للقدوم إليه، خرج موسى و استخلف على إفريقية ابنه عبد الله بن موسى(1)، ولما وصل موسى وجد الوليد قد مات، فاستقبله أخوه سليمان بن عبد الملك(2).

وتم تولية محمد بن يزيد القرشي(3) على إفريقية سنة 96هـ، ثم عزل و ولي مكانه إسماعيل بن عبيــد الله(4) سنـة 100هـ ( عهـــد الخليفــة عمـر بـن عبـد العزيــز(5)




(1) عبد الله بن موسى بن موسي بن نصير(103هـ-722م): أمير من رجال الفتوح في بلاد المغرب، كان مع أبيه في إفريقية قبل دخوله القيروان، استخلفه على القيروان سنة93هـ، و استمر عليها إلى أن عزله سليمان بن عبد الملك ، مات مقتولا. (الأعلام،ج4،ص ص 140-441).

(2) سليمان بن عبد الملك (96-99هـ/715-717م): سابع الخلفاء الأمويين،بويع بالخلافة لما مات أخوه الوليد سنة 96هـ، وقد كان في مدينة الرملة لما جاءته البيعة ، فرجع إلى دمشق، وأحسن السيرة، ورد المظالم، توفي سنة 99هـ. (تاريخ أبي الفداء، ج1، ص ص 276-278).

(3) محمد بن يزيد القرشي: تولى حكم المغرب سنة 97هـ، بعد انقضاء أمر آل موسى بن نصير، وذلك في عهد الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك، ويبدو أن له يدا في اغتيال عبد العزيز بن موسى بن نصير والي الأندلس، امتاز عهده في المغرب بالهدوء لاعتدال سياسته وحسن سيرته. (تاريخ المغرب العربي في العصر الوسيط، ص ص 4-5).

(4) إسماعيل بن عبيد الله: هو أبو عبد الحميد إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر القرشي المخزومي، استعمله عمر بن عبد العزيز على إفريقية ليحكم بينهم بكتاب الله و سنّة رسوله، و هو أحد العشرة التابعين، سكن القيروان وسار في المسلمين بالحق و العدل، أسلم على يده كثير من البربر، توفي سنة 132هـ. (رياض النفوس، ج1، ص ص 115-116).

(5) عمر بن عبد العزيز: (99-101هـ/718-720م)، ولد عمر في مدينة حلوان، ونشأ في بيئة مترفة ومثقفة، تولى أمر المدينة في عهد الخليفة الوليد سنة 86هـ، و ظل فيها في خلافة سليمان، الذي بايع له بالخلافة بعد وفاته سنة 99هـ، فكان ثامن الخلفاء الأمويين وأحسنهم سيرة، وأنقاهم سريرة، وظل كذلك حتى وفاته سنة 101هـ. (تاريخ الإسلام، ج1، ص- ص 265-269).

ثم عزل وولي إفريقية يزيد بن أبي مسلم(1) من طرف الخليفة يزيد بن عبد الملك سنة 101هـ (فتوح إفريقية و الأندلس، 86)،وهنا تبدأ محنة مسلمي المغرب، فقد كان يزيد بن أبي مسلم مولى الحجاج(2) وكاتبه، الحجاج، ولم يكن كاتبه ومولاه يزيد مختلفا عنه، ولم يميز بأن ظروف المشرق تختلف على ظروف المغرب، إذ عزم على تطبيق سياسة الحجاج في المغرب، لكنه توفي في السنة نفسها التي وصل فيها إلى المغرب، حيث قتل على يد حرسه، ومع أن المؤرخين لا يشيرون إلى أسماء القبائل التي ينتمي إليها أولئك الحراس فإنه يحتمل أن يكون معظمهم من قبيلة زناتة، نظرا لأنها كانت آنذاك تمثل البتر في القوة والكثرة، ولأن أعدادا كثيرة منها اعتنقت الإسلام منذ انتصار حسان بن النعمان على الكاهنة، فشاركوا في تكوين جيش المسلمين، ومن ثم كانوا حرسا للعمال (دور زناتة، ص ص 58-59).

وعين الخليفة يزيد بن عبد الملك البشر بن صفوان الكلبي(3) على إفريقية سنة 102هـ، الذي أساء كثيرا إلى آل موسى، ولما توفي البشر بن صفوان خلفه على إفريقية نعاش بن قرط الكلبي، وعزله الخليفة هشام بن عبد الملك(4)(105-125هـ/724-743م) و ولى مكانه عبيدة بن عبد الرحمان القيسي(5) سنة 110هـ الذي عذب عمال البشر (الفتوح، ص 87).




(1) يزيد بن أبي مسلم: مولى الحجاج و كاتبه و تلميذه، ولاه الخليفة يزيد بن عبد الملك حكم المغرب سنة 101هـ/720م، و يبدو أن يزيد بن أبي مسلم كان يظن أنه يستطيع أن يسير البربر بسيرة الحجاج في أهل العراق و فارس، فاستبدهم بهم و اجتهد في جمع أموالهم و سبي نسائهم، فنفرت نفوس البربر منه فقتلوه سنة 102هـ/721م. ( تاريخ المغرب العربي الوسيط،ص5).

(2) الحجاج بن يوسف الثقفي: ولد بالطائف، و اشتغل بالتعليم فيها، ثم التحق بروح بن زنباع في الشام، فكان في شرطته، ثم ولاه عبد الملك حرب ابن الزبير في الحجاز، ثم ولاه العراق، فبقي أميرا نحو من عشرين عاما . (تاريخ الأمة العربية – عصر الاتساق، ص 91).

(3) البشر بن صفوان الكلبي: كان واليا على مصر حينما فشل يزيد بن أبي مسلم والي إفريقية فأمره الخليفة يزيد بن عبد الملك بأن يترك ولاية مصر لأخيه حنظلة، و أن يتجه فورا نحو المغرب، فذهب إلى القيروان في نفس العام (102هـ)، واستمرت ولايته للمغرب بقية خلافة يزيد و جزءا من خلافة هشام، حتى توفي سنة 109هـ/727م. (الاستقصا، ج1، ص 104).

(4) هشام بن عبد الملك (105-125هـ/724-743م): هو عاشر الخلفاء الأمويين، تولى الخلافة في اليوم الذي مات فيه أخوه يزيد سنة 105هـ، كان غزير العقل حليما عفيفا، اشتهر بالتدبير و حسن السياسة، في عهده خرج زيد بن علي ابن زين العابدين بن الحسين بن علي، توفي بالرصافة سنة 125هـ. (تاريخ الإسلام، ج2، ص 271).

(5) عبيدة ابن عبد الرحمان القيسي: حكم المغرب من سنة 110هـ / 728م إلى سنة 114هـ/732م، وذلك أيام الخليفة هشام بن عبد الملك/ وكان واليا قيسيا مسرفا في عصبيته، فاستبد بالبربر و باليمنية، واضطهد عمال بشر بن صفوان الذي حكم قبله و كان يمنيا، فكاد يوقع المغرب في فتنة عصبية، فعزله هشام و أقام مكانه عبيد الله بن الحبحباب.( المغرب العربي في العصر الوسيط، ص5).





ثم عزله الخليفة هشام وولى مكانه عبيد الله بن الحبحاب(1) الذي كان وصوله إلى إفريقية سنة 116هـ/734-735 م واعتمدت سياسته على غزو القبائل البربرية التي لم تسلم بعد، بغرض جمع الغنائم والسبي وكان مساعده في ذلك حبيب بن أبي عبيدة(2)حفيد عقبة بن نافع، وتمادى خلفاء بني أمية بعد أن اتسع ملكهم في فرض الخراج و الجزية لمواجهة نفقاتهم خاصة من المغاربة (دور زناتة، ص ص 61-62)، فلم يطق هؤلاء المغاربة صبرا، لجور وتعسف بعض الولاة وعمالهم الذين أرادوا أن يتصرفوا في المغرب على حسب مزاجهم، فاحتقروا البربر، والبربري غيور على حريته وشرفه ومبادئ إسلامه، يريد أن يكون الوالي الممثل للسلطة الحاكمة قدوة للشعب، لا يفرق بين عناصره ويطبق تطبيقا دقيقا ما جاء به القرآن الكريم والسنة (تلمسان، ص 19). ووجد هؤلاء المغاربة في الحركات الخارجية خير منفذ لهم، فانضووا تحت لوائها ورفعوا راية العصيان ضد الخلافة الأموية، لأنهم وجدوا في المبادئ الخارجية أحسن وسيلة لتخليصهم من تلك المظالم فاعتنقوها و حاربوا مع جيوشها جيوش الخلافة، وبذلك بدأ الصراع بين العرب والبربر واستمر طويلا، ولعبت فيه زناتة أكبر دور (دور زناتة، ص 46).

وهنا نتساءل عن سر اعتناق زناتة دون صنهاجة وكتامة المذهب الخارجي؟

تتلخص الإجابة عن هذا التساؤل في جملة من المعطيات أهمها:

1- حياة الحرية والاستقلال التي جبلت عليها زناتة بعيدا عن مراكز السلطة، على عكس صنهاجة الشمال وكتامة، اللتين كثيرا ما تأثرتا بالمؤثرات الأجنبية.

2- بعد مواطن زناتة عن مراكز الخلافة الإسلامية في المشرق وقاعدتها بالقيروان، مما ساعد على انتشار الحركات الخارجية بمضاربها، والتي استغلت النزعة الاستقلالية لزناتة وإيثارها لحياة الحرية، من أجل تجسيد أفكارها.




(1) عبيد الله بن الحبحاب: كان واليا على خراج مصر حينما ولاه هشام بن عبد الملك على المغرب و الأندلس، وذلك سنة 116هـ/731م، من مآثر هذا الوالي أنه أتم بناء مدينة تونس، بناؤه لجامع الزيتونة بتونس سنة 116هـ، ولقد انتهت ولايته سنة 123هـ/470م، على اثر إخفاقه في قمع الثورات التي قامت بالمغرب بزعامة ميسرة المدغري، وخالد بن حميد الزناتي (المغرب العربي في العصر الوسيط، ص ص 5-6).

(2) حبيب بن أبي عبيدة (124هـ/742م): حبيب بن مرّة ( أبي عبيد) بن عقبة بن نافع الفهري القرشي، قائد من الولاة، نشأ بمصر، ودخل الأندلس مع موسى بن نصير، ثم عاد إلى إفريقية، فولي قيادة الجيش، قتل في إحدى المعارك مع البربر. (الأعلام، ج2، ص 166).

3- ويفسر حسن أحمد محمود في كتابه (تاريخ المغرب والأندلس) انضواء زناتة تحت لواء الخوارج منذ وقت مبكر، برغبتها في إنشاء كيان سياسي يجمع بطونها ويحمي مصالحها، ووجدت أفضل مسلك للوصول إلى هذا المسعى في تعاليم الخوارج التي تتوافق والذهنية الزناتية.

4- السياسة المجحفة التي انتهجها الولاة الأمويون والعباسيون اتجاه البربر، والتي انجر عنها سخط ونقمة أهل المنطقة على الخلافة، خاصة لما امتدت أيديهم إلى أهاليهم، وكانت أكثر القبائل حنقا عليها قبيلة زناتة بفعل الحياة التي كانت تعيشها.

وكثيرا ما عبر الزناتيون عن رفضهم لهذه السياسة بإعلان الثورة والتمرد، ودائما تحت لواء الخوارج (مذكرة ماجستير، صنهاجة المغرب الأوسط، ص ص 16-17)، باختلاف فرقهم، وكانت أكثر الفرق التي انضوت تحتها زناتة: الخوارج الصفرية والخوارج الإباضية.

وكانت الموجة الأولى من ثورات الخوارج يقودها ميسرة المطغري (تاريخ المغرب و الأندلس، ص 116)، حيث انتفض البربر سنة اثنين وعشرين ومائة في ولاية عبيد الله بن الحبحاب أيام هشام بن عبد الملك (العبر، ج6، ص 129)، مستغلين في ذلك انشغال عبيد الله بن الحبحاب بغزو صقيلية، فاستولى الثوار على طنجة وقتلوا عاملها وساروا إلا بلاد السوس واستولوا عليها وخرج المغرب الأقصى من أيدي المسلمين...والتقى العرب قوات ميسرة على مقربة من طنجة فهزموا وقتل الكثير منهم وعاد ميسرة إلى طنجة منتصرا، وأعد ابن الحبحاب جيشا كبيرا لمحاربته في موقعة عرفت بالأشراف، لكنه لم يفلح في القضاء عليه (تاريخ المغرب و الأندلس، ص 116)، وقام ميسرة بأمر البربر مدة بايع لنفسه بالخلافة داعيا إلى نحلته من الخارجية على مذهب الصفرية، ثم ساءت سيرته فنقم عليه البربر ما جاء به فقتلوه وقدموا على أنفسهم خالد بن حميد الزناتي (العبر، ج6، ص 130)، في الوقت ذاته استدعى الخليفة عبيد الله بن الحبحاب سنة 123هـ وعين على ولاية إفريقية كلثوم بن عياض القشيري(1) الذي واجه قوات الزناتي في معركة سبو و انهزم العرب وقتل كلثوم (المغرب الإسلامي، ص 160).




(1) كلثوم بن عياض القشيري (123هـ/741م): أمير إفريقية، و أحد الأشراف الشجعان القادة، ولاه هشام بن عبد الملك سنة 123هـ، قتل في معركة مع البربر في واد سبو من أعمال طنجة، واستباح عسكره أبو يوسف الأزدي رأس الصفرية. ( الأعلام، ج5، ص 231).

وبلغ الخبر هشام بن عبد الملك فبعث حنظلة بن سفيان الكلبي(1)، فقدم القيروان سنة أربع وعشرين ومائة (العبر، ج6، ص103)، و في التحامين متوالين قضى حنظلة على جيشين من الخوارج زحفا على القيروان سنة(124هـ/742م)، وزال الخطر، لكن الخارجية الصفرية لم يقض عليها.

فقد عاشت دويلات صغيرة بربرية خارجية بعد هزيمة 124هـ مثال ذلك المملكة الصفرية التي لم تعش إلا قليلا جدا والتي أنشأها أحد البربر وهو أبو قرة في منطقة تلمسان، ودولة بني مدرار في تافيلالتالتي عاشت أطول منها (الفرق الإسلامية، ص ص 148-149).

وقد كان لزناتة في كل هذا دور كبير، فقد ساندت ميسرة في ثورته، وبعد وفاته تولى خالد الزناتي قيادة الثورة ليخلفه بعد ذلك أبو قرّة المغيلي و هو من قبيلة زناتة (سنفصل أكثر في موقف زناتة من الحركة الصفرية)، ومن الفرق الخارجية التي نشطت فيها زناتة أيضا نذكر الإباضية التي نشطت رفقة الصفرية في المغرب.

دخل عبد الرحمان بن حبيب(2) القيروان سنة 126هـ، وعين أخاه ابن حبيب عاملا على طرابلس، ثم عزله و ولى حميد بن عبد الله العكي، وكان على الإباضية آنذاك عبد الجبار بن قيس المرادي ومعه الحارث بن تليد الخضرمي (الفتوح، ص 106) الذين راحوا يزاحمون حميد بن عبد الله في طرابلس ووقع الوباء في أصحابه فخرج بعهد أمان...واستولى عبد الجبار على أرض زناتة، هنا صمم ابن حبيب على محاربتهم لكنه هزم، وأعاد الكرة سنة 131هـ/748م، والتقى الجيشان بأرض زناتة وانهزم جيش عبد الرحمان مرة أخرى، واستولى عبد الجبار والحارث على طرابلس (دور زناتة، ص 94)، وفي سنة إحدى و ثلاثين زحف إليهم عبد الرحمان بن حبيب فقتل عبد الجبار والحارث وأرعب في قتل البربر (العبر، ج6، ص 131).




(1) حنظلة بن سفيان الكلبي: كان واليا على مصر عندما كانت الجيوش الأموية تتلقى الهزائم المتتالية أمام البربر أيام عبيد الله بن الحبحاب و كلثوم بن عياض، فأمره الخليفة هشام بالإسراع إلى المغرب، فوصل حنظلة إلى القيروان سنة 124هـ (741م)، واستطاع أن يحرز نصرا على جيوش البربر في موقعتي القرن و الأصنام سنة 125هـ (743م)، واستمر حنظلة في ولاية إفريقية مدة سنتين استتب فيهما السلام و الهدوء إلى أن أخرجه منها زعيم اليمنية، عبد الرحمان بن حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع الفهري سنة 127هـ (745م). (تاريخ المغرب العربي في العصر الوسيط، ص 6).

(2) عبد الرحمان بن حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع الفهري: تولى حكم المغرب سنة 127هـ/745م، واستمرت ولايته على المغرب إلى أن دبَّ النزاع بين أفراد أسرته، فقتله أخوه إلياس سنة 135هـ/757م. (تاريخ المغرب العربي في العصر الوسيط، ص 7).



بعد مقتل عبد الجبار والحارث حدثت فتنة بين الإباضيين شغلتهم عن تنظيم أنفسهم، حتى جاءت "حملة العلم الخمسة" من مدينة البصرة(1) (دور زناتة، ص 94)، في هذا الوقت كانت قبائل ورفجومة استولت على القيروان و سائر إفريقية، واشتد البلاء على أهل القيروان، وأنكرت فعل قبائل ورفجومة، فخرجوا واجتمعوا إلى أبي الخطاب عبد الأعلى ابن الشيخ المعافري(2) (أحد حملة العلم) وقصدوا طرابلس، واجتمع سائر البربر الذين كانوا من أهل زناتة وهوارة (العبر، ج6، ص 131)، وبعد استيلائه على طرابلس قصد القيروان، واستولى عليها سنة 141هـ، وكان رفيق أبي الخطاب في فتوحاته ابن رستم(3) الذي ولاه إمارة القيروان سنة 141هـ.

و لما سمع الخليفة أبو جعفر المنصور(136-158هـ/754-775م)(4) ساءه أن تنفصل إفريقية عن سلطانه السياسي والمذهبي، فعهد إلى عامله على مصر محمد ابن الأشعث(5) بأن يتولى بنفسه مهمة إرجاع الوضع إلى حالته الطبيعية، وبعد ترصد الأوضاع في المعسكرين، التقى الجيشان في معركة طاحنة سنة 144هـ، حيث هزم أبو الخطاب في سرت(6) وقتل (المغرب الإسلامي، ص ص 169-170).






(1) البصرة: وهما بصرتان، العظمى في العراق و أخرى بالمغرب، سميت بالبصرة لغلظتها وشدتها، وذكر بعض المغاربة، أن البصرة: الطين العلك، وقيل: الأرض الطيبة الحمراء، فتحت على عهد عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- و أراد أن يتخذها المسلمين مصرا. (معجم البلدان، ج1، ص 430).

(2) أبو الخطاب ابن الأعلى بن المعافري (144هـ/761م): عبد الأعلى بن السمح المعافري الحميري اليمني، أبو الخطاب، زعيم الإباضية في إفريقيا، كان شجاعا بطلا، استولى أمره في إفريقية إلى أن هلك. ( الأعلام، ج3، ص 269).

(3) ابن رستم: 168هـ/785م/ هو عبد الرحمان بن رستم بن برهم مؤسس الدولة الرستمية الإباضية بمدينة تيهرت سنة160هـ، نسبه فارسي، كان من موالي الخليفة عثمان بن عفان-رضي الله عنه- ، وجد في شبابه بين قبائل نفوسة البربرية، و هو أحد حملة العلم الخمسة، عمل على نشر المذهب الإباضي في بلاد المغرب، توفي سنة 168هـ.(معجم مشاهير المغاربة، ص-ص 200-202).

(4) أبو جعفر المنصور: المؤسس الحقيقي لدولة العباسية، لأنه أحكم الرابطة بين القوة و السلطة الدينية، من أهم أعماله، بناء بغداد، وتحصين الحدود التي بينه وبين الروم،وفي عهده عظم أمر البرامكة، وقد أنهكت الأعمال صحته، قصد مكة ليقضي فيها بقية حياته، فمات على بضع ساعات منها، وذلك في ذي الحجة سنة 158هـ. ( موسوعة المعرفة، مج11، ص 1777).

