الذين أطلقوا على بريطانيا العظمى اسم "العظمة" والإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، كانوا يظنون أن التسمية تعني الفترة الاستعمارية التي اقتسمت فيها بريطانيا مع فرنسا نصف خارطة الكرة الأرضية، ولكن بريطانيا تمكنت من أن تترك بصماتها في كل القارات، عبر دول هي نموذج بريطاني، إن لم نقل قطعة من بريطانيا، التي ما إن تصاب بالحمى حتى تتوجع الولايات المتحدة في القارة الأمريكية، وإفريقيا الجنوبية في القارة السمراء، واستراليا وإرلندا الجديدة الجديدة في القارة الأسترالية، والكيان الصهيوني وهونكغ كونغ في القارة الآسياوية، وغيرها من البلدان والإمارات التي مكّنت بريطانيا من أن تستعمر العالم بجبروت الولايات المتحدة تارة، وبصهيونية إسرائيل تارة أخرى، وبأموال الدويلات التي زرعتها في غالب الأحيان...
بريطانيا التي زرعت الورم الخبيث في فلسطين، وكانت قائدة العدوان الثلاثي على مصر، تتواجد حاليا في المالوين الأرجنتينية وأفغانستان والعراق والصومال، ولكن هذه الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، حجبت الشمس عن أرضها، فتحولت بريطانيا إلى محرقة هجرها سواحها وتوقفت اللعبة الأكثر شعبية بها لأول مرة في التاريخ، منذ أن بدأ الإنجليز ممارسة كرة القدم، وصار بوليسها الذي لا يُقهر مقهورا من شباب وأطفال.
بريطانيا التي أفتت في الشأن السوري، وتشارك في الحملة العسكرية على ليبيا، بحجة قمع الأسد والقذافي لشعوبهما، لا يجد وزيرها الأول أي حرج في منح البطاقة الخضراء للبوليس ليقمع أحداث شغب، اعترفت بريطانيا نفسها أن من بين المشاركين فيها أطفالا دون سن العاشرة، واعترفت أيضا أن غالبية المشاركين من الإنجليز البيض، أحفاد الذين أسسوا الإمبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس! بريطانيا التي اكتوت بالنار التي كانت تشم شِياطها عن بُعد، فتنفخها مرة وتطفئها أخرى إذا خشيت انتشارها إلى مملكاتها، تعجز الآن عن تشخيص ما يحدث في مجتمعها، من ثورة سياسة واقتصادية واجتماعية ونفسية، فما بالك أن تضع العلاج لهذا الورم، الذي زرعت خلاياه الخبيثة في بلدان أخرى، ظنا منها أن ناقل الفيروس لا يصاب؟
الآن وقد صار السبت يوم غضب في الكيان الصهيوني، يتظاهر فيه مئات الآلاف، وصارت النرويج أشبه بافغانستان، لا ينام سكانها من شدة الخوف، وصارت شوارع لندن وليفربول أشبه بشوارع حماة وبنغازي، وصار ساركوزي يقطع عطلته ويدعو إلى اجتماع اقتصادي، لإنقاذ رأسه من المقصلة، الآن فقط صرنا نشاهد صورنا في مرآتهم، فما قام به دافيد كاميرون لا يختلف عما قام به حبيب العدلي، وما أعلنته النرويج من حالات طوارئ واستنفار لا يختلف عما هو حاصل في الخليج والمغرب العربي، وما قاله نتن ياهو لشعبه هو تكرار لخطاب بن علي، وعودة ساركوزي صاغرا إلى مكتبه خوفا من العدوى البريطانية هي أشبه بعودة خادم الحرمين إلى المملكة، وتحريك دواليب الاقتصاد حتى لا تتحول إلى نار.
نحن نعترف بأن بيوتنا من طين آسن آيلة إلى السقوط مع هبوب الريح، ولكن يجب أن نقتنع أن بيوت هؤلاء الذين قرنّا أسماءهم بالعظمة والعبقرية، أوهن من بيت العنكبوت.
منقول من جريدة الشروق الجزائرية