(5) محمد بن الأشعث الخزاعي: كان واليا على مصر حيث أرسله الخليفة أبو جعفر المنصور سنة 144هـ/761م لتهدئة الأوضاع في المغرب، بعد أن علم نفوذ بيت عبد الرحمان بن حبيب. (تاريخ المغرب العربي في العصر الوسيط، ص 7).

(6) سرت: مدينة على ساحل البحر الرومي بين برقة و طرابلس الغرب، وهي مدينة كبيرة على سيف البحر، لها ثلاثة أبواب: قبلي و جنوبي و باب صغير إلى البحر، ومن سرت إلى طرابلس عشر مراحل. (معجم البلدان، ج3، ص ص 206-207).



بعد أبي الخطاب تولى أمر الإباضية أبي هريرة الزناتي الذي تمكن ابن الأشعث من إخماد ثورته، وانتهى منه سنة 146هـ.

في سنة 151هـ/768م تولى ولاية المغرب عمر بن حفص(1)، وفي سنة 154هـ/770-771م اجتمعت الإباضية على أبي حاتم(2).

وقد استطاعت زناتة خلال هذه الفترة أن تجمع شمل الخوارج الصفرية والإباضية في حلف واحد لأول مرة في التاريخ، بزعامة أبي قرّة سنة 153هـ/770م، الذي عمد إلى محاصرة عمر بن حفص بطبنة، الذي أوكل إليه أبو جعفر المنصور مهمة تقويض النشاط الخارجي بالمنطقة (مذكر ماجستير، صنهاجة المغرب الأوسط، ص 17)، وتم فك الحصار بعد حدوث انشقاق طارئ في صفوف الخوارج (مجمل تاريخ المغرب، ج1، ص 146)، وقد كانت مشاركة زناتة في هذا الحصار فعالة، فأبو قرّة زناتي أو على الأقل قائد لأربعين ألف جندي معظمهم من زناتة، والمنصور الإباضي زناتي، وليس مستبعد أن يكون كل جيشه أو معظمه من زناتة، وهذا بصرف النظر عن الزناتيين الذين كانوا مختلطين مع غيرهم، بقيادة أبي حاتم و ابن رستم (دور زناتة، ص ص 107-108).

بعد مقتل عمر بن حفص ولى أبو جعفر يزيد بن حاتم المهلبي المغرب سنة 154هـ، وخرج بشعبه، وقدم يزيد إلى مصر فأقام بها يسيرا، ثم شخص إلى إفريقية فسار إلى طرابلس في خلق عظيم زحف إليه أبو حاتم الإباضي، فالتقيا بطرابلس، فقاتله، وقامت الحرب بينهما أياما، فقتل أبو حاتم و خلق عظيم من أصحابه (تاريخ اليعقوبي، ص 270)،وبعد ذلك دخل يزيد القيروان وقام بسلسلة من الإصلاحات، و تتبع بقايا الخوارج فقضى على رؤوس الفتنة عندهم، أما بقايا السيوف الإباضية فقد اجتمعوا في منطقة تاهرت، حيث أقاموا الدولة الرستمية (المغرب الإسلامي، ص 174).




(1) عمر بن حفص: من ولد قبيصة بن أبي صفرة أخ المهلب، كان يلقب هازر مرد لشجاعته، أرسله الخليفة أبو جعفر المنصور إلى المغرب بعد مقتل الأغلب بن سالم، فدخل القيروان سنة 150هـ واستقامت له الأمور ثلاث سنين، ثم ثار عليه البربر وحاصروه بالقيروان، إلى أن وصل يزيد بن حاتم لإنقاذه، لكن عمر بن أبي حفص أبى، فخرج مقاتلا حتى قتل في أواخر سنة 154هـ/772م. (الاستقصا،ج1، ص-ص 129-131).

(2) أبو حاتم: هو أبو حاتم يعقوب بن لبيب المغيلي ويسمي أبا قادم، قدمه البربر عليهم عندما اجتمعوا في طرابلس أيام عمر بن حفص، حاصر القيروان مرتين، الأولي سنة 150هـ مع أبي قرة المغيلي، وفي سنة 154هـ زحف على يزيد بن قبيصة، انهزم أبو حاتم وقتل.(العبر، ج6،ص ص132-133).

وما يمكن استنتاجه من قول Carette هو أن بعض المهاجرين إلى تاهرت ينتسبون إلى قبيلتي زناتة و هوارة (دور زناتة، ص 117)، وسنتحدث عن زناتة والدولة الرستمية الإباضية فيما سيأتي.

إلى جانب حركة الخوارج فإن قبيلة زناتة نشطت كذلك مع دولة الأغالبة الموالية للعباسيين.

كما كانت لها مواقف مع الشيعة الزيدية العلوية والشيعة الفاطمية، فأثناء قيام الدعوة الشيعية في الشمال الإفريقي ممثلة في دولة الأدارسة بالمغرب الأقصى، كانت قبائل زناتة هي السباقة إلى مبايعتها، حيث بايعت قبائلها مؤسسها إدريس الأول بن عبد الله بالإمامة في المغرب الأقصى (المغرب العربي الكبير، ص 13)، ولما استقر الأدارسة بالمغرب الأقصى زحفوا إلى المغرب الأوسط (الجزائر)، حيث غزا إدريس بن عبد الله مدينة تلمسان وكان عليها محمد بن خزر (من قبيلة زناتة) فانقاد له وأجاب دعوته (الاستقصا، ج1، ص 162)، كما لعبت زناتة دورا كبيرا في الضغط على الرستميين من أجل مبايعة الدولة الإدريسية العلوية (دور زناتة، ص 141).

أما بالنسبة للشيعة الفاطمية فقد قامت زناتة في عهدها بأكبر ثورة كادت أن تسيطر على إثرها على كامل المغرب، وعي ثورة صاحب الحمار "أبي يزيد بن مخلد بن كيداد اليفريني" وقد أشرفت قبيلة زناتة خلال هذه الثورة على القضاء على الخلافة الفاطمية بمساعدة أهل السنة و أمويي الأندلس، بيد أن الدور الهام الذي لعبته قبيلتا كتامة وصنهاجة حال دون وصولها إلى مبتغاها، وسنتحدث أكثر عن ذلك في علاقة زناتة بالشيعة الفاطمية. (مذكر ماجستير، صنهاجة المغرب الأوسط، ص 18).



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
badro1819

badro1819


عدد المساهمات : 419
تاريخ التسجيل : 19/04/2011

قبيلة زنــــــــــاتة البربرية ودورها في الفتح الإسلامي لبلاد المغرب  Empty
مُساهمةموضوع: رد: قبيلة زنــــــــــاتة البربرية ودورها في الفتح الإسلامي لبلاد المغرب    قبيلة زنــــــــــاتة البربرية ودورها في الفتح الإسلامي لبلاد المغرب  I_icon_minitimeالأربعاء 28 مارس 2012 - 3:20





المبحث الرابع:

علاقة زناتة بالسلطة الأغلبية:

أدى الانقلاب الذي ترتب عنه زوال دولة بني أمية وظهور العباسيين إلى خروج الشمال الإفريقي كله من نفوذ الخلافة العباسية، يستثنى من ذلك تونس التي قامت بها دولة الأغالبة (184-296هـ/800-909م)، التي ظلت على ولائها للعباسيين (المغرب العربي الكبير من الفتح الإسلامي إلى الوقت الحاضر، ص 21)، وقد كانت أحوال تونس قبل قيام دولة الأغالبة قد ساءت إلى أبعد الحدود، فكانت ظروف البلاد أشبه بظروف مصر قبل سنة 254هـ، أو بظروف الأندلس في أواخر عصر الولاة، ثورات الخوارج تهدد البلاد تهديدا لا ينقطع، وكانت العاصمة القيروان تستردها الخلافة تارة و يستولي عليها الثوار تارة أخرى، والصراع بين العرب والبربر على أشده، وما صاحب ذلك من اضطرابات اقتصادية عنيفة (تاريخ المغرب و الأندلس، ص 122)، فقد اضطربت الأحوال الاقتصادية في إفريقية بسبب ثورات البربر المتوالية، والفتن التي انتشرت بسبب غارات سكان الجبال و البدو على المدن و السهول، وكسدت التجارة لعدم استتباب الأمن، والحقيقة أن إفريقية ورثت تلك الأحوال السيئة منذ بداية الفتح العربي، وزادت ثورة كسيلة و ثورة الكاهنة في تفاقمها، وازداد الأمر سوءا بتعسف الأمويين في سياستهم المالية، وعلى إثر ذلك قام بعض الولاة العباسيين بإصلاحات مختلفة، فاستقرت الأوضاع نوعا ما لكن ذلك لم يدم طويلا، وخلاصة القول أن إفريقية عشية قيام الدولة الأغلبية كانت ممهدة تماما لتقبل وضع جديد، فسلطان الخلافة أصبح لا يتعدى نهر الزاب، بعد انفصال المغربين الأوسط و الأقصى، بل بات نفوذ الخلافة داخل إفريقية تتهدده ثورات الجند على ولاة القيروان و أطماع الأدارسة، وكان على الخلافة العباسية أن تلتمس حلا، فلم تجد خيرا من تولية إبراهيم بن الأغلب(184-196هـ/800-812م)(1) حاكم الزاب على إفريقية في ظل نظام جديد (الأغالبة-سياستهم الخارجية، ص- ص 16-18).








(1) إبراهيم بن الأغلب (184-196هـ/800-812م): هو ابن الأغلب بن سالم بن عقال، ولد بمصر، تولي أمور إفريقية في ظروف كلها فوضي واضطراب، سياسته في جملتها معتدلة، فيه رفق بالرعية و احترام للعلماء، فأحبه الجميع،مرض و توفي سنة 289هـ/903م.(تاريخ المغرب وحضارته،ج1، ص ص 262 ،268، 287).

حيث أقنعت أحداث إفريقية المتوالية، من معارك خاضها العرب ضد البربر الصفرية و الإباضية الرشيد(1) (170-193هـ/786-809م)، بأن انفصال المغرب عن الإمبراطورية العباسية أصبح حقيقة واقعة، فقد دفعه هذا إلى قبول ما عرضه عليه إبراهيم بن الأغلب، وهو التسليم باستقلال ولاية إفريقية جزئيا عن الخلافة العباسية، والاكتفاء بتبعية اسمية لها نظير مبلغ من المال يبعثه إلى الخليفة (المغرب الكبير، ص 373)، كما أن العباسيين أقاموا دولة الأغالبة لتكون حاجزا بين بلادهم وبلاد الأدارسة في المغرب الأقصى، ذلك لأن الأدارسة كانوا لا يريدون فصل المغرب عم بقية العالم الإسلامي، بل كانوا يعملون على توحيد المغرب العربي و المشرق العربي تحت قيادتهم (تاريخ المغرب العربي في العصر الوسيط، ص 39)، وتم اختيار إبراهيم بن الأغلب لإمارتها، لأنه كان من أفضل ولاة المغرب، وهو ابن الأغلب بن سالم بن عقال(2) الذي حكم إفريقية لفترة من الزمان قبل مجيء بني حفص بن عمر المهلبيين، وقد توالى آل الأغلب بن سالم بن عقال على ولاية ناحية الزاب، فامتدت جذورهم في البلاد وكثر أتباعهم، و اشتهر أمرهم بالإخلاص للدولة العباسية والثبات على عهدها، وقد ولد إبراهيم بن الأغلب في مصر، وتعلم بها، ولما أمرت الدولة أباه بالمسير إلى المغرب في جملة جند محمد بن مقاتل العكي والي إفريقية، انتقلت الأسرة كلها، ودخل إبراهيم مع أبيه معترك الحرب السياسية، و وصل إلى القيادات، ولما توفي أبوه الأغلب أقيم إبراهيم واليا على الزاب، إلى أن استقامت له الأمور ليتولى أمر إفريقية (تاريخ المغرب و حضارته، ص ص 262-263)، حيث أرسل الرشيد وصل عهده في العشر الوسط لجمادى الأخيرة سنة 184هـ، وقال له فيه:« قد تقدم لكم بإفريقية أمر».

وقد كان إبراهيم أحسن وال يتولى إفريقية سيرة وأحسنهم سياسة، فطاعت له قبائل البربر وتمهدت إفريقية في أيامه، إذ أنه لما ملك إفريقية، قمع أهل الشر بها وضبط أمرها، وكان له مع بربرها حروب طويلة (البيان المغرب، ج1، ص 92).



(1) الرشيد: (170-193هـ/786-809م)، هو هارون بن محمد المهدي، ولد بالري في أواخر ذي الحجة سنة 145هـ/فبراير سنة 763م، تولى الخلافة في الليلة التي مات فيها أخوه الهادي وعمره 22 عاما، ويعد الرشيد أشهر خلفاء العباسيين و أبعدهم صيتا، فقد ملأت أخباره كتب التاريخ شرقا و غربا، اشتد عليه المرض في سفره وتوفي سنة 193هـ/809م، وعمره 45 سنة. (الدولة العباسية من الميلاد إلى السقوط، ص ص 31-32).

(2) ابن الأغلب بن سالم بن عقال: هو الأغلب بن سالم التميمي، وهو عربي من قبيلة تميم التي ساهمت في القضاء على الخلافة الأموية وقيام الدولة العباسية، وكان الأغلب بن سالم من أصحاب أبي مسلم الخراساني و من أشجع رجاله، ثم شغل مركزا مرموقا في جيش محمد بن الأشعث بمصر، ولما ساءت أحوال إفريقية خرج ابن الأشعث رفقة الأغلب الذي ولاه بلاد الزاب، إلى غاية وفاته سنة 150هـ. (الأغالبة، سياستهم الخارجية، ص19).

وقد كانت المشاكل الداخلية التي تعرض لها بنو الأغلب وجابهوها، مصدرها الخوارج من البربر وفقهاء السنة، إذ أنه لما عين إبراهيم بن الأغلب واليا على المغرب، كان أول أعماله أن دخل في حروب لقمع ثورات الخوارج لخطورتها، لاسيما في طرابلس، حتى أنه اضطر إلى تعيين ابنه عبد الله(1) واليا على منطقة طرابلس (مفهوم الملك في المغرب، ص 46)، لتهدئة الاضطرابات فيها، وقد كانت طرابلس هذه مدينة صعبة المراس لأكثر من سبب، نظرا إلى وضعها الخاص ومزاج سكانها، و تتابع ولاة عديدين عليها منذ سنة 184هـ/800م، فكانوا يعزلون بعد توليتهم بقليل، وكان الولاة يغضبون هؤلاء و أولئك، وازدادت الاضطرابات حدة سنة 189هـ/805م، حيث كثر شغب أهل طرابلس على ولاتها، فقد ولي أحد أقرباء إبراهيم الأول سفيان بن المضاء، للمرة الرابعة على المدينة، واتفق أهل البلد على طرده و إرجاعه إلى القيروان، فهوجم هو وجماعة ممن معه، فتحصن هو بجامع المدينة، وخرج من طرابلس بعد أن منح الأمان، وقد أثارت هذه القلاقل عصبيات مختلفة، وبالفعل فقد بلغ الأمر الحد الأقصى في آخر سنة 189هـ/805م، فقد فسدت طرابلس، فعزم إبراهيم الأول عند ذلك على الضرب بشدة، فأرسل إلى طرابلس "جمعا من الجند" و أذن لهم بالحضور بين يديه صحبة الأبناء و بني أبي كنانة و بني يوسف، فلم يبدوا أيم مقاومة، ولما نقلوا إلى القيروان في ذي الحجة 198هـ/805م، طلبوا العفو من الأمير فعفا عنهم، و أذن لهم بالعودة إلى ديارهم، وبهذا انتهت الاضطرابات في طرابلس، و لنشر إلى أنها لم تتطلب أي تدخل عسكري، بل إنها اكتفت بما نسميه اليوم بالقيام بعملية تهدئة (الدولة الأغلبية، التاريخ السياسي 184-296هـ/800-909م، ص-ص 164-167)، وفي سنة 194هـ خرج عمران بن مخلد على إبراهيم بن الأغلب حقدا على ما وصل إليه من مكانة، وقد كان عمران من خيرة رجال الأمير و كبار قواده، وحظي بمكانة بين الجند، فلما أعلن الخروج انصاع لهم غالبيتهم، فاستولى على القيروان، وبلغ من استفحال خطره أنه حاصر إبراهيم عاما كاملا في قلعته بالعباسية ثم حاول إغراء العلماء لتأييده، وقد أرسل الرشيد لإبراهيم الأموال، فاستعان بها على مقاومة عمران، وبعد أن انصرف عنه جنده لم يجد بدا من الهرب إلى الزاب، ودخل إبراهيم القيروان فخلع أبوابها و هدم أسوارها إمعانا في الانتقام.




(1) عبد الله: هو عبد الله بن إبراهيم بن الأغلب، و لي إفريقية بعد وفاة أبيه، كان غائبا بطرابلس، فعد إليه أبوه بالإمارة "وأمر ابنه زيادة الله بن إبراهيم أن يبايع لأخيه عبد الله بالإمارة، فكتب إلى أخيه بموت أبيه و بالإمارة، ففارق طرابلس و وصل إلى القيروان، فاستقامت الأمور، ولم يكن في أيامه شر ولا حرب وسكن الناس، فعمرت البلاد، وتوفي في ذي الحجة سنة 201. (الكامل في التاريخ، ج5، 314).

ولم تكن حركة عمران بن مخلد آخر ما واجهته الإمارة من مشاكل في عهد أميرها الأول، فطرابلس ما لبثت أن عمتها الاضطرابات، إذ أن الخلافات القبلية التقليدية بن القيسية و اليمنية وجدت في هذه المدينة البعيدة عن مقر الإمارة ما ساعد على إذكاء جذوتها، وبلغ خطر الجند في طرابلس عام 196هـ حد التهديد بانفصالها عن الإمارة، فلم يجد عبد الله بن إبراهيم بن الأغلب –نائب طرابلس- مناصا من الاستعانة بالبربر لمواجهة الموقف، وكان تغيير الولاة المستمر يقترن بالمزيد من الثورات، حتى عمت الفوضى البلاد، وقام البربر بالثورة على جند المدينة وعلى العرب، ووجد عبد الوهاب بن رستم (1) الفرصة مواتية للتدخل إلى جانب هوراة، واحتدم الصراع بين الطرفين، وبات القسم الشرقي من إفريقية على شفا الخروج عن سلطان الأغالبة بعد تدخل الخوارج الإباضية، وفي تلك الأثناء توفي إبراهيم بن الأغلب و اضطر ابنه أبو العباس عبد الله إلى طلب الصلح، على أن تكون لابن رستم السيادة على بعض نواحي طرابلس (الأغالبة، سياستهم الخارجية، ص ص 29-30)، وفي سنة 196هـ ولي عبد الله بن إبراهيم بن الأغلب إفريقية وقد كان عبد الله هذا أراد أن يحدث جورا على رعيته فأهلكه الله قبل ذلك، وكانت وفاته سنة 201هـ، وبويع بعده زيادة الله بن الأغلب(2) على إفريقية، فأساء السيرة في الجند، فكثرت الثورات عليه، ففي سنة 207هـ ثار عليه زياد بن سهل، وفي سنة 208هـ ثار عليه عمرو بن معاوية القيسي، وفي سنة 209هـ ثار منصور الطبندي بتونس، وفي سنة 210هـ كانت وقيعة سبيبة...و في سنة 223هـ توفي زيادة الله بن إبراهيم بن الأغلب صاحب إفريقية (البيان المغرب، ج1، ص- ص 95-106).

وبما أن قبائل زناتة كانت منتشرة في كل أنحاء المغرب ولها السيادة الكبيرة، فهذا يعني مشاركتها في هذه الثورات ضد الأغالبة على اعتبار أنها إمارة تابعة للخلافة، تم إقامتها أساسا لمواجهة ثورات البربر المغاربة.






(1) عبد الوهاب بن رستم (168-208هـ/784-823م): هو ابن عبد الرحمان ،كان متبحرا في علوم الشريعة الإسلامية و الفقه الإباضي، قضي فترة حكمه في تدبير شؤون الدولة و المطالعة وتدريس العلوم في المسجد، توفي سنة 208هـ. (دول الخوارج والعلويين في بلاد المغرب والأندلس،ص91).

(2) زيادة الله بن الأغلب (201-223هـ/816-838م): ثالث حكام الدولة الأغلبية و أطولهم في فترة الحكم، امتاز عهده بقيام بعض الثورات، محاولة فتح جزيرتي سردينية و صقلية ، توفي سنة 223هـ. (تاريخ الإسلام، ج1،ص 176).

بعد زيادة الله ولى المغرب أبو عقال الأغلب بن إبراهيم بن الأغلب(1) الذي أمن الناس وأحسن إليهم وإلى الجند، إلى أن توفي سنة 236هـ، فخلفه أبو العباس محمد بن الأغلب بن إبراهيم بن الأغلب(2)، وكانت ولايته هو الآخر سالمة والأمور معتدلة، إلى غاية سنة 233هـ، حيث كانت ثورة سالم بن غلبون، وفي سنة 234هـ ثار عمر بن سليم التجيني بتونس، وفي سنة 235هـ كانت وقيعة على مقربة من تونس بين المنتزي في العام الفارط عمرو بن سليم المعروف بالقوبع وبين محمد بن موسى المعروف بعربان.

وفي سنة 246هـ، توفي أبو العباس محمد بن الأغلب، وولى إفريقية أبو إبراهيم أحمد بن محمد بن الأغلب(3) الذي كان من أجود الناس و أسمحهم وأرفقهم بالرعية، توفي سنة 249هـ، وخلفه زيادة الله بن محمد بن الأغلب بن إبراهيم ابن الأغلب(4) الذي اتصف بالحلم و حسن السيرة، توفي سنة 250هـ، وخلفه أبو الغرانيق محمد بن أحمد بن محمد بن الأغلب(5)، كان حسن السيرة مع الرعية، كانت ولايته أكثرها فتوحا إلى أن توفي سنة 261هـ، و خلفه على إفريقية إبراهيم بن أحمد بن محمد بن الأغلب(6) الذي ابتدأ في بناء مدينة رقادة(7) سنة 263هـ، واكتمل بناؤها




(1) أبو عقال الأغلب بن إبراهيم بن الأغلب (223-226هـ/838-841م): خلف أخوه زيادة اللّه الأول، وكان ثالث أبناء إبراهيم بن الأغلب، كان أبو عقال حسن السيرة، لم يحدث في عهده ما يستحق الذكر، توفي سنة 226هـ. (تاريخ الإسلام، ج2، ص178 ).

(2) أبو العباس محمد بن الأغلب بن إبراهيم بن الأغلب ( 226-242هـ): من أطول أمراء الأغالبة عهدا، تخللت عهده حوادث كثيرة أشدها خطرا اغتيال أخيه أحمد الإمارة منه ، توفي سنة 242هـ. (تاريخ الإسلام ،ج2، ص179).

(3) أبو إبراهيم أحمد بن محمد بن الأغلب (242-249هـ/856-863م):كان يجسم حقا صورة الأمير العادل و المثالي، عمل على دعم السلم في البلاد، أحبه العامة و الخاصة، عهده عهد سلم و رخاء و مناعة واستقرار. (الدولة الأغلبية-التاريخ السياسي-، ص7).

(4) زيادة الله بن محمد بن الأغلب بن إبراهيم بن الأغلب (250-261هـ/863-864م): خلف أخاه إلا أنه لم ينعم إلا بالقليل من الرخاء، إذ لم يدم حكمه إلا سنة واحدة. (الدولة الأغلبية-التاريخ السياسي-، ص7).

(5) أبو الغرانيق محمد بن أحمد بن محمد بن الأغلب (250-261هـ/864-875م): كانت في أيامه حروب و فتن، تميز بحسن سيرته و عدله، و نظرا لما ساد عصره من رخاء قيل ًإنه عصر أبي الغرانيق ً ، لكن عيب عليه أنه بذر كثيرا. (الدولة الأغلبية-التاريخ السياسي- ، ص7).

(6) إبراهيم بن أحمد بن محمد بن الأغلب (261-289هـ/876-902م): تمتع بتأييد الرعية، عادل و نزيه، خرج للجهاد في صقلية و مات هناك. (الدولة الأغلبية-التاريخ السياسي- ، صCool.

(7) رقادة: من القيروان إلى رقادة أربعة أميال، ودورها أربع و عشرون ألف ذراع و أربعون ذراعا، أكثرها بساتين، اتخذها دارا و وطنا إبراهيم بن أحمد، وانتقل إليها من مدينة القصر القديم، و بنا بها قصورا عجيبة وجامعا، وعمرت، ولم تزل بعد ذلك دار ملك لبني الأغلب إلى أن هرب عنها زيادة الله من أبي عبد الله الشيعي، وسكنها عبيد الله إلى أن انتقل إلى المهدية سنة ثمان وثلاثمائة، وكان ابتداء تأسيس إبراهيم لها سنة 263هـ. (المغرب في ذكر بلاد إفريقية و المغرب، ص 27).



سنة 264هـ وانتقل إليها، كانت في عهده ثورة الدراهم، وبعد وفاته خلفه أبو العباس بن إبراهيم بن أحمد الذي قتل، وخلفه ابنه زيادة الله بن أبي العباس عبد الله بن إبراهيم بن أحمد بن الأغلب(1) (البيان المغرب، ج1، ص-ص 106-134)، الذي في أيامه قوي أمر أبي عبيد الله الشيعي، فأرسل إليه زيادة الله جمع من عسكره (تاريخ أبي الفداء،ج1، ص 388)، وأمر عليهم هارون بن الطين، فمنح الله الشيعي النصر عليهم دفعة، وهزمهم من غير كلفة و افتتح المدن مثل تيجيس وقفصة...وتحرك إلى ملاقاة زيادة الله في سنة 296هـ واجتمع إلى زيادة الله، وكانت بين الفريقين حرب صعبة، وكانت الهزيمة على جيش زيادة الله، فتيقن زيادة الله أن الأمر فسد وأن الدولة انقرضت، فاستعد للهروب، ولما أذن المؤذن بالعشاء الأخيرة خرج من رقادة و انتهى إلى مصر، وعليه انقرضت دولة بني الأغلب بإفريقية، وكانت مدتها مائة سنة وإحدى عشر سنة وثلاثة أشهر وعشرة أيام (تاريخ المغرب العربي في العصر الوسيط، ص-ص 40-44).
























(1) زيادة الله بن أبي العباس عبد الله بن إبراهيم بن أحمد بن الأغلب(290-296هـ/903-909م):آخر حكام الدولة الأغلبية،ازداد في عهده خطر الشيعي الذي استولى على رقادة وفر زيادة اللّه إلى مصر، وانتهت بذلك دولة الأغالبة في إفريقية سنة 296هـ. (تاريخ المغرب وحضارته،ج1،ص288).

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
badro1819

badro1819


عدد المساهمات : 419
تاريخ التسجيل : 19/04/2011

قبيلة زنــــــــــاتة البربرية ودورها في الفتح الإسلامي لبلاد المغرب  Empty
مُساهمةموضوع: رد: قبيلة زنــــــــــاتة البربرية ودورها في الفتح الإسلامي لبلاد المغرب    قبيلة زنــــــــــاتة البربرية ودورها في الفتح الإسلامي لبلاد المغرب  I_icon_minitimeالسبت 31 مارس 2012 - 3:33





المبحث الأول:

موقف زناتة من الحركة الصفرية:
ولدت حركة الخوارج في المشرق، فبعد أن قضى النبي – صلى الله عليه وسلم- لم يوصي بمن يخلفه، كما أنه لم يرد في القرآن نص على من يخلفه، أو قاعدة لاختيار خلفه الذي يرأس الجماعة الإسلامية فحار المسلمون في الأمر، وكان أنصار علي بن أبي طالب –كرم الله وجهه- يرون أنه الأحق بالخلافة لأنه ابن عم الرسول –صلى الله عليه وسلم- و زوج ابنته فاطمة، لكن الأمر لم يكن لصالحهم، فقد تم انتخاب أبي بكر –رضي الله عنه- (11-13هـ /632-634م) ورغم ما أحدثه هذا الاختيار من غم في قلوب أنصار على بن أبي طالب –كرم الله وجهه- إلا أنهم امتثلوا لهذا الاختيار نظرا لما تحلى به أبو بكر من فضائل، وباستفتاء مماثل تولى عمر بن الخطاب –رضي الله عن- ( 13-32هـ/634-644م)، وهو الآخر والد لإحدى زوجات النبي –صلى الله عليه وسلم-، وكذلك تولى عثمان بن عفان –رضي الله عنه- (23-35هـ/644-656م) من بعد عمر –رضي الله عنه-، وقد قام أنصار علي –كرم الله وجهه- (باستثناء علي نفسه) بمعارضة هؤلاء الخلفاء الثلاثة خفية، ولكن لم يحدث انشقاق مفتوح بين هذا الفريق المناصر لعلي – رضي الله عنه- وبين الفريق الآخر الذي يشمل مسلمين فاتري الإيمان، وهذا الفريق كان على رأسه بنو أمية، وخصوصا في عهد خلافة عثمان بن عفان –رضي الله عنه- معاوية والي الشام (41هـ- 660م/60هـ-680م)، ولما قتل عثمان –رضي الله عنه- سنة 36هـ (656م) في مسجد المدينة، أراد الحزب الأموي بزعامة معاوية بن أبي سفيان الانتقام لقتل عثمان –رضي الله عنه- مدّعيا أن لعلي يدا في هذا القتل، فانظم أهل المدينة جميعا، وقسم من أهل مكة إلى علي بن أبي طالب –كرم الله وجهه- (الفرق الإسلامية في الشمال الإفريقي، ص ص 140-141).

ووقعت موقعة صفين(1) التي دارت رحاها على شاطئ الفرات سنة 37هـ/657-658م بيـن




(1) صفين: هو موضع بقرب الرقّة على شاطئ الفرات من الجانب الغربي بين الرقّة و بالس. (معجم البلدان، ج3، ص 414).



الإمام علي –كرم الله وجهه- ومعاوية بن أبي سفيان، ولجأ معاوية عندما أوشك جيشه أن ينهزم إلى حيلة بارعة تشتت بها جيش خصمه، فتوقف علي بن أبي طالب –كرم الله وجهه- عن القتال بناءاً على طلبه، ولجأوا إلى التحكيم لحل المشكل القائم بينهما، ولما تبين للإمام وأصحابه أن معاوية خدعهم حاولوا استئناف القتال من جديد، غير أن جماعة منهم اعتبرت أن قبول التحكيم جريمة، وطلبت من علي –كرم الله وجهه- أن يتوب عنها، كما تابت هي و بعدها يواصلون قتال معاوية، لكن علي –كرم الله وجهه- رفض ذلك قائلا: « كيف أحكم على نفسي بالكفر بعد إيماني و هجرتي و جهادي»، فرفعت بذلك شعارا "لا حكم إلا الله"، وانفصلت عن علي – رضي الله عنه- وأطلق على أفرادها اسم "الخوارج"، وصاروا بعد ذلك يقاتلون علي بن أبي طالب – رضي الله عنه- ومعاوية أيضا، ونشط الخوارج في المشرق، وكانت آراؤهم قبل المحنة التي تعرضوا لها موحّدة (دور زناتة في الحركة المذهبية بالمغرب الإسلامي، ص-ص 47-49)، منها: أن الخليفة لا يمكن أن يعين إلا بالاختيار الحر، ودون أي اعتبار للمولد والأصل المكي أو القرشي، وكل مؤمن يرتكب أحد الذنوب يستحق العداء و في نظرهم خارج عن جماعة المسلمين إلا من تاب وكفّر عن ذنبه...(الفرق الإسلامية في الشمال الإفريقي، ص ص 142-143)، وبعد المحنة التي تعرض لها الخوارج حدث انشقاق في صفوفهم ظهرت على إثره عدّة نزاعات منها: الأزارقة والإباضية و الصفرية، نشطت كل واحدة منها على حدة، ونما مذهب الخوارج بفرقه المختلفة في العهد الأموي و أيضا في العهد العباسي الأول في المشرق (دور زناتة في الحركة المذهبية بالمغرب الإسلامي، ص- ص 50-53)، وقد هزموا لأول مرة في المشرق على يد علي بن أبي طالب –كرم الله وجهه- في معركة النهروان فتشتت الخوارج و استتروا، ثم قتلوا علي بن أبي طالب سنة 40هـ/661م.

وواصلوا القتال ضد الأمويين الحاكمين في دمشق، وحاول هؤلاء القضاء عليها بكل الطرق لأنهم كانوا خميرة فتنة مستمرة، وكانوا لا يتراجعون أمام أي وسيلة للكفاح العنيف، و لم يتم إخضاعهم في العراق إلا بفضل الوالي الشهير –الحجاج بن يوسف الثقفي- الذي أجرى فيهم مذابح و قضى عليهم نهائيا سنة 87هـ /696م، و من بقي منهم أحياء لجأوا إلى مختلف نواحي بلاد الإسلام في المشرق، وبلاد المغرب خاصة (الفرق الإسلامية في الشمال الإفريقي، ص 144)، فقد فر كثير من دعاة الخوارج إلى المغرب الأوسط و سائر أرجاء المغرب هربا طبعا من بطش الأمويين و ضرباتهم، ووجدوا في هذه البلاد مسرحا لنشاطهم و تربة صالحة لنشر أفكارهم وغرس تعاليمهم، القائمة على المساواة بين المسلمين والثورة على الظلم بجميع أشكاله (الدولة الرستمية بالمغرب الإسلامي، ص 55).

وقد وجد البربر في هذه الأفكار الجريئة ما يلبي رغباتهم، وراحوا يستمعون إلى مقالاتهم و آرائهم في الدين و السياسة و المال، وأخذوا يقارنون بين ما كان عمال بين أمية يمارسونه من عسف وظلم، وبين التعاليم التي يقول بها الخوارج، والتي تصدر عن القرآن و السنة و ما ساس عليه رسول الله –صلى الله عليه وسلم- والشيخين أبي بكر و عمر –رضي الله عنهما- الأمة، وما كان هؤلاء الدعاة يوجهونه من نقد لاذع للإدارة الأموية، و الواقع السيئ، فانغرست هذه المقالة في قلوب الناس، وانبث الخوارج بين عامة البربر في القرى و البوادي و الجبال، فنجحوا في حملهم على آرائهم، وفي تحريضهم على الثورة، والإطاحة بأولي الأمر، وما ساعد على ذلك ظلم ولاة بني أمية البربر (مذكرة ماجستير، الأوراس في العصور الوسطى، ص 77).

وقد اختلف البربر في مدى تقبلهم لهذه التعاليم، فانتشرت الصفرية بين بربر القسم الجنوبي من المغرب الأقصى في المناطق الجبلية الممتدة من السوس الأدنى إلى جبال درن، بينما اعتنق بربر المغرب الأوسط و القسم الشمالي من المغرب الأقصى تعاليم الإباضية، و إلى جانب الصفرية و الإباضية كان هناك المتطرفون الغلاة من البربر الذين يدعون إلى إقامة حكومة بربرية دينها الإسلام ولغتها البربرية.

وظهرت هذه النزعة في برغواطة عند أتباع صالح بن طريف(1) الذي تسمى بصالح المؤمنين (الدولة الرستمية بالمغرب الأوسط، ص 55)، وقد كانت الحركة الصفرية السباقة في رفع لواء المقاومة والثورة، إذ استغل دعاتها مظالم رجال الإدارة الأموية، فعملوا على تأليب البربر عليهم ودفعهم إلى خلع طاعة الخليفة (مذكرة ماجستير، الأوراس في العصور الوسطى، ص 78)، وقد لخص الطبري الحوار الذي دار بين دعاة الخوارج و بعض سادة البربر، الذين رؤوا ضرورة إعلان الخليفة بالوضع قبل الثورة عليه قائلا:« لا نخاف الأئمة بما يجني العمال، فقالوا لهم –أي دعاة الخوارج-




(1) صالح بن طريف البرغواطي: نسبة إلى برغواطة إحدى بطون قبيلة مصمودة بالمغرب، قيل أنه من أصل يهودي، ولد سنة 110هـ، ادّعى النبوة، ظهر بوسط المغرب و بدأ دعوته سنة 124هـ، ترأس قومه في برغواطة سنة 127هـ، بعد وفاته خلفه ابنه صالح، ومن بعده إلياس ومن بعده يونس...وانتهت ديانة برغواطة سنة 420هـ، على يد تميم اليفريني. (معجم مشاهير المغاربة، ص-ص 78-80).

إنما يعمل هؤلاء بأوامر أولئك، فقالوا حتى نخبرهم...»، وبذلك قام البربر باختيار وفد تزعمه ميسرة المدغري و رحل إلى الشام ليشكوا للخليفة هشام بن عبد الملك جور عماله، و أن جوهر الشكوى يكمن في حرمانهم من غنائم الحروب التي خاضوها في حملات ابن الحبحاب رغم حسن بلائهم، وسوء معاملة الولاة وحيفهم بنهب أموالهم وسبي بناتهم، ولكن حيل بين الوفد و بين لقاء الخليفة، وأدرك بذلك ميسرة وجماعته أن الخلافة متواطئة مع عماها فيما يحدث بالمغرب من ظلم وجور، وعقد العزم على الثورة (الخوارج في بلاد المغرب، ص ص63-64)، وسنحت الفرصة حوالي سنة 122هـ (740م) حينما أرسلت حكومة القيروان جيشا إلى صقلية(1) مؤلفا من خيرة جنودها، وبهذا ضعفت الحامية ولم يعد في استطاعتها مقاومة ثورة عنيفة، وكان من براعة الخوارج أن اختاروا مناطق المغرب الأقصى للهجوم على عمال السنية (الفرق الإسلامية في الشمال الإفريقي، ص 147).

وثار البربر بزعامة الخوارج في ولاية عبد الله بن الحبحاب أيام هشام بن عبد الملك (العبر، ج6، ص 130)، و كانت الانتفاضة الأولى بطنجة، حيث قتلوا عامل عبيد الله وهو عمر بن عبد الله المرادي، وكان من تولى ذلك ميسرة البربري، الذي قام بأمر البربر و أدعى الخلافة وتسمى بها، وبويع عليها، ثم استعمل ميسرة على طنجة، عبد الأعلى بن حديج الإفريقي، وبعدها سار ميسرة إلى السوس، التي كان عليها إسماعيل بن عبيد الله فقتله سنة 123هـ، فوجه عبيد الله بن الحبحاب خالد بن أبي حبيب الفهري إلى البربر بطنجة، ومعه وجوه إفريقية: من قريش والأنصار وغيرهم (فتوح إفريقية و الأندلس، ص ص 94-95)، و اقتتلوا قتالا شديدا، لم يسمع بمثله، وقد انظم إلى ميسرة في هذه الثورة بربر مكناسة، و برغواطة، كما انضم إليه الأفارقة في طنجة بزعامة عبد الأعلى بن جريح، وانضمت إليه قبائل المغرب الأوسط و هي زناتة (الدولة الرسمتية بالمغرب الإسلامي، ص 57).

بعد هذه الوقعة انصرف ميسرة إلى طنجة، وأنكرت عليه البربر سوء سيرته وتغيروا عما كانوا بايعوه عليه، وقد بويع بالخلافة، فقتلوه، وولوا أمرهم خالد بن حميد الزناتي، فالتقى خالد بن حبيب والبربر، وكان بينهم قتال شديد، وبينما هم كذلك إذ غشيهم ابن حميد الزناتي بعسكر




(1) صقلية: جزيرة في البحر المتوسط، خصبة كثيرة البلدان و القرى و الأمصار، فتحت في أيام بني الأغلب و بقيت بيد المسلمين مدة، ثم ظهر عليها الكفار فملكوها و هي اليوم في أيديهم. (معجم البلدان، ج3، ص ص 416-417).

عظيم، فتكاثرت عليه البربر فانهزموا، فكره خالد بن حبيب أن ينهزم، فألقى بنفسه إلى الموت، فقتل هو و جميع أصحابه، وسميت تلك الوقعة غزوة الأشراف (تاريخ إفريقية و المغرب، ص ص 74-75).

و يبدو أن سبب هزيمة العرب في موقعة الأشراف ليس فقط عدم تنظيم خالد بن حبيب لصفوفه وتعب رجاله ونقص الإمدادات، وإنما أيضا عدم مشاركة قوات أبيه في المعركة و اكتفاؤه بمراقبة الوضع، وقد تمخضت معركة الأشراف عدة نتائج في مقدمتها ضعف الروح المعنوية عند العرب وقوتها عند رجال النحلة الصفرية التي انتشرت بين بربر المغرب الأقصى انتشارا واسعا وسريعا، فشقوا عصا الطاعة في وجه عامل إفريقية بالقيروان، وضد الخلافة المركزية في المشرق وخليفتها هشام بن عبد الملك (المغرب الإسلامي، ص ص 159-160).

أما في الأندلس فإنه لما بلغ لأهلها ثورة البربر، ثاروا هم أيضا على أميرهم عقبة بن الحجاج السلولي(1) فقتلوه، وولوا عبد الملك بن قطن الفهري(2)، واختلفت الأمور على عبيد الله بن الحبحاب، واجتمع الناس و عزلوه في أنفسهم (تاريخ إفريقية و المغرب، ص 75)، ولما وصل الخبر إلى الخليفة هشام بن عبد الملك قال: « والله لأغضبنّ لهم غضبة عربية ولأبعثنّ لهم جيشا أوله عندهم و آخره عندي »، ثم كتب إلى ابن الحبحاب بقدومه عليه، فخرج سنة 123هـ وبعث كلثوم بن عياض إلى إفريقية، وعقد له على اثنتي عشرة ألفا من أهل الشام، وكان على طلائع جيشه، بلج بن بشر القيسي(3) ابن عمه (البيان المغرب،ج1، ص 54)، وبوصول كلثوم إلى إفريقية أمر أهل إفريقية بالجهاز للخروج معه إلى البربر، فخرج في عدد كثير و استخلف على القيروان عبد الرحمان بن عقبة الغفاري، وعلى الحرب مسلمة بن سوادة القرشي،فثار عليه بعد خروج




(1) عقبة بن الحجاج السلولي (123هـ /741م): أمير من أشراف بني واسول، ولي الأندلس سنة 116هـ، من قبل عبيد الله بن الحبحاب و أقام بها مجاهدا إلى أن استشهد سنة 123هت. (الأعلام، ج4، ص 230).

(2) عبد الملك بن قطن الفهري: ابن نهشل بن عبد الله الفهري، أمير الأندلس، وليها سنة 114هـ، ثار عليه بلج و أصحابه بعد لجوئهم إليه، فقتله وصلبه واستولى بلج على الإمارة سنة 123هـ. (الأعلام، ج4، ص 162).

(3) بلج بن بشر القيسي (124هـ/742م): قائد شجاع دمشقي، سيّره هشام مع عمه كلثوم بن عياض إلى إفريقية و بعد هزيمة كلثوم فرّ إلى الأندلس، ثم عاود الكرة على البربر، بعدها عاد إلى الأندلس وقام بقتل أميرها ابن قطن واستولى على الأندلس، توفي متأثرا بجراحات. ( الأعلام، ج2، ص 73).

كلثوم (بربر طنجة)، عكاشة بن أيوب الفزاري من ناحية قابس، وهو صفري، وأرسل أخا له فقدم سبرت فجمع بها زناتة و حصر أهل سوق سبرت في مسجدهم وعليهم حبيب بن ميمون، وبلغ الخبر صفوان بن أبي مالك و هو أمير على طرابلس فخرج بهم فوقع على أخ الفزاري وهو محاصر أهل سبرت فقاتلهم، فانهزم الفزاري، وقتل أصحابه من زناتة وغيرهم و هرب إلى أخيه بقابس، وخرج مسلمة بن سوادة في أهل القيروان إلى عكاشة بن أيوب بقابس فقاتلهم وأنهزم مسلمة و قتل هو وعامة من من خرج معه و لحق بالقيروان، ويقال أن كلثوم بن عياض حين قدم من عند هشام خلف القيروان ولم ينزل به، ولم يدخله ونزل سبتة، وكتب إلى حبيب بن أبي عبيدة ألا يفارق عسكره حتى يقدم عليه، ثم شخص كلثوم غازيا حتى قدم على حبيب، ثم رحلا جميع بمن معهما إلى طنجة، وكان كلثوم حين خرج إلى البربر قد قدّم بلج بن بشر القيسي على مقدمته في الجبل، فلما قدم على حبيب رفضه و أهان منزلته، ثم قدم كلثوم فتلقاه حبيب فتهاون به أيضا، ثم خطب كلثوم في الناس على ديدبان له فطعن في حبيب وشتمه (فتوح إفريقية و الأندلس، ص-ص 96-98)، إلى جانب هذه المعاملة السيئة التي لقيها العرب المقيمون في البلاد، فإن كلثوم استهان بقوة البربر و لم يستفد من خبرة الذين سبقوه في القتال، وقد أشار حبيب على كلثوم أن يقاتل البربر الرجالة بالرجالة، والخيل بالخيل، فقال له كلثوم: « ما أغنانا عن رأيك يا ابن أم حبيب»، وهكذا أصبح جيش الخلافة على هذه الحالة من التمزق و الانشقاق، فما إن دارت المعركة بينه وبين البربر عند واد سبو(1) حتى مني بالهزيمة الفادحة (الدولة الرستمية بالمغرب الإسلامي، ص ص 59-60)، حيث التقى جيش كلثوم بجيش خالد بن حميد الزناتي، وكانوا خلقا لا يحصى، واشتد القتال بين الطرفين، وقتل كلثوم وانهزمت العساكر، فمضى أهل الشام إلى الأندلس مع بلج بن بشر القيسي، ومضى أهل مصر وإفريقية إلى القيروان (العبر، ج6، ص130).

بعد هذه الوقعة (معركة بقدورة) انقطعت أخبار خالد الزناتي، و انتقلت رئاسة زناتة إلى أبي قرّة، ومن هنا يمكن استنتاج أن زناتة لعبت أكبر دور في ثورات الخوارج الصفرية، و ليس ببعيد أن تكون أعداد الزناتيين قد طغت على أعداد القبائل الأخرى في الثورة التي قادها ميسرة و من بعده خالد الزناتي.



(1) واد سبو: ثاني أنهار المغرب أهمية بعد أم الربيع، ينبع من الأطلس المتوسط و يصب في المحيط الأطلسي، و هو النهر الوحيد في المغرب الذي تدخله السفن الكبيرة. (جني زهرة الآس في بناء مدينة فاس، ص18).

وقد كان لهزيمة بقدورة صدى عميق (دور زناتة في الحركة المذهبية بالمغرب الإسلامي، ص ص 75-76)، إذ أنه لما بلغ أمير المؤمنين هشام بن عبد الملك قتل كلثوم بن عياض و أصحابه بعث إلى إفريقية حنظلة بن صفوان الكلبي، فلما وصل إلى إفريقية بعث إليه أهل الأندلس أن يبعث إليهم عاملا، فوجه إليهم أبا الخطّار حسام بن ضرار الكلبي، و حنظلة لم يستقر طويلا بالقيروان، إذ سرعان ما زحف عكاشة الصفري الخارجي في جمع عظيم من البربر، وزحف أيضا إلى حنظلة عبد الواحد بن يزيد الهواري في عدد عظيم، وكان اقتربا من الزاب، فأخذ عكاشة طريق مجانة(1) فنزل بالقيروان، وأخذ عبد الواحد طريق الجبال و على مقدمته أبو قرّة المغيلي (البيان المغرب،ج1، ص 58)، وكان كل منهما يتأهب للزحف على القيروان، وتوقف عبد الواحد على بعد مرحلة من القيروان عند موضع بعرف بالأصنام، بينما عسكر عكاشة على بعد ستة أميال من القيروان عند موضع يعرف بالقرن، وأمام تكتل جهود الصفرية لاقتلاع القيروان من قبضة العرب، رأى حنظلة أن يلاقي كل منهم على حدة، لذا أرسل إلى عكاشة و أخذ يرغبه و يمنيه، حتى يكسب مزيدا من الوقت يهاجم فيه عبد الواحد في الأصنام، فلقيهم بالأصنام، وهزم الله عبد الواحد وجمعه، وقتل ومن معه قتلا ذريعا (الدولة الرستمية بالمغرب الإسلامي، ص ص 60-61).

ولما فتح لحنظلة عاجل عكاشة الفزاري من ليلته فقاتله بالقرن، ولم يكن بلغ عكاشة هزيمة عبد الواحد، فهزمه حنظلة، وهرب عكاشة إلى نواحي إفريقية، فأخذه قوم من البربر أسيرا إلى حنظلة فقتله سنة 125هـ (فتوح إفريقية والأندلس، ص ص 103-104)، ومن دون شك فإن زناتة لعبت دورا كبيرا إلى جانب هوراة، فقد حاربت في صفوف عكاشة الهواري وعبد الواحد، ودليل ذلك أن أبا قرّة المغيلي الزناتي احتل أكبر مركز قيادي في جيش عبد الواحد، وبذلك يصبح جيشه يتكون في أغلبيته من زناتة، بدليل أن القادة منها، وبفضل انتصار حنظلة في معركتي القرن والأصنام، زال خطر الخوارج الصفرية، لكن النحلة الصفرية لم يقض عليها، فقد استمرت الاضطرابات كلما أتيحت لها الفرصة، وبقي نشاط الصفريين محصورا في النواحي الغربية للمغرب الإسلامي، مما أتاح الفرصة لعبد الرحمان بن حبيب(2) كي يؤسس إمارته (دور زناتة في الحركة المذهبية بالمغرب الإسلامي، ص 81).

(1) مجانة: بلد في إفريقية بينها و بين القيروان خمس مراحل. (معجم البلدان، ج4، ص 417).

(2) عبد الرحمان بن حبيب: من أبي عبيدة بن عقبة بن نافع الفهري، تولى حكم المغرب سنة 127هـ/745م، واستمرت ولايته على المغرب إلى أن دبّ النزاع بين أفراد أسرته، فقتله أخوه إلياس سنة 135هـ/ ولم يلبث إلياس أن قتل هو الآخر و انتهى أمر بيت حبيب سنة 140هـ /757م، ( تاريخ المغرب العربي في العصور الوسطى، ص 7).

حيث أجاز ابن حبيب من الأندلس إلى إفريقية فملكها، وغلب حنظلة عليها سنة 126هـ، وأعلن استقلاله بإفريقية في الوقت الذي كانت الدولة الأموية توشك على السقوط، هذه الأوضاع، ساعدت الحركة الصفرية على العودة من جديد إلى الظهور و العمل المسلح، ففي سنة 128هـ/746م قام البربر بإفريقية على حبيب بن عبد الرحمان بن حبيب(1)، فبعدما قتل حبيب عمه إلياس(2) هرب عبد الوارث بن حبيب ومن معه إلى قبيلة ورفجومة لاجئين، فنزلوا على أميرهم عاصم بن جميل(3) بالأوراس، ثم نهض إليهم حبيب فأوقعوا به وهزموه، واستفحل أمر عاصم بن جميل و شايعه على شأنه من رجالات نفراوة، عبد الملك بن أبي الجعد الورفجومي، ويزيد بن سكوم الولهاصي، و انضمت إليهم سائر نفراوة، واشتدت شوكتهم، وعظم خطرهم، وأعلنوا الدعوة للخليفة المنصور، بعد أن استنجد أهل القيروان من العرب بعاصم للقدوم من أجل القضاء على الفوضى، لكن ورفجومة عندما دخلوا القيروان سنة 133هـ/751-752م (مذكرة ماجستير، الأوراس في العصور الوسطى، ص ص 79-80)، قتلوا من كان بها من قريش، وربطوا دوابهم بالمسجد الجامع، واشتد البلاء على أهل القيروان، وارتكبوا في حق أهل القيروان أبشع الأعمال (العبر، ج6، ص 131)، وكان تغلب الصفرية على القيروان نحو سنة و شهرين (مذكرة ماجسيتر، الأوراس في العصور الوسطى، ص 80)، وسار عاصم إلى قابس لقتال حبيب بن عبد الرحمان، فاتجه حبيب إلى أخوال أبيه في الأوراس طلبا للنصرة، فلحق به عاصم، لكنه قتل هو و أكثر أصحابه، فخرج عبد الملك بن أبي الجعد اليغريني للثأر لهزيمة عاصم، وأساء السيرة في القيروان، فلما انتشرت أخبار جور ورفجومة (المغرب الإسلامي، ص 163)، فخرجوا واجتمعوا إلى أبي الخطاب عبد الأعلى ابن الشيخ المعافري، وقصدوا طرابلس و أخرجوا عمر بن عثمان القرشي و استولى أبو الخطاب عليها، واجتمع إليه سائر البربر الذين كانوا هناك من زناتة و هوارة، و زحف بهم إلى القيروان فقتل عبد الملك بن أبي الجعد و سائر ورفجومة ونفراوة، و استولى على القيروان سنة 141هـ (العبر، ج6، ص 131).

(1) حبيب بن عبد الرحمان بن حبيب (140هـ /757م): من آل الفهري صاحب إفريقية و أحد الأمراء الشجعان، انتظمت له شؤون إفريقية، قتل مع أصحابه في لقاء مع عبد الملك بن أبي الجعد الورفجومي الإباضي. ( الأعلام، ج2، ص 165).

(2) إلياس (138هـ/755م): هو إلياس بن حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع الفهري، أمير شجاع، كان مع أخيه عبد الرحمان لما استولى على إفريقية، قتل أخوه عبد الرحمان و استولى على الإمارة إلى أن قتله حبيب بن عبد الرحمان ثأرا لأبيه. ( الأعلام، ج2، ص 9).

(3) عاصم بن جميل: كان مقدم ورفجومة في الأوراس، ادّعى النبوة و الكهانة فبدل الدين و زاد الصلاة و أسقط ذكر النبي –صلى الله عليه و سلم- من الآذان. ( العبر، ج6، ص 135).

وبذلك تم القضاء على حكم الأسرة الفهرية في إفريقية التي وقعت تحت سيطرة ورفجومة، وما تبقى من فلول الصفرية أسسوا إمارات صفرية، حيث أسست قبيلة مكناسة إمارة سجلماسة سنة 140هـ/757-758م، في مكان مدينة زيزZize وولوا عليهم عيسى بن يزيد الأسود المكناسي(1)، ثم دخل سائر مكناسة من أهل تلك الناحية في دينهم، واستمر قيام إمارتهم لمدة طويلة، ولا نعرف إذا ما كان لزناتة دور في قيامها و المحافظة عليها، وهذا لا يعني أن زناتة لم تعد لها صلة بالحركة الصفرية، بل إنها كانت ملتفة حول زعيمها أبي قرّة (دور زناتة في الحركة المذهبية بالمغرب الإسلامي، ص ص 85-86).

فبعد استيلاء أبي الخطاب على القيروان، انقطعت أخبار الصفرية، إلى أن انتفض بنو يفرن من زناتة و مغيلة من البربر بنواحي تلمسان، و قدموا على أنفسهم أبا قرّة من بني يفرن، الذي بويع بالخلافة سنة 148هـ، وزحف إليه الأغلب بن سود التميمي عامل طنبة، فلما قرب منه هرب أبو قرّة فنزل الأغلب الزاب، ثم اعتزم على تلمسان ثم طنبة و رجع إليه الجند (العبر، ج6، ص132)، وهناك لحق بهم الأغلب بمن تبقى معه من الجند وحاول عبثا أن يرده على الطاعة، ثم اضطر للدخول معه في معركة أجبره فيها على الانسحاب إلى تونس، لكنه عاد مرة أخرى إلى القيروان، وجرت بينهما معركة ثانية قتل فيها الأغلب و ذلك سنة 150هـ/767-768م، فولى المنصور إفريقية عمر بن حفص الملقب "هزارمرد"، أما أبو قرّة فإنه عاد إلى تلمسان، ولم يظهر على المسرح سوى في الحصار الذي وقع سنة 154هـ/770-771م (دور زناتة في الحركة المذهبية بالمغرب الإسلامي، ص ص 88-89)، إذ أنه بمجرد انتهاء أمر الصفرية في القيروان، حتى ظهر من جديد في جنوب غرب الأوراس، عندما اشترك بنو يفرن بأربعين ألف من الصفرية يقودهم أبو قرّة في حصار عمر بن حفص المهلبي، ولم يكن معه إلا خمسة آلاف وخمسمائة من المقاتلة (مذكر ماجستير، الأوراس في العصور الوسطى، ص 81).

فلما رأى عمر بن حفص ما أحاط به من العساكر بمدينة طبنة بالزاب، جمع قواده، فاستشارهم، وقال لهم: إني أريد مناهضة هذا العدو، فأشاروا عليه ألا يبرح مدينة طبنة، وقالوا: أخرج منا من




(1) عيسى بن يزيد الأسود المكناسي (155هـ/772م): اشتهر بالأسود الصفري، مؤسس مدينة سجلماسة، بايعته قبائل مكناسة، على مخالفة العرب، استمر أميرا عليهم خمسة عشر سنة. ( الأعلام، ج5، ص ص 110-111).

أردت إلى عدوك ولا تخرج أنت، فإنك إن أصبت تلف المغرب وفسد، فوجه عمر إلى أبي قرّة مالا كثيرا و كساً كثيرة، على أن ينصرف عنه، فقال: لا حاجة لي بذلك ! فانصرف الرسول بذلك إلى أخيه، فدفع له أربعة آلاف درهم و أثوابا على أن يعمل في صرف أبيه ورد الصفرية إلى بلدهم، فعمل على ذلك في ليلته، فلم يعلم بذلك أبو قرّة حتى ارتحل العسكر منصرفين إلى بلادهم تجريدا، فلم يجد بدا من إتباعهم، فلما انصرفت الصفرية وجه عمر بن حفص معمر بن عيسى العبدي في ألف و خمسمائة إلى ابن رستم وهو في تهودة، فالتقوا و انهزم ابن رستم وقتل أصحابه، و وصل ابن رستم منهزما إلى تيهرت، ثم أقبل عمر بن حفص يريد القيروان، واستخلف على طبنة المهنأ بن المخارق بن غفار الطائي، فلما بلغ أبا قرّة مسير عمر بن حفص، أقبل في جمع كثير حتى حاصر المهنأ، فأرسل أبي قرّة يسأله الانصراف عنه، فأرسل أبو قرّة إليه: نصيبي منك و من قبل أحرار، ولكن لا سبيل إلى ترك غنيمة المسلمين، فلما قال له ذلك تحاملوا عليهم، فانهزم أبو قرّة واستباحوا عسكره (تاريخ المغرب و الأندلس، ص ص 105-106)، وبذلك خفتت أخبار أبي قرّة نهائيا، و لابد من الإشارة إلى أن اختفاء أخبار أبي قرّة لا يعني سقوط إمارته، لقد استمرت على ما يبدو حتى قضى عليها محمد بن خزر المغراوي، لكن دورها العسكري توقف، كما أن المصادر لم تشر إلى وجود أية علاقة بين زناتة و بين الخوارج الصفرية الذين كانوا في سجلماسة.

و تبين من كل ما سبق أن أسماء القبائل التي ذكرها المؤرخون في حديثهم عن ثورات الخوارج الصفرية هي: مضغرة، وزواغة، زناتة، هوارة، مكناسة و بني يفرن....

وتبين أيضا أن زناتة قامت بأكبر دور في تلك الثورات منذ البداية، إذ شاركت إلى جانب ميسرة الذي خلفه خالد بن حميد من قبيلة زناتة، وهو الصفري الوحيد الذي تمكن من إلحاق هزيمتين كبيرتين بجيوش الخلافة الأموية في غزوة الأشراف على وادي شلف و غزوة بقدورة على واد سبو.

كما شاركت زناتة في معركتي القرن و الأصنام، و وقفت إلى جانب أبي قرّة، وبهذا تكون زناتة شاركت في كل المعارك الهامة التي وقعت بين جيوش الخلافة الإسلامية و الخوارج الصفرية في المغرب الإسلامي، وكانت نتيجتها خروج المغرب الأوسط و الأقصى عن سلطة الخلافة الإسلامية منذ وقت مبكر، و لما ضعفت الحركة الصفرية في المغرب فإن زناتة راحت تتفاعل مع الحركة الإباضية و لعبت فيها دورا لا يقل عن الدور الذي لعبته في الأولى (دور زناتة في الحركة المذهبية بالمغرب الإسلامي، ص – ص 89-90).



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
badro1819

badro1819


عدد المساهمات : 419
تاريخ التسجيل : 19/04/2011

قبيلة زنــــــــــاتة البربرية ودورها في الفتح الإسلامي لبلاد المغرب  Empty
مُساهمةموضوع: رد: قبيلة زنــــــــــاتة البربرية ودورها في الفتح الإسلامي لبلاد المغرب    قبيلة زنــــــــــاتة البربرية ودورها في الفتح الإسلامي لبلاد المغرب  I_icon_minitimeالسبت 31 مارس 2012 - 3:37



المبحث الثاني:

موقف زناتة من الحركة الإباضية:

سارت الإباضية في بدأ ظهورها بالمغرب إلى اعتماد النشاط السلمي في نشر المذهب بين البربر، ولم يعمدوا إلى استعمال العنف، و القيام بالثورة إلا في ثلاثينيات القرن الثاني للهجرة، عندما عملت الظروف في المغرب على بروزهم كقوة تغيير جديدة، لما صارت إفريقية كلها بيد أسرة عربية يمثلها أحفاد عقبة بن نافع الفهري، و الذين أدخلوا المغرب في حروب متتالية (مذكرة ماجستير، الأوراس في العصور الوسطى، ص 82)، فلما دخل عبد الرحمان بن حبيب القيروان بعد قتال حنظلة سنة 126هـ، عين عبد الرحمان أخاه ابن حبيب عاملا على طرابلس (فتوح إفريقية والأندلس، ص 106)، فقبض هذا الأخير على الزعيم الإباضي عبد الله بن مسعود التجيني وقتله، فثارت بذلك حفيظة الإباضيين في طرابلس، وظن عبد الرحمان أنه سيهدئ النفوس الثائرة بسحب شقيقه، وتعيين حميد بن عبد الله العكّي بدلا منه على ولاية طرابلس، لكن ذلك لم يحدث (ليبيا منذ الفتح العربي حتى سنة 1911م، ص 72)، فقد ثارت طرابلس بزعامة عبد الجبار و الحارث من هوارة، اللذين كانا على دين الإباضية (العبر، ج6، ص131)، وحاصروا حميد بن عبد الله في طرابلس، و وقع الوباء فخرج بعهد أمان، و لما خرجوا أخذ عبد الجبار ابن قيس نصر بن راشد مولى الأنصار و قتله و كان من أصحاب حميد، و كانوا يطلبونه بدم عبد الله بن مسعود التجيني المقتول، واستولى عبد الجبار على زناتة و أرضها، و كتب عبد الرحمان بن حبيب إلى يزيد بن صفوان المعافري بولاية طرابلس، ووجه مجاهد بن مسلم الهواري ليقطع عن عبد الجبار هوارة وغيرهم، فأقام مجاهد في هوارة أشهر ثم طردوه.

فلحق بيزيد بن يزيد بطرابلس، فوجه عبد الرحمان بن حبيب محمد بن مفروق في خيل، وكتب إلى يزيد بن صفوان بالخروج معه، فخرجوا و لقيهم عبد الجبار والحارث بأرض هوارة، حيث قتل يزيد بن صفوان ومحمد بن مفروق، وانهزم مجاهد بن مسلم إلى أرض هوراة (فتوح إفريقية والأندلس، ص ص 106-107)، و جهز عبد الرحمان بن حبيب حملة أخرى، اضطر قائدها عمر بن عثمان إلى الانسحاب مع مجاهد بن مسلم إلى المشرق حتى السرت، وبذلك أصبحت طرابلس الغرب كلها تحت سيطرة عبد الجبار و الحارث، اللذين ما لبثا أن قتلا، حينئذ أعلن بربر طرابلس زعامة إسماعيل ابن يزيد النفوسي، فتحرك عبد الرحمان بن حبيب نحو الغرب بعد أن سبقه ابن عمه، شعيب بن عثمان بفرسانه، فالتقى إسماعيل فقتله و أسر عديدا من أصحابه البربر الذين نقلوا إلى طرابلس و أعدموا، وعهد عبد الرحمان بولاية طرابلس إلى عمرو بن سويد المرادي (ليبيا منذ الفتح العربي حتى سنة 1911م، ص 73)، بعد هذه الوقعة عادت الإباضية إلى الكتمان والتستر، وعكفوا إلى تنظيم صفوفهم من جديد، و تهيئة أتباعهم ماديا و معنويا للثأر من عمال بني أمية و بني العباس، ولقد أتيحت لهم فرصة الظهور من جديد على المسرح السياسي عندما أشيع نبأ سوء صنيع ورفجومة الصفرية و أميرها عاصم بن جميل، و عبد الملك بن أبي الجعد اليفريني، وانتهاكهما للحرمات والمقدسات الدينية، و عندما بلغت تصرفات ورفجومة رجال الطائفة الإباضية وعلى رأسهم إمامها الجديد أبي الخطاب أشهر حملة العلم(1) (المذهب الإباضي) إلى أهل إفريقية (المغرب الإسلامي، ص 168)، والذي بويع بالخلافة سنة 140هـ/757-758م)، وراح يرسم مع أصحابه الخطط للاستيلاء على طرابلس، ومن ثم بدؤوا في تنفيذها (دور زناتة في الحركة المذهبية في المغرب الإسلامي، ص 96).

فسار إلى ورفجومة بالقيروان واقتتلوا قتالا شديدا انهزم فيه أهل القيروان الذين مع ورفجومة، وكثر القتل فيهم وقتل عبد الملك الورفجومي، وتبعهم أبو الخطاب يقتلهم حتى أسرف فيهم، وعاد هو إلى طرابلس و استخلف على القيروان عبد الرحمان بن رستم الفاسي سنة 141هـ، كما أسلفنا (الكامل في التاريخ،ج4، ص 503)، وكانت إفريقية كلها في يده، فخشي أبو جعفر المنصور (136-158هـ/754-775م) الخليفة العباسي أن يمتد نفوذهم إلى مصر، فأرسل والي مصر محمد بن الأشعث إلى بلاد إفريقية سنة 144هـ/761م، بجيش يقوده أبا الأحوص عمر بن الأحوص العجلي، فزحف إليه أبو الخطاب بجموع الإباضية من البربر و العرب، والتقى الجيشان في مغمداس فانهزم أبو الأحوص و جيشه فعاد إلى مصر، وكان أبو الخطاب حين التقى مع الأحوص بطرابلس ترك عبد الرحمان بن رستم نائبا عنه في القيروان (تاريخ الدول المستقلة في المغرب العربي، ص 59)، ولما علم أبو جعفر المنصور بذلك كتب إلى ابن الأشعث أن يسير بنفسه، فخرج إلى إفريقية في أربعين ألفا، عليها ثمان وعشرون قائدا، فالتقوا بأبي الخطاب، وكان قد جمع أصحابه من كلناحية، فلما سمع ابن الأشعث بكثرة جيوشه خشي لقاءه، إلى أن وردت




(1) حملة العلم: هم أبو درار إسماعيل بن درار الغدامسي، عبد الرحمان بن رستم الفارسي، أبو الخطاب عبد الأعلى بن السمح المعافري، عاصم السدراتي، أبو داوود القبلي.(دور زناتة في الحركة المذهبية بالمغرب الإسلامي، ص95).

إليه أخبار، بأن زناتة وهوارة قد تنازعتا، حيث اتهمت زناتة أبا الخطاب بميله إلى هوارة، فاقتتل الطرفان قتالا شديدا، وانهزم البربر، وقتل أبو الخطاب و أصحابه في صفر سنة 144هـ (البيان المغرب،ج1، ص 72)، و ظن ابن الأشعث أن مادة الخوارج الإباضية قد انقطعت، و إذا هم قد أطل عليهم أبو هريرة الزناتي في سنة144هـ، فلقيهم ابن الأشعث و قتلهم جميعا سنة 144هـ، وكتب إلى المنصور بظفره، و رتب الولاة في الأعمال كلها و بني سور القيروان فيها وتم سنة 146هـ، وضبط إفريقية و أمعن في قتل من خالفه من البربر و غيرهم، فسير جيشا إلى زويلة، و وران، فافتح وران و قتل من بها من الإباضية، وافتتح زويلة و قتل مقدمهم عبد الله بن سان الإباضيو أجلى الباقين، فلما رأى البربر وغيرهم من أهل العبث و الخلاف على الأمراء خافوا وأعلنوا الطاعة (الكامل في التاريخ،ج4، ص 504)، أما عبد الرحمان بن رستم فإنه لما سمع بالكارثة التي حلت بأبي الخطاب وأبي هريرة فر إلى تاهرت بالمغرب الأوسط، حيث اجتمعت إليه طوائف البربر الإباضية من لماية ولواتة و رجالة من نفراوة، فنزل بها و اختط مدينتها سنة 144هـ (العبر، ج6، ص 132)، و مدينة تيهرت ستصبح عاصمة الإباضية في المغرب الإسلامي كله، بعد أن تم مبايعة عبد الرحمان بن رستم بالإمامة، ويقول ابن الصغير كبير مؤرخي الدولة الرستمية عن تأسيس الدولة الرستمية:« لما نزلت الإباضية مدينة تاهرت و أرادوا عمارتها اجتمع رؤسائهم، فقالوا قد علمتم أنه لا يقيم أمرنا إلا إمام نرجع إليه في أحكامنا و ينصف مظلوما من ظالمنا، و يقيم لنا صلاتنا و نؤدي إليه زكاتنا و يقسم فينا، فقبلوا أمر الإمامة فقال بعضهم لبعض أنتم رؤساء و لا نأمن أن يتقدم واحد على صاحبه فتفسد نيته، ولعل المقدم أن يرفع أهل بيته و عشيرته على غيرهم، فتفسد النيات و يكثر الاختلاف، ويقل الائتلاف، و لكن هذا عبد الرحمان بن رستم لا قبيلة له يشرف بها و لا عشيرة لها تحميه، وقد كان الإمام أبو الخطاب رضي لكم عبد الرحمان قاضيا و ناظرا فقلدوه أموركم» (مذكرة ماجستير، الأوراس في العصور الوسطى، ص 84).

بعد هذه الهزائم التي تلقتها الإباضية مع أبي الخطاب و أبي هريرة، مال الإباضية إلى الموادعة والهدوء في عهد خلف ابن الأشعث و هو الأغلب بن سالم التميمي، حيث تركوا الميدان فسيحا لأبي قرّة الصفري، الذي انهزم، وفي هذه الفترة بالذات أعادت الإباضية تنظيم صفوفها و بايعوا عليهم يعقوب بن لبيب مولى كندة، الذي يكنى بأبي حاتم إماما جديدا خلفا لأبي الخطاب وأبي هريرة (المغرب الإسلامي، ص 171)، واجتمع الإباضية بطرابلس، فزحف إليهم جنودعمر بن حفص الذي خلف الأغلب بن سالم، فهزموها و ملكوا طرابلس، وزحفوا إلى القيروان وحاصروها (العبر، ج6، ص 132).

ولما كانت طبنة قاعدة للتحكم في المغرب الأوسط فضلا عن أنها السبيل لاسترداد القيروان من يدي أبي حاتم، أمر الخليفة العباسي عمر بن حفص بالتوجه إليها لتحصينها (الدولة الرستمية بالمغرب الإسلامي، ص 89)، فزحف البربر بجنودهم إلى عمر بطبنة في اثني عشر معسرا، وكان منهم أبو قرة في أربعين ألفا من الصفرية وعبد الرحمان بن رستم في ستة آلاف من الإباضية، والمصور بن هانئ في عشرة آلاف كذلك، وحرير بن مسعود فيمن تبعه من مديونة، وعبد الملك بن سكر الصنهاجي في ألفين من الصفرية، وكان بنو يفرن من زناتة أكثر البرابرة يومئذ جمعا (العبر، ج6، ص 132)، وكانت هذه المرة الأولى التي نشط فيها الإباضيون والصفريون معاً، وقد شاركت زناتة مع الجانبين فأبو قرّة الصفري زناتي أو على الأقل قائدا لأربعين ألف جندي معظمهم من زناتة، والمصور الإباضي زناتي، وليس بعيدا أن يكون كل جيشه أو معظمه من زناتة، وهذا بصرف النظر عن الزناتيين الذين كانوا مختلطين مع غيرهم بقيادة أبي حاتم وابن رستم (دور زناتة في الحركة المذهبية بالمغرب الإسلامي، ص ص 107-108)، و لماّ اشتد الحصار على عمر، لم يكن أمامه إلا أن يعمل الحيلة لتفريق هذه الجموع، فكان له ما كان مع أبي قرّة كما أسلفنا الذكر، وبعد نجاح الحيلة على أبي قرّة، لم يعد أمام عمر بن حفص إلا أن يحطم قوة الإباضية التي كانت تحت قيادة ابن رستم، والذي هزم على يد معمر بن عيسى العبدي، فتراجع منهزما إلى تاهرت، و عمل على تجميع قوى الإباضية هناك (الدولة الرستمية بالمغرب الإسلامي، ص- ص 89-91)، في هذا الوقت كان أبو حاتم محاصرا للقيروان مدة ثمانية أشهر، وليس في بيت مالها درهم، و لا في أهرائها شيء من الطعام، وكان الجند تلك المدة يقاتلون البربر كل يوم طرفي النهار، حتى أجهدهم الجوع وأكلوا دوابهم و كلابهم، وبلغ ذلك عمر فخرج يريد القيروان في نحو سبعمائة فارس من الجند حتى نزل مدينة الأربس(1)، فبلغ البربر قدومه فخرجوا إليه، فلما بلغه خروجهم من القيروان للقائه، توجه ناحية تونس، ومضى البربر حتى صاروا إلى سمنجة، وسار عمر من تونس، و خرج جميل بن حجر من القيروان، وجعل يدخل ما يصلحه من الطعام والحطب و المرافق، واستعد للحصار، وحفر خنـدقا عـلى باب أبي الربيع، فسكن فيه بالجنـد

(1) الأربس: مدينة بإفريقية سار إليها إبراهيم بن الاغلب لماّ خرج من القيروان في سنة 196هـ،زحف إليها الشيعي و نازلها و دخلها عنوة، و إلى هذا الوقت كانت ولاية لبني الأغلب ثم انقرضت.(معجم البلدان،ج1،ص136).

(تاريخ إفريقية و المغرب، ص 106-107)، ثم أقبل أبو حاتم في مجموعة حتى نزل عليه، وكثرت الفتن ببلاد إفريقية، وضاق أمرهم واشتد حصارهم، حتى أنهم ماتوا جوعا، فاضطرب على ابن حفص الأمر (البيان المغرب،ج1، ص 75)، و لما بلغ المنصور الأمر سيّر إلى عمر بن حفص يزيد بن حاتم على رأس جيش قوامه ستون ألف مقاتل لنصرة أهل القيروان، فعزّ على عمر أن تكون نجاة القيروان على يد قائد آخر، فقال: « لا خير في الحياة بعد هذا أن يقال: يزيد أخرجه من الحصار، إنما هي رقدة وأبعث على الحساب»، و خرج يقاتل البربر، ويطعن فيهم حتى قتل سنة 154هـ (تاريخ المغرب الكبير، ص 354)، وبايع الناس بعده جميل بن حجر، وكان أخا عمر من أمه، فلما طال عليه الحصار، دعاه ذلك إلى موادعة أبي حاتم، فصالحهم بشروط: أن جميل وأصحابه لا يخالفون طاعة سلطانهم، ولا ينزعون سوادهم...ودخل معهم في الشرط عمرو بن عثمان الفهري على الوفاء بذلك، ففتح جميل أبواب المدينة، وخرج أكثر الجند إلى طبنة، وأحرق أبو حاتم أبواب المدينة و أفسد سورها، و لما بلغه قدوم يزيد بن حاتم توجه إلى طرابلس للقائه، واستخلف على القيروان عبد العزيز بن السمح المعافري، وبعث إليه أبو حاتم يأمره بأخذ سلاح الجند، و أن لا يجتمع منهم اثنان في مكان، وأن يوجه إليهم بهم واحد بعد واحد، فاجتمعوا واستوثق بعضهم من بعض بالأيمان ألا يرضوا بهذا، وقويت قلوبهم بيزيد بن حاتم، فلقوا عمرو بن عثمان الفهري، فقالوا له: قد كنتم حلفتهم لنا على الوفاء بما اشترطنا عليكم، وأنا نرى هؤلاء القوم قد غدروا بنا، و أرادوا أخذ سلاحنا ليفرقوا بيننا و بينهما، فقال لهم عمرو بن عثمان: ليس يجمعني مع البربر خلق ولا دين، قالوا: أما أنت فقد جامعتهم على قتل والي أمير المؤمنين عمر بن حفص و شيعته، فهل تستطيع أن تمحوا ذنوبك بأمر تقوم به، قال: وما هو؟، قالوا: تقوم بطاعة أمير المؤمنين معنا و تنقم على أبي حاتم غدره بنا، ففعل عمرو بن عثمان ذلك و قام بقتل أصحاب أبي حاتم، فزحف أبو حاتم إليه من طرابلس، واقتتل الطرفان قتلا شديدا، قتل فيه من البربر خلق كثير، بعدها مضي عمرو بن عثمان مع أصحابه نحو تونس، وهرب جميل بن حجر و الجنيد إلى المشرق، وخرج أبو حاتم في طلب عمرو، و وجه قائده حريز بن مسعود المديوني، فأدركه بجيجل وقتل حريز، وانصرف عمرو و المخارق، أما أبو حاتم فقد مضى إلى طرابلس، حين علم بقدوم يزيد بن حاتم، ولحق جميل و أصحابه بيزيد بسرت، و أقاموا حتى قدوم أبو حاتم و قتلوه (تاريخ إفريقية والمغرب، ص ص 109-110)، قال الطبري: « في سنة 155هـ افتتح يزيد بن حاتم إفريقية وقتل أبا غادى و أبا حاتم، و استقامت بلاد المغرب، ودخل يزيد بن حاتم القيروان» (البيان المغرب،ج1، ص 78)، بعد هذه الأحداث هدأت الأمور بالمنطقة باستثناء بعض الثورات التي لم يكن لها صدى يذكر.

أما بالنسبة لعلاقة زناتة بالدولة الرستمية التي كان قد أسسها عبد الرحمان بن رستم بعد فراره إلى تاهرت إثر هزيمة أبي الخطاب، فإنه من المحتمل أن معظم القبائل التي هاجرت مع ابن رستم من زناتة، كما أنه من المحتمل أن تكون قبائل زناتة كانت قاطبة هناك قبل مجيء ابن رستم، حيث يقول ابن خلدون بأن هذه المناطق قبل أن يقصدها ابن رستم، كانت تسكنها قبائل منها: مطماطة، مكناسة وزناتة، الذين دانوا بالخارجية الإباضية، ولا تذكر المصادر ما إذا كان لزناتة دور في تأسيس مدينة تاهرت، لذلك يمكن أن نستنتج أن زناتة هاجرت إلى تاهرت بعد تأسيسها، وبايعت إمامها عبد الرحمان بن رستم سنة 144هـ/761-762م، الذي قبل وفاته جعل الإمامة شورى في ستة أشخاص، من بينهم ابنه عبد الوهاب.

الذي حدثت في عهده الفتنة بين النكّار(1) والوهابية(2) و كان لزناتة دور كبير فيها، فزعيم النكار كان زناتيا، كما أنه كان هناك زناتيين كانوا يتعاونون مع عبد الوهاب فجارون القمري صهره وهو زناتي، ونهدي بن عاصم الزناتي...، كما عرفت الدولة الرستمية فتنة أخرى، هي فتنة الواصليين الذين كانوا يسكنون بالقرب من تاهرت و معظمهم من زناتة، الذين استغلوا فرصة ضعف الدولة الرستمية بسبب الحرب الوهابية-النكّارية، فقد كانوا في بداية الأمر يخضعون للإمام عبد الوهاب، لكن بعد ذلك تفرقوا عنه و راحوا يناظرونه في الدّين والحرب، و وقعت بين الطرفين عدّة معارك، لجأ على إثرها عبد الوهاب إلى طلب المساعدة من عامله على جبل نفوسة، هذا الأخير أرسل له رجلا مناظرا، ورجلا للحلال و الحرام، و رجلا للمبارزة، وبوصول هؤلاء وقعت المناظرات والمعارك بين الطرفين، انتهت لصالح الإباضية ودخل الواصلية تحت طاعة الإمام، وهدأت الأحوال طيلة فترة حكم عبد الوهاب، الذي خلفه بعد وفاته ابنه أفلح(3)، الذي استطاع




(1) النكّار:هم أتباع يزيد بن فندين،أنكروا إمامة عبد الوهاب بن رستم ،بسبب استعانته بأهل الدين في إدارة شؤون الدولة دون استشارة رجال دولته الذين بايعوه ومنهم يزيد بن فندين .(الخوارج في المغرب الإسلامي،177)

(2) الوهابية:هم الذين يؤيدون عبد الوهاب في الإمامة(تاريخ الدول المستقلة في المغرب العربي ،ص72)

(3) أفلح بن عبد الوهاب:(188هـ-803م/240هـ-854م): احتل مركزا ممتازا بين أئمة الإباضيين، واصل جهوده لإخماد ثورات الخوارج،وصفته المصادر بالشجاعة والعدل،بفضل دهائه استطاع تسيير أمور الدولة، توفي سنة240 هـ .(دول الخوارج والعلويين في بلاد المغرب والأندلس،ص ص95_96).

أن يخلق فتنة بين القبائل، حتى وقعت الحروب بينها، وصارت كل قبيلة تلاطف أفلح، وبذلك فإن علاقة زناتة مع أفلح ظلت حسنة، وتولى بعده الإمامة ابنه أبو بكر(1) لتعود الاضطرابات في عهده من جديد، لكن الملفت للنظر هو عدم بروز زناتة في تلك الأحداث، على الرغم من أنها كانت متواجدة بتاهرت، فهل هذا يعني أنها لم تشارك في تلك الفتنة؟ أم أن عدد الزناتيين الذين شاركوا كان قليلا لدرجة أنه ذاب في القبائل الأخرى؟ أم أن زناتة انقسمت على الأطراف المتنازعة، فلم تعد لها قوة تلفت الأنظار.

وفي عهد أبي حاتم يوسف بن أبي اليقضان(1)، الذي تولى الإمامة سنة 281هـ/894-895م، حدثت فتنة أخرى، و لا يمكننا أن نحدد موقف زناتة من الفتنة، فيمكن أن تكون قد وقفت إلى جانب أبي حاتم على اعتبار أن معظم القبائل التي كانت تسكن الصحراء زناتية، كما يمكن أن يكون زناتيون آخرون وقفوا ضد أبي حاتم، وقد خرج أبو حاتم من هذه الفتنة منتصرا، لكنه قتل سنة 294هـ/906-907م، و خلفه أخوه اليقضان(2) الذي في عهده سقطت الدولة الرستمية على يد الشيعة سنة 296هـ/908م.

و قد لعبت زناتة في تاريخ الدولة الرستمية دورا كبيرا (دور زناتة في الحركة المذهبية بالمغرب الإسلامي، ص – ص 115-135).











(1) أبو بكر بن أفلح (240هـ -854م/241 هـ_855م): تولى الإمامة بعد أبيه أفلح سنة 140هـ، شهدت الدولة في عهده أوج القوة والازدهار، مما جعل الإمام ينغمس في الشهوات، تاركا شؤون الدولة في يد وزيره، وبذلك وضعت الدولة على حافة الهاوية. (دول الخوارج والعلويين في بلاد المغرب والأندلس،ص ص97_100).

(2) أبو حاتم يوسف بن أبي اليقضان (281هـ- 894م/294 هـ-1003م): وليّ الإمامة بعد وفاة أبو اليقظان، وكان حين وفاة والده خارج تيهرت، تحركت في عهده المصاعب والمؤامرات، قتل سنة 294هـ /1003م . (دول الخوارج والعلويين في بلاد المغرب والأندلس،ص102)

(3) اليقضان بن أبي اليقضان (294 هـ_1003م/296 هـ-1005م): تولىّ الإمامة بعد مقتل أبي حاتم، وكانت الدولة في مهب الريح، حكم عامين إلى أن سقطت الدولة على يد أبي عبد الله الشيعي. (دول الخوارج والعلويين في بلاد المغرب والأندلس،ص103).



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
badro1819

badro1819


عدد المساهمات : 419
تاريخ التسجيل : 19/04/2011

قبيلة زنــــــــــاتة البربرية ودورها في الفتح الإسلامي لبلاد المغرب  Empty
مُساهمةموضوع: رد: قبيلة زنــــــــــاتة البربرية ودورها في الفتح الإسلامي لبلاد المغرب    قبيلة زنــــــــــاتة البربرية ودورها في الفتح الإسلامي لبلاد المغرب  I_icon_minitimeالسبت 31 مارس 2012 - 3:46

[right]


[size=24]المبحث الثالث:


زناتة والدعوة الزيدية العلوية:


في سنة 145هـ، خرج محمد بن عبد الله الحسن بن حسن السبط بن علي بن أبي طالب
–كرم الله وجهه- المعروف بالنفس الزكية على أبي جعفر المنصور مطالبا بحقه بالخلافة،
فأجمع أهله على نصرته، فاستولى على المدينة و على مكة(1)، ثم بعث أخاه
إبراهيم إلى البصرة، فتغلب إبراهيم على البصرة و الأهواز وفارس، ولما بلغ المنصور
خروج محمد بن عبد الله الحسن، سيّر جيشا بقيادة ابن أخيه عيسى بن موسى للمدينة
لمقاتلة محمد و القضاء على حركته، فتحصن محمد بن عبد الله الحسن في المدينة، لكن
أهل المدينة تخلوا عنه و بقي في شرذمة قليلة من الناس، و ظل يقاتل جنود عيسى بن
موسى حتى استشهد سنة 145هـ، أما أخوه إبراهيم فقد قام المنصور بمحاربته، فاشتبك
إبراهيم مع جيش المنصور بقيادة عيسى بن موسى في باخمري في قتال عنيف، انتهى بهزيمة
إبراهيم و مقتله سنة 145هـ.


لكن هذه الهزيمة لم تثني عزم العلويين، فقد أخذوا ينتظرون الفرصة المواتية
للخروج على الخلافة العباسية، فلما توفي المنصور آلت الخلافة إلى المهدي(3)
(158هـ-775م/169هـ-785م) ثم إلى ابنه الهادي (169هـ-785م/170هـ-786م)،
(دولة
الأدارسة في المغرب الأقصى، ص 15)
، ثم كانت سنة تسع وستين ومائة (169هـ) أي
في أيام موسى الهادي بن محمد المهدي بن أبي جعفر المنصور خرج الحسين بالتصغير بن
علي بن الحسن المثلث بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب-كرم الله
وجهه-، وكان معه جماعة من أهل بيته منهم إدريس ويحي وسليمان بنو عبد الله بن الحسن
المثنى و هم إخوة محمد النفس الزكية، فاشتد أمر الحسين المذكور بالمدينة و جرى
بينه وبين عامل الهادي على المدينة و هو عمر بن عبد العزيز بن عبيد الله بن عبد
الله بن عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- قتال فانهزم عمر المذكور وبايع الناس الحسين
المذكور







قبيلة زنــــــــــاتة البربرية ودورها في الفتح الإسلامي لبلاد المغرب  Clip_image001











(1)
مكة: تقع غرب المملكة العربية السعودية، من أعظم
مدن الحجاز، و هي مدينة تاريخية، من أقدس بقاع العالم، فيها الكعبة المشرفة و
المسجد الحرام، وهي قبلة المسلمين.(الموسوعة الجغرافية للوطن العربي،ص573).



(2)
المهدي العباسي: هو محمد بن عبد اللّه بن محمد،
ولد بالحميمة سنة 126هـ/743م،نشأ على ثقافة عربية واسعة، بويع بالخلافة بعد و فاة
المنصور سنة 158هـ/775م، اتسم عهده بالاستقرار و الهدوء، توفي سنة 169هـ/785م.
(الدولة العباسية من الميلاد إلى السقوط،ص ص 27-28).



على كتاب الله وسنة نبيه للمرتضى من آل محمد و كانوا يكنون بذلك على الإمام
المستور إلى أن يقدر على إظهار أمره، و أقام الحسين وأصحابه بالمدينة يتجهزون
أياما، ثم خرجوا إلى مكة يوم السبت لست بقين من ذي القعدة، فانتهى الحسين إلى مكة
و انظم إليه جماعة من عبيدها، و كان قد حج في تلك السنة جماعة من وجوه بني العباس
و شيعهم، فمنهم سليمان بن أبي جعفر بن المنصور، ومحمد بن سليمان بن علي، والعباس
بن محمد بن علي، وانظم إليهم من حجّ من قوادهم، ومواليهم، واقتتلوا مع الحسين المذكور
يوم التروية فاحتزّوا رأسه وأحضروه أمام بني العباس و هو مضروب على قفاه وجبهته،
ثم جمعت رؤوس أصحابه فكانت مائة ونيفا، و كان فيها رأس سليمان بن عبد الله بن
الحسن المثنى، وكان مقتلهم بموقع فخ سنة 169هـ، واختلط بقية المنهزمين، وذهبوا في
كل وجه (الاستقصا،ج1، ص ص 122-123)، وكان من بين من نجي من
موقعة فخ يحي و إدريس ، فظهر يحي بعد ذلك في الديلم، و أما إدريس فقد فر ولحق بمصر
وعلى بريدها واضح مولى صالح بن المنصور، و كان واضح هذا يتشيّع شأن إدريس، و أتاه إلى
الموضع الذي كان به مستخفيا، ولم ير شيئا أخلص من أن يحمله على البريد إلى المغرب
ففعل (العبر، ج6، ص 15).


قبيلة زنــــــــــاتة البربرية ودورها في الفتح الإسلامي لبلاد المغرب  Clip_image001فلحق إدريس بالمغرب، ووقع بحومة بلاد طنجة، ثم إلى بلد وليلة قاعدة زرهون واستجاب
له قبائل البربر، و على أمره وشاع خبره، ولما كان نزوله بوليلي نزل على صاحبها
إسحاق بن محمد بن عبد الحميد الأوربي، الذي أقبل عليه و أكرمه، وكان نزول إدريس
بوليلي سنة 172هـ، بايعته فيه جميع قبائل البربر
(جني زهرة الآس في بناء مدينة
فاس، ص 12)
، كانت أولى هذه القبائل أوربة التي كانت آنذاك أعظم قبائل المغرب،
الذين بايعوه سنة 172هـ/789م، ثم بعد ذلك أتت قبائل زناتة و أصناف قبائل البربر من
أهل المغرب، فبايعوه ودخلوا في طاعته، فقويت أموره و تمكن سلطانه، عندئذ انطلق من
مدينة وليلي لغزو القبائل التي كانت على دين المجوسية واليهودية و النصرانية
(دور
زناتة في الحركة المذهبية ، ص 141)
، بجيش عظيم من وجوه قبائل زناتة و أوربة و
صنهاجة و هوارة و غيرهم، وكانت أهم القبائل التي عزاها: تامسنا(1)،
شالة(2)،





(1)
تامسنا: إقليم بالمغرب الأقصى، يحده غربا نهر أم
الربيع، و شرقا نهر أبي رقراق، و ينتهي جنوبا عند جبال درن، و هو ينحصر بين مدن
سلا و آزمور وآنفا. (نزهة المشتاق، ص 139).



(2)
شالة: حاضرة مغربية عتيقة، أسلم أهلها على يد عقبة
بن نافع سنة 62هـ، ثم ارتدوا في تهودة ، و أسلموا ثانية في عهد موسي بن نصير، خربت
المدينة فيما بعد في حروب بورغواطة و
المرابطين، وقد حاول المرينيون ترميمها.(جني زهرة الآس في بناء مدينة فاس، ص13).



تادلا(1)...وفي سنة 172هـ خرج لغزو مدينة تلمسان و من بها من
قبائل مغراوة وبني يفرن، فوصل مدينة تلمسان ونزل خارجها، فأتاه أميرها محمد بن خزر
بن صولات المغراوي، فطلب منه أمانه فأمّنه إدريس و بايعه محمد بن خزر و جميع من
معه بتلمسان من قبائل زناتة، فدخل إدريس مدينة تلمسان صلحا فأمن أهلها وبنا
مسجدها، واتصل بالرشيد أن إدريس قد استقام له أمر المغرب
(روض القرطاس، ص ص
12-13)
، فبعث له من يغتاله، فاختار لذلك سليمان بن جرير البجلي الذي أنس به
إدريس و سرّ به، فكان إدريس لا يقعد و لا يأكل إلا معه، ولم يزل سليمان يترقب
الفرصة لقتله، فلم يجد سبيلا بسبب وجود مولاه راشد الذي لا يفارقه، إلى أن غاب
راشد ذات يوم لبعض شأنه، فدخل إليه سليمان و سمّه، وهكذا قتل إدريس بوليلي سنة 175هـ/791-792م

(جني زهرة الآس في بناء مدينة فاس، ص14)،
وكان إدريس قد خلف ولدا في بطن أمه
كنزة، فبايعته القبائل وهو حمل رضيع ثم فصيلا إلى أن شب، واستنم فبايعوه بجامع
وليلي سنة 188هـ، وكان ابن الأغلب قد دسّ من يقتل مولاه راشد، فقام بكفالة إدريس
الأصغر(2) أبو خالد يزيد بن إلياس العبدي، ولم يزل كذلك إلى أن بايعوا
إدريس وقاموا بأمره (العبر، ج6،ص 16)، وازدحمت عليه
القبائل، فبايعته كامل قبائل المغرب من زناتة وأوربة وصنهاجة وغمارة وسائر قبائل
البربر...ووفدت عليه الوفود من البلدان، وقصده الناس من كل ناحية، فكثر الناس
وضاقت بهم مدينة وليلي، فأراد إدريس أن يبني لنفسه مدينة يسكنها هو وخاصته وجنوده،
فاختط مدينة فاس، وقيل أنه كان يسكن مدينة فاس قبيلتان من زناتة و زواغة
(روض
القرطاس، ص- ص 13-15)
.


قبيلة زنــــــــــاتة البربرية ودورها في الفتح الإسلامي لبلاد المغرب  Clip_image001ولما فرغ إدريس من بناء مدينة فاس، انتقل إليها و اتخذها دار ملكه سنة 197هـ،
ثم خرج غازيا بلاد المصامدة فاستولى عليها، وبعدها أغمات...ثم دخل مدينة تلمسان
وأقام بها يصلح أحوالها ثلاث سنوات ثم رجع إلى مدينة فاس، واستمر بدار ملكه بفاس
ساكنا وادعا إلى أن توفاه الله ثاني جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة ومائتين (213هـ)،
ودفن بمسجده، وكان سبب وفاته أنه أكل عنبا فشرق بحبة منه فمات في حينه
(الاستقصا،ج1،
ص 133)
.


(1)
تادلة: بفتح الدال واللام: من جبال البربر بالمغرب
قرب تلمسان وفاس، منها أبو محمد ابن محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي التادلي، وكان
شاعرا أديبا، له مدح في أبي القسم الزمحشري. (معجم البلدان، ج2، ص ص
5-6).



(2)
إدريس الأصغر(186-213هـ/804-828م): توفي والده و
هو في بطن أمه، قام بأمره مولاه راشد إلى أم ولد سنة 175هـ، و لما أتم من العمر
عشر سنوات أخذ له البيعة بجامع وليلي سنة 186هـ، كان شبيه والده، واصل سياسة دعم
ركائز الدولة، إلى أن توفي سنة 213هـ. (دولة الأدارسة في المغرب الأقصى، ص 18).



وخلف من الولد اثني عشر، محمد
وأحمد وعبد الله و عيسى وإدريس وجعفر ويحي وحمزة والقاسم وداود وعمر وعبيد الله،
فتولى الأمر بعده بفاس محمد، وفرق البلاد على إخوته بأمر جدته كنزة أم إدريس،
فأعطى القاسم طنجة، وغمارة، وأعطى لداود هوارة، تانسيلت ويحي تافلاه، وعبد الله
لمطة وما ولاها من السوس الأقصى، وتصاهر الباقون فكانوا مع إخوتهم
(مفاخر
البربر، ص ص 200-201).



وأقام محمد بفاس، وأمنوا البلاد وحسنت سيرتهم، إلى أن قام على الإمام محمد أخوه عيسى ونكث بيعته، فوقعت
الحرب بين الإخوة، ووقعت قبائل زناتة إلى جانب محمد وهزم عيسى، وقام عليه بعده
أخوه القاسم فهزم (روض القرطاس، ص 30)، وكان مهلك الأمير محمد سنة 221هـ، وقد استخلف
ولده علياً(1) في مرضه وهو ابن تسع سنين وبايعته سائر القبائل
البربرية، وكانت أيامه خير أيام، وهلك سنة 234هـ (العبر، ج6، ص 18)،
إلى هنا لم تعد تذكر المصادر أية إشارات تتعلق بقيام زناتة بأي دور في بقية أحداث
الفتن التي قامت في الدولة الإدريسية خلال تاريخهم، إلى أن سقطت دولتهم على يد
القائد الشيعي الفاطمي مصالة بن حبوس المكناسي سنة 305هـ/917-918م، مع العلم أن
إطار تلك الفتن كان مقصورا على الناحية التي ورثها بنو إدريس عن أبيهم بالمغرب
الأقصى.


قبيلة زنــــــــــاتة البربرية ودورها في الفتح الإسلامي لبلاد المغرب  Clip_image001أما الناحية الشرقية من تلك الدولة، أي الجزء الواقع منها في المغرب
الأوسط، وهي الناحية المهمة في البحث، نظرا لموقعها بالنسبة للدولة الرستمية،
فكانت لبني سليمان بن عبد الله
(دور زناتة في الحركة المذهبية بالمغرب
الإسلامي، ص 147)
، وسليمان هذا هو أخو إدريس الأكبر الذي فرّ إلى المغرب أيام
العباسيين فلحق بجهات تاهرت بعد مهلك أخيه إدريس، وطلب الأمر هناك، فاستنكره
البرابرة وطلبه ولاة الأغالبة، ولحق بتلمسان فملكها و أذعنت له وناتة و سائر قبائل
البربر هناك، وورث ملكه ابنه محمد بن سليمان على ستة ثم افترق بنوه على ثغور
المغرب الأوسط، واقتسموا ممالكه ونواحيه، فكانت تلمسان من بعده لابنه محمد بن أحمد
بن القاسم بن محمد بن أحمد، وكانت أرشكول(2) لعيسى بن محمد بن سليمان،
وكان منقطعا عـلى الشيعـة،


(1)
عليا (221هـ/234هـ): هو علي بن محمد بن إدريس
الثاني، خلف أباه محمد و كان في التاسعة من عمره، لقب حيدر و هو لقب علي بن أبي
طالب –كرم الله وجهه- لم يحدث في عهده ما يستحق الذكر، توفي سنة 234هـ. (تاريخ
الإسلام، ج2، ص ص 169-170).



(2)
أرشكول: مدينة كبيرة يحيط بها البحر من كل جانب،
دار إمارة إدريس عم إدريس مؤسس مدينة فاس، خربت ثم أعيد بناؤها من قبل قوم جاؤوا
من مملكة الأندلس مع جيش المنصور، لكن تمّ طردهم من قبل صنهاجة و مغراوة، وخربت
المدينة مرة أخرى عام 410هـ. (وصف إفريقيا، ج2، ص 16).



وكانت جراوة لإدريس بن محمد بن سليمان ثم لابنه عيسى وكنبته أبو العيش،
وتنس(1) لإبراهيمبن محمد بن سليمان، ثم لابنه محمد من بعده، ثم
لابنه يحي بن محمد، ثم لابنه علي بن يحي (العبر، ج6، ص ص 21-22)،
و الضواحي من أعمال تلمسان لبني يفرن و مغراوة، ولم يزل الملك بضواحي المغرب
الأوسط لمحمد بن خزر...إلى أن كانت دولة الشيعة.


ويبدو أن بني سليمان هؤلاء
فقدوا بعض ممتلكاتهم مع الزمن، وسيطرت عليها زناتة، إذ تشير المصادر إلى أن زناتة
كانت تسيطر على المناطق الواقعة بين تلمسان و تاهرت في أواخر القرن الثالث الهجري
(أواخر القرن التاسع للميلاد وأوائل القرن العاشر)، فكان لهم دور كبير في العلاقة
الرستمية الإدريسية، حيث يذكر ابن خلدون بأن مغراوة وبني يفرن حاربت الرستميين من
أجل الدخول في طاعة الأدارسة لما ملكوا تلمسان، غير أن زناتة فشلت في ذلك، ويبرر
فعل الزناتيين (إخضاع الدولة الرستيمة للدولة الإدريسية) بأنهم أصبحوا يرون بأنه
لا ضرورة لوجود الرستميين بعد ظهور الأدارسة، مما جعلهم يواجهون الرستميين، كما ضغطوا
على الأدارسة لمحاربة الرستميين، غير أن الأدارسة كانوا يرون بأن الدولة الرستمية
هي الحامي الذي يحميهم من الدولة الأغلبية
(دور زناتة في الحركة المذهبية
بالغرب الإسلامي، ص ص 149-150)
.




























قبيلة زنــــــــــاتة البربرية ودورها في الفتح الإسلامي لبلاد المغرب  Clip_image002








(1)
تنس: مدينة أزلية بناها الأفارقة في منحدر جبل،
كانت دائما خاضعة لملك تلمسان، سقطت بيد الأخوين التركيين بربروس وآلت إلى خير
الدين. (وصف إفريقيا، ج2، ص ص 35-36).



المبحث
الرابع:



زناتـة
والدعوة الشيعية الإسماعيلية:



قامت الخلافة الفاطمية على أساس
النحلة الإسماعيلية، وهي إحدى طوائف الشيعة العلوية الذين ثاروا سنة 122هـ/740م
على الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك، بقيادة زيد بن علي زين العابدين بن الحسين
بن علي بن أبي طالب(1)- رضي الله عنه-، فاجتمع حوله العلويون بالكوفة،
لكن جماعة منهم اختلفوا معه في الحكم على إمامة الشيخين أبي بكر وعمر، ففارقوه
ونكثوا بيعته، وبقي في جماعة من أصحابه مكونين فرقة شيعية جديدة أصبحت تسمى
الزيدية(2) نسبة إليه، أما المنشقون عنه فقد تبرؤوا من الشيخين (أبا
بكر وعمر) لأنهما في نظرهم لم يقدما علياً ويبايعاه، وسمي هؤلاء بالإمامية، يسوقون
الإمامة في أبناء فاطمة، وبذلك فالإمامة بعد علي تكون على ابنه الحسن ثم أخيه
الحسين ثم إلى ابنه علي زين العابدين ثم إلى ابنه محمد الباقر ثم إلى ابنه جعفر
الصادق الذي توفي سنة 148هـ/765-766م، ثم اختلفوا بعده في أولاده و انقسموا إلى
عدّة فرق، من بينها الموسوية(3)، والإسماعيلية
(دور زناتة في الحركة
المذهبية بالمغرب الإسلامي، ص-ص 157-159)
، الذين يثبتون الإمامة بعد جعفر
الصادق في ابنه إسماعيل، وهو الابن الأكبر له، وقد حدثت اختلافات عديدة في موت
إسماعيل في حياة أبيه، فمنهم من قال أنه مات، وفائدة النص عليه انتقال الإمامة منه
إلى أولاده خاصة كما نص موسى على هارون عليهما
السلام ثم مات هارون في حال حياة أخيه، والنص عندهم لا يرجع و القول بالبداء محال،
ومنهم من قال أنه لم يمت، وأنه أظهر موته تقية عليه حتى لا يقصد بالقتل، بعد أن
طلبه أبو جعفر المنصور حيث شهد عليه عامل المدينة بأنه مات، وقالوا: وبعد إسماعيل
محمد بن إسماعيل السابع التام، وإنما تم







قبيلة زنــــــــــاتة البربرية ودورها في الفتح الإسلامي لبلاد المغرب  Clip_image001








(1)
زيد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي
طالب (80هـ/ 122هـ): ولد في حدود ثمانين
للهجرة، في بيت كله أدب و عز، فأبوه علي التقي المحبوب، و جده أبو الشهداء الحسين،
و جده العلى فارس الإسلام علي بن أبي طالب، نشأ و تلقى العلوم في البيت النبوي،
كما خرج لطلب العلم، خرج على هشام بن عبد الملك و قتل سنة 122هـ. (تاريخ المذاهب
الإسلامية، ص ص 607-613).



(2)
الزيدية: هي أقرب فرق الشيعة إلى الجماعة
الإسلامية وأكثرها اعتدالا، لم يكفّروا أحدا من أصحاب النبي –صلى الله عليه و سلم-
إمامهم زيد بن علي الذي خرج على هشام بالكوفة، فقتل و صلب.( تاريخ المذاهب
الإسلامية، ص 40).



(3)
الموسوية: هي الفرقة التي أطلق عليها فيما بعد الاثنا
عشرية، قال أتباعها بإمامة موسى الكاظم الابن الأصغر لجعفر الصادق، ثم لابنه علي
الرّضا ثم لابنه محمد الجواد ثم لابنه علي الهادي ثم لابنه الحسن العسكري ثم محمد
القائم المنتظر و يلقبونه بالمهدي، يعتقدون أنه دخل سردابا بدار أبيه بالحلة ولم
يعد، و سيخرج آخر الزمان فيملأ الأرض عدلا. (تاريخ المذاهب الإسلامية، ص 81).






دور السبعة به، ثم يبتدئ منه بالأئمة المستورين الذين كانوا يسيرون في
البلاد سرا، ويظهرون الدعاة جهرا، قالوا: ولن تخلو الأرض من إمام حي قائم، إما
ظاهر مكشوف، و إما باطن مستور، فإذا كان الإمام ظاهرا جاز أن يكون حجته مستورا،
وإذا كان الإمام مستورا فلا بد أن يكون حجته ودعاته ظاهرين، وقالوا: أن الأئمة
تدور أحكامهم على سبعة كأيام الأسبوع، والسموات السبع، و الكواكب السبعة، والنقباء
تدور أحكامهم على اثني عشر، قالوا: وعن هذا وقعت الشبهة للإمامية القطعية حيث قرّروا
عدد النقباء للأئمة، ثم بعد الأئمة المستورين كان ظهور المهدي بالله، والقائم بأمر
الله، وأولادهم نصا بعد نص، على إمام بعد إمام (الملل و النحل، ص ص 153-154).


وكان من هؤلاء الإسماعيلية القرامطة، واستقرت لهم دولة بالبحرين في أبي
سعيد الجنابي و بنيه أبي القاسم الحسين بن فروخ بن حوسب الكوفي داعي اليمن لمحمد
الحبيب، ثم ابنه عبد الله وسمي المنصور، وبعث محمد الحبيب أبو عبد الله داعية له
إلى اليمن، فلما بلغه عم محمد بن يعفر ملك صنعاء أنه أظهر التوبة والنسك وتخلى عن
الملك، فقدم اليمن ووجد بها شيعة يعرفون ببني موسى في عدن لاعة، وكان علي بن الفضل
من أهل اليمن، ومن كبار الشيعة، وظاهر ابن حوشب على أمره، وكتب له الإمام محمد
بالعهد لعبد الله ابنه، وأذن له في الحرب فقام بدعوته وبثها في اليمن، وجهز الجيوش
و فتح المدائن وملك صنعاء، و أخرج منها بين يبعن، وفرّق الدعاة في اليمن واليمامة
و البحرين والسند والهند ومصر والمغرب، وكان من دعاته أبو عبد الله الشيعي صاحب
كتامة (العبر، ج4، ص 37)، وهو أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن
محمد بن زكريا، المعروف، بأبي عبد الله الداعي أو المشرقي أو المحتسب أو المعلم أو
الصنعائي، وهو رجل من الكوفة أو من صنعاء، يُذكر أنه كان رجلا صوفيا
(دور زناتة
في الحركة المذهبية بالمغرب الإسلامي، ص ص 162-163)
، سار من صنعاء إلى ابن
حوشب بعد أن سمع أنه يدعو إلى المهدي، وكان ابن حوشب بعدن، فصبحه أبو عبد الله
وصار من كبار أصحابه، وكان لأبي عبد الله الشيعي علم ودهاء، وكان قد أرسل قبل ذلك
الدعاة(1) إلى المغرب، وقد أجابه أهل كتامة، فلما رأى ابن حوشب علم أبي
عبد الله الشيعي أرسله إلى المغرب، فسار أبو عبد الله الشيعي إلى مكة و اجتمع
بالمغاربة من أهل كتامة، فرآهم محبين إلى ما يختار، فسار معهم إلى أرض كتامة
بالمغرب، فقدمـها







قبيلة زنــــــــــاتة البربرية ودورها في الفتح الإسلامي لبلاد المغرب  Clip_image003








(1)
الدعاة: الحلواني و أبو سفيان. (دور زناتة، ص
164).



منتصف ربيع الأول سنة 280هـ، وأتاه البربر من كل مكان، وعظم أمره. وبلغ
أمره إلى إبراهيم بن أحمد الأغلبي أمير إفريقية آنذاك
(تاريخ أبي الفداء،ج1،
ص 390)
، فاستصغر أمره و احتقره، ثم مضى أبو عبد الله إلى تاهرت فملكها، وأتته
الوفود من كل فج، ولا زال في زيادة من أمره إلى أيام زيادة الله الأحول، فبعث إليه
عدّة ألوف فهزمهم أبو عبد الله، ولما رأى زيادة الله أبا عبد الله يتزايد أمره فرّ
بأهله و ماله إلى المشرق، ولما بلغ أبا عبد الله خروج زيادة الله من رقادة توجه
إليها ودخلها سنة 293هـ، ولما استقام له الأمر وعهد البلاد، اجتمع بأخيه أبي
العباس فاستخلفه على رقادة سنة 296هـ، و خرج هو متوجها إلى سجلماسة، فاهتز له
المغرب وخافته زناتة وقبائل العرب و البربر والمخالفين له، فطلبوا منه أمانا، ولما
قرب من سجلماسة سمع به اليسع بن مدرار(1) عامل بني الأغلب، وكان زيادة
الله قد أبلغه بأمره، فكتب إليه و أنكر عبد الله ذلك، وكان المهدي قد قصد سجلماسة
هو وابنه القاسم (المؤنس في أخبار إفريقية وتونس، ص ص 51-52)، وهنا جاء
داعيه المخلص أبو عبد الله الشيعي حوالي سنة 909م لتخليصه من السجن، بعد أن بسط
سلطانه على دولة الأغالبة في إفريقية، ودولة الرستميين في تاهرت
(الفرق
الإسلامية في الشمال الإفريقي، ص 158)
، حيث ارتحل أبا عبد الله إلى سجلماسة و
استخلف على إفريقية أخاه أبا العباس، و اهتز المغرب لخروجه، وفرت زناتة من طريقه،
وحاول في البداية التفاوض مع اليسع لكنه رفض، وخرج للقائه، فتقاتلا الجمعان وهزم
اليسع وفرّ، وجاء الشيعي إلى حبس المهدي وابنه و أخرجهما، وبايع للمهدي، و مشى المهدي
مع رؤساء القبائل التي بين أيديهما و هو يبكي من الفرح ويقول: هذا مولاكم، حتى
أنزله بالمخيم، وبعث في طلب اليسع، فأدرك وجيء به فقتل، وأقاموا بسجلماسة أربعين
يوما، ثم ارتحلوا إلى إفريقية (العبر، ج4، ص 44).


وكان وصولهم إلى رقادة سنة 297هـ، وكتب إلى جميع البلاد لبيعة المهدي، وفي
هذه السنة زالت دولة بني مدرار من سجلماسة بعد 112سنة
(المؤنس في أخبار إفريقية
وتونس، ص ص52_53)
، بعد البيعة للمهدي الذي يزعم قومه أن نسبه هو: أبو عبد الله
بن جعفر بن إسماعيل بن جعفر الصادق بن محمد بن علي زين العابدين ابن الحسين بن علي
بن أبي طالب –رضي الله عنهم أجمعين- تأت له بالمغرب ملك كبير، فبني القصور ورتب
السياسـة، وأحكـم







قبيلة زنــــــــــاتة البربرية ودورها في الفتح الإسلامي لبلاد المغرب  Clip_image004








(1)
اليسع بن مدرار: هو اليسع بن أبي القاسم، كنيته
أبو منصور تولى أمر سجلماسة سنة 94هـ، و هو الذي بنى سورها، وكان إباضيا صفريا، في
عهده استفحل ملكهم، هلك سنة 208هـ. (العبر، ج6، ص 155).



قبيلة زنــــــــــاتة البربرية ودورها في الفتح الإسلامي لبلاد المغرب  Clip_image004التدبير، وشرع في بناء المهدية المنسوبة إليه، وجمع الفقهاء وأمر أن يدعى
له بالمنابر...(تاريخ المغرب العربي في العصر الوسيط، ص ص 50-51)، وبدأ في
غزواته للقبائل، ففي سنة 297هـ أخرج المهدي أبا عبد الله إلى المغرب و بلغه فيه
فساده، فانتهى أبا عبد الله إلى طبنة ووافي بها لابن خزر الزناتي، وقد انفسح إليه
قوم من أهل الخلاف في قبائل كثيرة، فقتل أبو عبد الله من معه أبرح قتل، وولّى ابن
خزر هاربا في شرذمة قليلة و تفرق من كان معه، وذلك يوم الاثنين لأربع من ذي القعدة
سنة 297هـ، وكتب أبو عبد الله إلى المهدي بخبر الفتح، ووجه برؤوس من قتل في تلك
المعركة من وجوه زناتة وغيرهم...ومثل ذلك فعل مع يوسفان ومليلة ومدهنةوصبارة
(تاريخ الدولة الفاطمية بالمغرب، ص ص 26-27)، وهكذا استقام سلطان عبيد الله
المهدي بإفريقية واستبد بالأمر وكبح أبا عبد الله الشيعي و أخاه العباّس عن
الاستبداد عليه، والتحكم في أمره، فعظم ذلك عليهما وبلغ ذلك المهدي، فنهاهما عن
فعلهما، لكنهما لم ينتهيا وداخلوا في فعلهم قبائل كتامة أيضا، ونمى الخبر إلى المهدي،
فاستدعى عروبة بن يوسف وأخاه حباسه، وأمرهما بقتل الشيعي وأخيه، فوقفا لهما عند
القصر، وحمل عروبة على أبي عبد الله فقال له لا تفعل، فقال الذي أمرتنا بطاعته
أمرنا بقتلك، وأجهز عليهما في سنة 298هـ (العبر، ج4، ص 45)، ثم
قتل جميع من والاهما من شيوخ كتامة، وقيل أنه قتلهما لأنهما ارتدا عليه وقالا
لكتامة إنا غلطنا فيه، و أن الإمام الذي دعونا إليه له علامات و يأتي بآيات و يطبع
بخاتمه في الحجر كما يطبع في الشمع (أخبار ملوك بني عبيد وسيرتهم، ص 43)، بعد
مقتل الشيعي استقامت الأمور لعبيد الله المهدي، وفي سنة 298هـ/910-911م بقيادة أبي
هارون الهواري زحف أيضا جماعة من زناتة ولماية(1) وغيرهم من القبائل
وحاصروا المدينة، فسرح المهدي إليهم قائده أبازاك تمام بن معارك الأجاني وقتل
كثيرا منهم، وبعث برؤوس كثيرة و آذان مقرطة لمن قتل، فنصبت برقادة، وفي سنة
299هـ/911-912م، أخرج المهدي جماعة من قواده لمحاربة زناتة، فكانت بينهم وبين
زناتة وقعة عظيمة بموضع يعرف بفلك مديك، قتل فيها من زناتة عدد لا يحصى
(البيان
المغرب، ج1، ص-ص 63-65)
، قلنا أنه لما استقام الأمر للمهدي عيّن
على المغرب عروبة الذي سار إلى تاهرت وافتتحها و ولى عليها دواس بن صولات اللهيصي،
وقد انقطعت أخبار عروبة منذ عيّن أن عاملا على المغرب إلى أن قتل سنة
302هـ/914-915م،


(1)
لماية: بطن من بني فاتن إخوة مطغرة، كانوا ظواعن
بإفريقية و المغرب، وكان جمهورهم بالمغرب الأوسط موطنون بتخومه مما يلي الصحراء.
(العبر، ج6، ص 246).



وانقطعت معها أخبار دواس إلى أن استدعاه المهدي إلى رقادة وعيّن مصالة بن
حبوس ابن منازل بن بهلول المكناسي على تاهرت
(دور زناتة في الحركة المذهبية
بالمغرب الإسلامي، ص 178)
، وقد وجه مصالة بن حبوس في رجالات مكناسة إلى بلاد
المغرب، فأوقع بملك فاس من الأدارسة، وهو يحي بن إدريس بن عمرو، واستنزله عن
سلطانه إلى طاعة المهدي، فأعطى بها صفقته و عقد لموسى بن أبي العافية المكناسي من
رجالات قومه على أعمال المغرب ورجع، ثم عاود غزو المغرب سنة تسع (309هـ) فدوّخه
ومهد جوانبه، و أغراه قريبه عامل المغرب موسى بن أبي العافية بيحي بن إدريس صاحب
فاس، فقبض عليه و ضم فاس إلى أعمال موسى، ومحا دعوة الإدريسية من المغرب، ثم سار
مصالة إلى بلاد سجلماسة فقتل أميرها من آل مدرار المكناسيين، وعقد لابن عمه المعتز
محمد بن مدرار، وسار في أتباعه إلى زناتة، فكانت بينه وبينهم حروب، هلك مصالة في
بعضها على يد محمد بن خزر، واضطرب المغرب (العبر، ج4، ص 47).


فخرج أبا القاسم إلى المغرب في جيش عظيم سنة 315هـ، وكان محمد بن خزر
الزناتي من عظمائهم وزعمائهم قبل ذلك قد أوقع بعسكر كتامة عليه أبو عروس وإسحاق بن
خليفة، فلما وصل أبو القاسم إلى المغرب توغل ابن خزر في الصحاري، فهدن أبو القاسم
المغرب، وانصرف، وفي انصرافه هذا مرّ بوادي سهر فاختط مدينة المسيلة وسماها باسمه
المحمدية (أخبار ملوك بني عبيد وسيرتهم، ص 45)، وعاد أبو القاسم إلى
المهدية، فرحل في شهر شعبان، ووصل إلى المهدية لخمس عشرة ليلة خلت من شهر رمضان
سنة 316هـ، ودخل على أمير المؤمنين المهدي، وفي سنة 317هـ سار ابن خزر إلى نواحي
بسكرة، واتصل ذلك بأمير المؤمنين، فأنقد إليه مسعود بن غالب الوسولي في
خمسمائة فارس، فهزمه مسعود بن غالب، و أوقع بأصحابه، وكتب إلى أمير المؤمنين بخبر
ذلك، وفي هذه السنة قدم معلل بني خزر في وجوه زناتة و أشرافهم على يد علي بن حمدون
إلى باب أمير المؤمنين فأذن لهم في السلام
عليه، و أمر لهم بالكساء والصلات و الحملات
(تاريخ الدولة الفاطمية بالمغرب، ص
ص 70-71)
، وفي سنة 319هـ/931-932م، انتفض موسى بن أبي الغافية عامل فاس على
المغرب، وخلع طاعة الشيعة، وانحرف إلى الأموية من وراء البحر، وبث دعوتهم في أقطار
المغرب، فنهض إليه أحمد بن بصلين المكناسي قائد المهدي، وسار ميسور في العساكر
فلقيه و هزمه، وأوقع به و بقومه بمكناسة، وفي سنة 322هـ توفي عبيد الله
(العبر،
ج4، ص 48)
، الذي ارتكزت سياسته على إشراك زناتة في الوظائف
الإدارية، فأسند ولاية المغرب لزناتي من قبيلة مكناسة، وهو مصالة بن حبوس في سنة
305هـ/917م، محاولا بذلك كسب ولاء زناتة الرافضة لمذهبه، إذ أنه واثق بأن دولته لا
يمكن لها السيطرة على المغرب دون موالاة زناتة، لكن لم يكن له ما أراد و سنرى ذلك
لاحقا
(مذكرة دكتوراه، النظم الإدارية في بلاد المغرب خلال العصر الفاطمي، ص
47)
.


بعد وفاة عبيد الله المهدي ولي الأمر ابنه القاسم(1)الذي بويع
يوم مات أبوه عبيد الله سنة 322هـ،و الذي اقتفى أثار أبيه، والتزم من الحزن عليه
ما لم يلتزمه ابن لأبيه، فلم يرق سريرا، ولا ركب دابة بقصره إلى أن مات، وافتتحت
في أيامه فتوحات عظيمة، ومدن للروم بصقلية كثيرة، ووجه جيوشه إلى المغرب فاستولت
على أكثره، ووجه جوهرا مولاه بأسطوله إلى جنوة(1)، فاستباحها و خرج
عليه أبو يزيد مخلد بن كيداد الخارجي وكان نكاريا
(تاريخ المغرب العربي في
العصر الوسيط، ص 53)
، اسم والده كداد، من مدينة توزر من بلاد قسطيلية، ولد له
أبو يزيد بتوزر من جارية سوداء، وقد نشأ أبو يزيد في توزر وتعلم القرآن وسار إلى
تاهرت، وصار على مذهب النكّارية وهو تكفير أهل الملة واستباحة أموالهم ودمائهم
(تاريخ
أبي الفداء،ج1، ص 427)
، سار إلى تاهرت و أقام بها يعلم الصبيان إلى
أن خرج أبو عبد الله الشيعي إلى سجلماسة في طلب المهدي، فانتقل إلى تقيوس(1)،
واشترى صنعة، أقام بها يعلم، فابتدأ يحتسب على الناس في أفعالهم ومذاهبهم، فصار له
جماعة يعظمونه، وذلك أيام المهدي سنة 316هـ، ولم يزل على ذلك إلى أن اشتدت شوكته
وكثر أتباعه في أيام القائم ولد المهدي، فصار يغير ويحرف ويفسد
(الكامل في
التاريخ،ج7، ص 189)
، وخرج بناحية جبل أوراس، وركب الحمار، وتلقب
بشيخ المؤمنين، ودعا للناصر(2) صاحب الأندلس من بني أمية، فاتبعه أمم
من البربر (العبر، ج4، ص 49)، وقد لخص زغروت أسباب ودوافع ثورة
أبي يزيد في ثلاث دوافع: قبلية وذهبية و اقتصادية.







قبيلة زنــــــــــاتة البربرية ودورها في الفتح الإسلامي لبلاد المغرب  Clip_image001








(1)
القاسم القائم بأمر الله (322هـ/334هـ): هو عبد
الرحمان بن عبيد الله، غير اسمه لما غلب على المغرب بمحمد، كنيته أبو القاسم، بايع
له أبوه بولاية العهد في حياته، خرج عليه أبو يزيد سنة 322هـ، ولادته كانت سنة
280هـ، و هلاكه سنة 334هـ، وهو محاصر للمهدية. ( أخبار الدول المنقطعة، ص ص
169-170).



(2)
جنوة: ميناء تجاري كبير في شمال إيطاليا. ( تاريخ
المغرب العربي في العصر الوسيط، ص 53).



(3)
تقيوس: بالفتح ثم السكون وياء مضمومة و واو ساكنة
و سين مهملة مدينة بإفريقية قريبة من توزر. ( معجم البلدان، ج2، ص 37).



(4)
الناصر الأموي: هو الحكم بن عبد الرحمان الناصر،
بويع له بالخلافة سنة 350هـ، كان حسن السيرة، جامعا للعلوم محبا لها ومكرما
لأهلها، مات بالفالج في صفر سنة 366هـ. ( البيان المغرب، ج2، ص 233).






1- الدوافع القبلية: قبائل زناتة
لم تحظ بالاهتمام الذي حظيت به قبائل كتامة، ومن هنا شعر الزناتيون بأن هذه الدولة
الناشئة لا تختلف عن الولاة السابقين في المغرب، فتطلعت من وراء ثورة أبي يزيد إلى
تكوين حكومة مغربية مستقلة، لا تدين بالتبعية إلا لأبناء البربر.


2- الدوافع المذهبية: اختلاف آراء
الشيعة الفاطمية اختلافا جوهريا عن عقائد المذاهب الأخرى المنتشرة في المغرب من
سنة وخوارج، وإسراف الفاطميين في نشر عقائد مذهبهم، مما جعلهم يلاقون معارضة شديدة
من الخوارج بزعامة أبي يزيد والمالكية التي انضمت إلى حركته، لأنها رأت فيها خلاصا
من المذهب الشيعي.


3- الدوافع الاقتصادية: تمثلت
بالضرائب الباهظة التي فرضها الفاطميون على البربر، مثل ضريبة: الفطرة، ضريبة
التضييع
...(العلاقات بين الأمويين والفاطميين في الأندلس والشمال الإفريقي، ج3،
ص-ص 50-52)
.


أما ابن عذارى فقد أورد سبب خروج أبي يزيد بقوله: « أبو القاسم الشيعي لما
مات أبوه عبيد الله أظهر مذهبه، وأمر بسب الغار والعباء وغير ذلك من تكذيب الله
تعالى، فمن تكلم عذب وقتل واشتد الأمر على المسلمين...»
(البيان المغرب، ج1،
ص 216)
، وعلى العكس من ذلك فإن الروايات الإسماعيلية المعادية للثورة تذكر
الثائر بأنه كان يسير مع أبي عمار الأعمى(1)« في البربر، ويسعيان في الفساد، والتأليب على الدولة العلوية، وتكفير
المسلمين غير من يدين بدين الخوارج، واستحلال قتالهم وجهادهم و رميهم بالكفر،
وعظمهما البربر»
(عيون الأخبار وفنون الآثار في فضائل الأئمة الأطهار، ج5
، ص ص 172-173)
، أما عن أتباع الثورة، فقد دعمتها المالكية الذين أفتوا
بمشروعية الخروج عن العبيديين ومقاتلتهم، وقد وردت في ذلك عدة نصوص منها: «خرج
الشيخ أبو إسحاق السبائي –رحمه الله تعالى- مع شيوخ إفريقية إلى حرب بني عدوّ الله
–يزيد بن عبيد- مع أبي يزيد، فكان أبو إسحاق يقول ويشير على عسكر أبي يزيد: هؤلاء
من أهل القبلة و هؤلاء ليسوا من أهل القبلة، فعلينا أن نخرج مع هذا من أهل القبلة
لقتال من هو على غير القبلة، فإن ظفرنا بهم لم ندخل تحت طاعة أبي يزيد، لأنه
خارجي، والله عزّ وجلّ يسلط عليه إماما عادلا فيخرجه من بين أظهرنا ويقطع أمره عنا»
(مذكرة ماجستير، الأوراس في العصور الوسطى، ص ص 88-89)، كما تلقت هذه
الثورة دعم الناصر الأموي في الأندلس، لاعتبارين أن أبا يزيد الثائر من قبيلة
زناتة وهي إحدى القبائل المحالفة للأمويين في المغرب و المقاومة لأطماع الفاطميين.



والثاني: أن إشراك المالكية في الثورة يعد مظهرا من مظاهر المؤازرة
المذهبية والتي حرص كل من الناصر الأموي و أبي يزيد على إظهارها فالناصر حريص على
أن يتخذ مالكية المغرب جبهة قوية تعضد جبهة المالكية في الأندلس للوقوف ضد المذهب
الإسماعيلي و تحول دون انتشاره، كما حرص أبو يزيد على إشراك المالكية في ثورته
ليتقرب من الناصر ويدخل في طاعته ومن ثمّ يتلقى دعمه وعونه
(العلاقات بين
الأمويين والفاطميين في الأندلس و الشمال الإفريقي، ج3، ص 53)
، وكان
أتباع الثورة المنخرطين فيها من البربر البتر الذين يسكنون منطقة الأوراس و ما
جاورها، وأغلبهم من زناتة و لواتة وهوراة و بني برزال و مغراوة وبني كملان و مزانة
من الإباضيين النكّار والوهبية...
(مذكرة ماجستير، الأوراس في العصور الوسطى، ص
90)
.


وقد مرت ثورة أبي يزيد بثلاث مراحل:


قبيلة زنــــــــــاتة البربرية ودورها في الفتح الإسلامي لبلاد المغرب  Clip_image0041-مرحلة الانتصارات (332هـ-942-944م/333هـ-945م): بدأت بهجوم ناجح على باغاية، فلقيه عاملها في
جموع البربر وهزمه، وزحف إلى باغاية فحاصرها، ثم انهزم عنها، وكتب إلى بني واسي من
قبائل زناتة بضواحي قسنطينة يأمرهم بحصارها، فحاصروها سنة 333هـ، ثم فتح تبسّة
صلحا ومجانة كذلك، و أهدى له رجل من أهل مرماجنة حمار أشهب فكان يركبه وبه لُقّب
"صاحب الحمار" (العبر، ج4، ص 49)، ثم إنه هزم كتامة و
أنفد طائفة من عسكره إلى سبيية ففتحها وصلب عاملها، وسار إلى الأربس، ففتحها
وأحرقها ونهبها، وجاء الناس إلى الجامع فقتلهم فيه، فلما اتصل ذلك بأهل المهدية
استعظموه، وقالوا للقائم الأربس باب إفريقية، ولو أخذت زالت دولة بين الأغلب،
فقال: لا بدّ أن يبلغ أبو يزيد المصلى، وهو أقصى غايته
(الكامل في التاريخ، ج7،
ص 189)
، فقام القائم بتجهيز عسكر بعثه إلى رقادة و القيروان، وبعث خادمه
الميسور لحربه، وبعث عسكرا مع خادمه بشرى إلى باجة، فنهض إليه أبو يزيد وهزمه إلى
تونس، ودخل أبو يزيد باجة فنهبها وأحرقها، وقتل الأطفال و سبى النساء، واجتمع إليه
قبائل البربر، وبعث إليه بشرى عسكرا من تونس، وبعث أبو زيد للقائهم عسكرا آخر،
فانهزم


(1)
أبي عمار الأعمى: ابن عبد الله الحميدي، من مقدمي
الإباضية، مات في حرب، دارت رحاها و كانت شديدة بين منصور العبيدي و أبي يزيد. (
أخبار ملوك بني عبيد و سيرتهم، ص 67).



أصحاب يزيد، ثم ثار أهل تونس ببشرى و استأمنوا أبا يزيد فأمنهم، وسار إلى
القيروان فبعث القائم بشرى للقائه، فانهزم جيش أبي يزيد، فسار لقتال الكتاميين
فقتلهم، ونزل رقادة في مائتي ألف مقاتل، و زحف ميسور إلى أبي يزيد، ودار لقاء
بينهما انهزم فيه ميسور (العبر، ج4، ص ص 49-50)، ولما بلغ
القائم قتل فتاه ميسور و هزيمة جيشه، أمر بحفر خندق حول أرباض المهدية في أواخر
ربيع الآخر 333هـ/944م (دور زناتة في الحركة المذهبية بالمغرب الإسلامي، ص 203).


2-مرحلة التوازن (333هـ-945م/335هـ-946م): في الأيام الأولى من جمادى الآخر
333هـ/يناير-فبراير 945م، شنّ صاحب الحمار هجوما على المهدية، تمكن فيه من اقتحام
الخندق المحفور حولها ووصل إلى المصلى، واستولى على زويلة، واشتغل أصحابه بالنهب و
القتل فيها (دور زناتة في الحركة المذهبية بالمغرب الإسلامي، ص 204)، أما
القائم فقد كتب إلى زيري بن مناد(1) سيد صنهاجة و إلى سادات كتامة،
والقبائل يحثهم على الاجتماع بالمهدية، وقتال النكار، فتأهبوا للمسير إلى القائم،
ولما سمع أبا يزيد بتأهب صنهاجة وكتامة وغيرهم لنصرة القائم خاف، و رحل من ساعته
نحو المهدية، وبث سراياه إلى ناحية المهدية، و خرجت كتامة والقائم إلى أبي يزيد،
وكان الفضل بن يزيد(2) قد أتى أباه بعسكر، فأرسله أبو يزيد إلى قتال
كتامة، فهزموا، وبلغ الخبر أبا يزيد، فركب بجميع أصحابه، فلما رآه الكتاميين
انهزموا من غير قتال، وأشرف أبو يزيد على المهدية، و وصل إلى باب المهدية عند
المصلى (الكامل في التاريخ، ج7، ص 192)، و سمع أبو يزيد بوصول
زيري بن مناد فاعتزم أن يمر بباب المهدية، و يأتي زيري و كتامة من ورائهم، فقالوا
أهل الأرباض، و مالوا عليه لما عرفوه ليقتلوه و تخلص بعد الجهد، ثم رحل وحفر على
معسكره خندقا، واجتمع عليه خلق عظيم من البربر ونفوسة والزاب وأقاصي المغرب، وضيّق
على أهل المرية، ثم زحف إليها أواخر جمادى فقاتلها ثم خلص، وكتب إلى عامل القيروان
أن يبعث إليه مقاتلتها فجاؤوا وزحف بهم فانهزم.







قبيلة زنــــــــــاتة البربرية ودورها في الفتح الإسلامي لبلاد المغرب  Clip_image003








(1)
زيري بن مناد (360هـ/971م): الصنهاجي الحميري، بنى مدينة أشير، كان مواليا
لملوك الفاطميين عند ظهورهم، قتل في معركة بينه و بين جعفر بن علي الأندلسي. (
الأعلام، ج3، ص 63).



(2)
الفضل ابن يزيد: قائد ثائر على العبديين في جهة
الأوراس، زمن المنصور، حاصر باغاية لكنه هزم، مات غدرا سنة 336هـ. ( أخبار ملوك
بني عبيد و سيرتهم، ص 79).



ثم زحف الزحف الرابع ولم يظفر ورجع إلى معسكره، واشتد الحصار على المهدية
حتى أكلوا الميتات والدواب و افترق أهلها في النواحي، ولم يبق إلا الجند، وفتح
القائم أهراء الزرع التي أعدها المهدي، ثم اجتمعت كتامة وعسكروا بقسنطينة فبعث إليهم
أبو يزيد بعثا من ورفجومة وغيرهم، فهزموا كتامة ووافت أبا يزيد حشود البربر من كل ناحية و أحاط بسوسة(1) وضيق
عليها (العبر، ج4، ص 51).


إلا أن الحظ بقي إلى جانب القائم، ذلك أن معظم أصحاب عدوّه تفرقوا، بعضهم
في الغارات والنهب، وبعضهم كانوا يأتون إليه ينهبون ويقتلون و يرجعون إلى منازلهم
فلما لم يبق ما ينهب توقفوا عن المجيء، وبعضهم طال عليهم المقام وسئموا التغريب
على بلادهم و تحققوا من حصانة المهدية، أي أنهم يئسوا من الانتصار، المهم أنه لم
يبق معه سوى طوائف من هوارة و زناتة، ولم يمض وقت طويل حتى افترق هؤلاء بدورهم،
فلجأ بعضهم إلى المهدية وعاد الآخرون إلى مواطنهم، فما كان عليه إلا أن رحل هو
الآخر بمن بقي معه إلى القيروان سنة 334هـ/945م، وقد حاول أبو عمار أن يجد علاجا
للوضع المتدهور، واستطاع أن ينظم الأمور من جديد، وعادت المعارك تدور بين الطرفين
(دور
زناتة في الحركة المذهبية بالمغرب الإسلامي، ص ص 205-206)
، حيث وجه أبو يزيد
عسكرا إلى تونس فدخلوها بالسيف سنة 334هـ، فنهبوا جميع ما فيها، فسيّر إليهم
القائم عسكرا إلى تونس، فهزم جيش القائم هزيمة قبيحة، فالتجأ جيش القائم إلى جبل
الرصاص، فتبعهم أبو يزيد واشتبك الجيشان وهزم عسكر أبي يزيد، ودخل جيش القائم
تونس، و أخرجوا من فيها من أصحاب يزيد، وكان لأبي يزيد ولد اسمه أيوب، فلما بلغه
الخبر أخرج معه عسكرا كثيرا...توجه به إلى باجة فقتل من بها من أصحاب القائم، وأرسل
القائم مقدم من أصحابه –علي بن حمدون- بعسكر من المسيلة و سطيف فقصد المهدية، وسمع
به أيوب بن أبي يزيد –وهو بمدينة باجة- فسار إليه واستباح عسكره، ثم سيّر أيوب
جريدة خيل إلى تونس لمواجهة عسكر القائم، فكان بين الفريقين قتال عظيم، قتل فيه
كثير وانهزم عسكر القائم، ثم عادوا ثانية وثالثة، الكرة مرة على أبي يزيد و مرة
على علي بن حمدون، في جلها تعرض جيش أبي يزيد للهزيمة، فلما رأى أبو يزيد ما جرى على
عسكره من الهزيمة جدّ في أمره، فجمع العساكر، وسار







قبيلة زنــــــــــاتة البربرية ودورها في الفتح الإسلامي لبلاد المغرب  Clip_image005








(1)
سوسة: مدينة على ساحل البحر المتوسط على بعد مائة
ميل من تونس، اتخذها المسلمون قاعدة، كانت مدينة غنية، لكنها خلت الآن من السكان
بسبب جور الملوك وقمعهم. ( وصف إفريقيا، ج2، ص ص 83-84).



إلى سوسة جمادى الآخرة من السنة و بها جيش كثير للقائم، فحصرها حصارا
شديدا، فكان يقاتلهم كل يوم، فمرة له ومرة عليه، فقتل من أهل سوسة خلق كثير
(الكامل
في التاريخ، ج7، ص ص 195-196)
، وفي حصار أبي يزيد توفي القائم
لثلاث عشرة ليلة خلت من شوال سنة 334هـ، وقام بالأمر بعده ولده إسماعيل الملقب
بالمنصور(1) (تاريخ المغرب العربي في العصر الوسيط، ص 54).


وكان أول شيء قام به أن عمل على بعث الأساطيل من المهدية إلى سوسة مشحونة
بالمدد، وخرج بنفسه في أثرهم وخرجوا لقتال أبي يزيد،
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
قبيلة زنــــــــــاتة البربرية ودورها في الفتح الإسلامي لبلاد المغرب
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» انا رجل واحد وانت قبيلة من النساء - نزار قبانى
» مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي مالك بن نبي
» كتاب ضوابط الاقتصاد الإسلامي في معالجة الأزمات المالية العالمية..

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــات جبال البابـــــــــــــــــــــــــــــــــور  :: قسم التعليم العالي و البحت العلمي :: منتدى العلوم الإنسانية-
انتقل الى: