منتديــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــات جبال البابـــــــــــــــــــــــــــــــــور
منتديات جبال البابور ترحب بك زائرا و مشاركا و عضوا
منتديــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــات جبال البابـــــــــــــــــــــــــــــــــور
منتديات جبال البابور ترحب بك زائرا و مشاركا و عضوا
منتديــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــات جبال البابـــــــــــــــــــــــــــــــــور
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــات جبال البابـــــــــــــــــــــــــــــــــور


 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 المقامات الزينية ج01

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
Bouchair Abdelmadjid




عدد المساهمات : 73
تاريخ التسجيل : 01/01/2011

المقامات الزينية ج01 Empty
مُساهمةموضوع: المقامات الزينية ج01   المقامات الزينية ج01 I_icon_minitimeالسبت 8 يناير 2011 - 1:21

المقامات الزينية
ابن الصيقل الجزري


بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
الحمد لله الذي أيدنا بمنائح اللالاء، وأوردنا موارد الآلاء، ودرأ بعز عزه كتائب الضراء، وفقاً بوطف لطفه عيون مقانب الضراء، وحسم بحسام معدلته شواهق الشقاء، وجزم بجسام مقدرته شقاشق للشقاوة والشقاء وقمع بمقامع المقانع نواصي الأعداء، وقدع مطالع المطامع مع رداء الاعتداء، حمداً يعلو على نشر نشر الكباء، ويجلو صدأ مرآة زعزع التزعزع والنكباء، وصلى الله على سيدنا محمد الراقي إلى السماء، الواقي غوائل الغماء، المخصوص بليلة الاسراء، الموصوف بإنقاذ الأسراء، الذي فتحت به بصائر الأغبياء، ورفعت رفعته إلى الذروة العلياء، وتقلقلت لاقدامه قلل أعناق المراء، وتسلسلت بسلاسل اسلامه أعناق أعناق الاجتراء، وعلى أهله أهل العباء لا الأعباء، وعلى آله آل الابتلاء لا البلاء، وعلى صحبه أولى الصفاء في الوفاء، ورهطه ذوي الانكفاء إلى الرفاء، وله المنة بما فاض وغاض من بحور العطاء، ودرور الخطاء، وبه نعوذ من إرخاء السفه المرخاء وارخاء خيل المرح في لا حب الرخاء، وبه نعتصم من مصاحبة الجهلاء، ومجانبة الحلاحل الفضلاء، وإليه أفزع من معاقرة العناء، وحمى حمى حمة هذه الأعناء، ونجعله عدةً لرسوب الأعضاء في الغبراء، وجنةً لوثوب الحوباء في الخضراء، ونستجير به من أخلاف العماء واتلاف المحنة الصماء، ونستعين به لدحض معاتب اللقاء، ورحض معايب الارتقاء، مستشفين بشافع الأشقياء ورافع حجج أنبياء الأنبياء، والأربعة الخلفاء، والستة الحلفاء، إنه مبيد الادعاء، والقادر على اجابة الدعاء، وبعد: فإنني دخلت ذات يوم خيسى، وأويت وآويت أنيسى فوجدت بيد شبلي الألمعي، المبرأ من لبس لباس الدنس والعي، ذي الدراية والتدقيق، والحذاقة والتحقيق، المشبه بصنوى الشفيق، المميز بين عقيان البراعة والعقيق، الذي به أباهي بهاء الدول أبي الفتح نصر الله كتاب المقامات التي أنشأها أوحد زمانه، وأرشد أوانه، التي بزغ ببزوغها شموس الأدب، ونبغ ببلوغها غروس الأرب، وأمليت عن لسان أبي زيد السروجي، وأسندت روايتها إلى الحارث بن همام البصري فقال لي: هل لك في أن تنشئ لي من زبد عباب تيارك، ولبد سحاب مدرارك، مقامات تكون مدداً لجيوش اشتغالي، وعدداً لردع ربائث أشغالي، وعداءً لميدان آمالي وغذاءً لنفوس أشبالي، فإن ذلك أشبى لي كي لا أروم غير انتجاع تهتان آدابك، ولا أعوم بغير آذي فواضل انتدابك قلت له: أعلم أسعدك الله بقبض عروض علمك، ونزه عن القبض عروض بيت حسك وفهمك، أن ذو أشرت إليه وعولت في سؤالك عليه، مقام يخيم عنه الألسن الأريب ومقام يهيم فيه الأفطن اللبيب، ورحي حرب تمحق أفهام الباهرين، وسمي وسمي يسرب تغرق به أذهان الماهرين، فلست ممن يطمع في ولوج هذي المغاني وصلادم السدم تصادم صدور المعاني، أو يؤمل بلوغ هذه الأمال، ويرجى ما يورث بني الأحمال، حرارة الاحتمال، مع علمك بما أكابد من سخافة المال، وكثافة الإرمال، وتتابع الأعمال، وتتايع الإعمال، فإن ذلك يفتقر إلى رفاهية الخواطر، وطواعية الضمائر، افتقار الأبدان إلى النفس ولحوذان، إلى الشمس، ومع تيقنك أن الحريري ممن خلب ندي النباهة، بسنان لسانه، وحلب ثدي البداهة ببنان تبيانه، وجذب غرر البلاغة بنواصيها، وجدب غرر مفاصل الفصاحة ومقاصيها، فأنى يطير مع الجدل الجراد، أم كيف يجلي المصلي وقد بزه المجلي الجواد، فما أنا ممن ينازل شجعان أسجاعه، ويطاول ما زان أوزان اختراعه، ويعتلي بكاره ويقاوم، ويجتلى إبكاره وينادم: الطويل.
كما أنني لو طرت في العلم إثره ... بألف جناحٍ كلّهنّ قوادم
لما نلت من إنشاي إلا صبابةً ... أُصادم فيها خيبتي وتصادم
فحين ما أقلع عن مقاله، ولا أطلع طليعة الفكر لسد مسائل سؤاله، بادرت إلى ما أحب، ونحا عنق إرب أربه واشراب وأطلقت عنان الاجتهاد، لا عنان الجياد، واستمطرت عنان الرشاد، لا عنان العهاد، وانتجعت من لب محشو بسحوح المحن، وقلب مقلو من قروح الإحن، وهمم قصيرات من الهم، وحكم بكيات من الغم، خمسين مقامةً وسمتها باسمه، وأنشأتها برسمه، طلباً لتجويد ذكره، وأرباً في تخليد ذكره، واستخرجت سحائبها العينية وسميتها المقامات الزينية، فحين اعشوشب براحها، واغلولب إفصاحها، جاءت بعون الله معذوذبة اللعاب، مصعوعبة الشعاب، غير منثولة الجعاب، نصفين بصعاب الصعاب، ظاهرة التمكين، باهرة التكوين، ناطقةً بلسان التنوين، غير مضطرة إلى التسكين، تشتمل على كل رجب من الجد الطريف، وكل ضرب من الهزل الظريف، وكل مرصع من النثر المنيف، وكل مصرع من الشعر اللطيف، وكل زهو من المحض المليح المليح، وكل حلو من الحمض الصريح الفصيح وأودعتها من لطائف الأجناس، ونفائس الجوهر المنزه عن ثقب الماس، والجمان الناشر رمام الأرماس، والمرجان المطهر عن طمث مجاورة الأمراس ما يفوق غوارب البحور، ويروق درر نحور الحور، وضمنتها من الآيات المحكمات، والأخبار المسندات، وعرائس المذاكرات، وغرائس المناظرات، ومن العظات ما يسيل الدموع، ومن الزاجرات ما يحيل الهجوع، ومن المضحكات ما يضحك الموتور ومن الملهيات ما يهتك المستور، ومن المفاكهات ما يشرح الصدور، ومن المنافثات ما يبرئ المصدور، ومن الرسائل ما يستهل السول، ومن المسائل ما يفحم المسؤول، ومن البدائع ما يسلب العقول ومن الغرائب ما يطرب العقول، ومن الخطب اللطيفة، والنخب الوريفة، ومن محاسن الأمثال، ومعادن السحر الحلال الجلي المنثال، الخلي عن المثال والتمثال، ومن العبارات الحسنة، والحكايات المستحسنة، والمقاصد البالغة الرضية، والقواعد السائغة الفرضية، والأفانين الصادحة الأدبية، والقوانين الواضحة الطبية، ومن النكت الفقهية، والأصول المتداولة النحوية، وحليتها باللؤلؤ المنثور، وأخليتها من شطر المعمى للحديث المأثور، ونسبت مجموع ذلك إلى أبي نصر المصري، وعزوت روايته إلى القاسم بن جريال الدمشقي، ولم أرصع بها شعراً من غير نظم بديهتي، ولا نثراً من غير رقم قريحتي، سوى مصراع لامرئ القيس، وأبيات للصمة أخي الكيس في الكيس، وما خلاه فأنا فتاح مدن جله وقله وسفاح مزن وبله وطله، فقلت حين طاء طوفانها وطمى، وناء نوء تهتانها وهمىً، وانهم يم يمنها ونمى، وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى.
وأنا راج منه حصول ثمرة هذه الأمنية قبل المنية، وقبول هته الجنية، بحسن محامد النية، وأسأله الدراية لرفع الوجل والهداية لدفع خجل العجل، وترادف النصر والصبر في المجال والأوجال، وتضاعف الصدق والصدق في المقال والاقبال، وأن يجعلني ممن قلت هفواته، واقيلت عثراته، لأن عثرات الأعوجيات معدودات، ونبوات المشرفيات محصورات، اللهم قد بسطت إلى كرمك يد الانابة، فلا تردها صفراً من الاجابة، واجعلني فيما شحنتها به من المتشرفين لا من المستشرفين، ومن المستهدفين لا من المستقذفين واستر بحلمك ما وشيت ضمنها من الزلل، وأفشيت خلالها من الخلل، لعلمك أن سلامة المسهب نادرة، وندامة منادمة الطمع في ما لا تسمح به القرائح بادرة، فما نفحتها برند الفصاحة والشيح، إلا على سبيل الترشيح، وما نقحتها للفطن العليم، إلا على مهيع التعليم، ومع ذلك فلست أخلو من مسود لا يعانيها، أو حسود يستر وجوه معانيها، فيكرع عذب عهاد صافيها، ويقع في شائع شهاد شافيها، ولم يدر لقصر قوادم قريحته وخوافيها، أنه لا يضر اللجج وقوع الجيف فيه، فالله أسأل أن يبيح جلوتها لمعترف نابه، وإلا يتيح خلوتها لمغترف تائه، يتناول يانع ثمارها، ويحاول جحد بدائع استثمارها، ويظنها موضونة بضروب الاضطراب، ولم يشعر بأنها مشحونة بانصباب الصواب، وما أخاله يزيل عارض اعتراضه، لعراض أغراضه وإغراضه، ولا ينزل عن صهوة إعصافه، ولا يستنزل صيب صفوة انصافه، ولو صيرته نديمي، وألبسته أديمي، وجعلته قسيمي: الوافر:
وكم من عائبٍ قولاً صحيحاً ... وآفته من الفهم السقيم
المقامة الأولى البغدادية

حكى القاسم بن جريال، قال: شدهت مدةً من الشهور، في حدثان الشبيبة المشهور، بقفول قحط، وشمول شحط، ومخالعة اتفاق، ومراجعة انفاق، تعجز عن كفاح حربه الأذمار وتقصر لطول قدم قدم حديثه الأسمار، فحين حدقت حدق الغلل وغالت، وأحدقت حدائق العلل وعالت، واحقوقفت ظهور الملل ومالت، وظهرت ظهيرة الملل وأمالت، وتغلبت غلب المتربة وطالت وتلببت سباع المسغبة واستطالت، وشمل مزود الجلل وعم، وسمل مرود الخلل وغم، وانكدر كدر الضرر واصعوعب، وانسدر سدر البصر واعصوصب، ورفضت أحامس الفحول الذحول، واحتقرت لخوض بحور القحول الوحول، جعلت أطفو بفلك الفكر وأرسب، وأرفو فؤادي القلق وأندب، وأطرب لخمر خمر ذلك الضر الوخيم، وأعجب لا مالة ألف إلف الوطن بعد التفخيم، إلى أن زهدت في وطاء القعود، ورغبت في امتطاء القعود، فخرجت أخر في خلال المنازل، وأجر رداء الداء النازل يثقلني مقود القوداء، خروج المرة السوداء، لأرافق رفيقاً لا يفارقه نفاق، ولا يرافقه يوم أرافقه نفاق، فقدر لي القدر المحدود، والصدر الموفق المجدود، قوماً معروقين، بالزاد المستزاد معنقين، يعدل عددهم أبنية الأفعال، سوى سدس ضعفي أحرف الاعتلال، فتوكلت توكل الأبدال، وزاملت عدد الزوائد من حروف الابدال، وحين حنت الأباعر، واستوت على جودي أكوارها العراعر، أقبلنا نكلف أخفاف العجاف، مالا تطيق من الايجاف، حتى واصلت لفراق المعاهد الزوراء، وفاصلت لوصال المعاهد الضراء فقال باتك إمحالنا، والراتك برواتك ارتحالنا، هذه دار سلام المؤمنين، فادخلوها بسلام آمنين، ثم انه انحدر عن راحلته، مرحاً باتشاح حلته، فرحاً بمراح حلته، خشباً بنشيط حمولته، طرباً باطيط حمولته، فنهضنا نودعه بعقد دفع قد انهل، وعقد صبر قد انحل، وبينما أنا أفض دنان المبادرة وأختفيها، وأنض عروض المناظرة وأصطفيها، إذا صرت إلى رباط، محشود الرواتب، محسود المراتب، قد تخير صدق نيته الواقف، وتحير في حذق بنيته الواقف، فسمعت مطارحةً أعذب من الأري المذاب، وأطيب من لثم ثنايا الثغور العذاب، فتأملت شيمه وملت، وحاولت رشف شموله وثملت، فإذا به شيخ قد رثت بزته، واجتثت عزته، وأنأطرت ألته، واشتهرت آلته، وبين يديه غلام حسن الطلاوة، كالشمس في الطفاوة، يرشحه تارةً ويؤدبه، ويورحه مرةً ويهذبه، فحجبت بشحذ تلك الرقاق، عن مرافقة الارتفاق، واحتجنت بمحجن الاستراق، ما قبلني في قالب الاسترقاق ولما تمم طرف أطرابه البهيج، ونمنم نثر ثناء إطرائه الأريج، واحتنكت من حبب محادثته، ما انشبني في حبالة مناوحته واختلبت من ملح ملاحفته ما حملني على استهداء محالفته، قلت له، بعد ركود هوائه، ورقود قرود أهوائه، وصفة تمييز فضيلته، وعرفة حقيقة اسمه وفصيلته: إني لأحب أن تتخذني لحضرة محاضرتك خدينا، ولخضرة مقارضتك قرينا، ولبحار إعسارك ميناً، ولتقصار عنق اعصارك جوهراً ثمينا، فقال لي: تالله لقد سألت ما لم أك أرشح بمثله، وأملت من وفضة المفاوضة ما لم أكن أسمح بنثله، وإني لأرى وجهك مليحاً، لا يليق به الحرمان، وجيهك قبيحاً، لا يستملحه الانسان، فأين شعب رزاحك مع انتزاحك، وأين شعب مراحك مع اقتراحك، فمن صوب صدقك أس كوبا، أسقك بكأس المكاسرة أسكوبا، فقلت مستمطراً سحاً سكوبا: البسيط
دمشق واري فمذ فارقت ربوتها ... لم يبرح الدمع من عينيّ سكوبا
كأنّها يوسف في الحسن إذ خلقت ... لفظاً ومعنىً وعندي حزن يعقوبا
وجعل يروح بالحسن الملامح، على تمثال السماك الرامح، إلى أن حضرت معهما الوجار، وشكرت الجدب الذي هجم وجار، ثم لم تمض مدة من الأحقاب، ولا امتطينا مطا أكمة المحادثة والحقاب، حتى قال لي: قد عزمت على أن أشاورك في أمر وشر البشر من إذا شاورته غر، وإن عاشرته عر فقلت له: أنا ذو طوية صادقة، وروية مصادقة، فخير رهطك من سرت برياحه، وشرت بنجاحه، ونصرت بصلاحه، وبصرت باصلاحه، فقال: اعلم أن اللبيب من أهل وليده بعينيه، قبل أن يهال صعيده عليه، ورفل عديده حوليه، قبل وصول نصول المنية إليه، واني لأشتار من شهد رأيك فيه مشورةً، تبقى صحف أسجالها على مر الشهور منشورةً، فقلت له: تالله إن هذا لرأي ارادة مخضل الخمائل، وصارم عاتق سعادة مغدودن الخمائل، وأنا لك أطول ساعد، وأفضل مساعد، وأطوع باد وبالد، وأنفع من طارف وتالد، ثم إني وثبت لما أراده، وأطلعت في سماء المساعدة أرآده، وحضرنا الليل لنصف سبع، وعقدنا العقدة على تسعة أجذار سبعة وتسع، مشفوعةً من الأطباق، بعدد حروف الأطباق، ولما زفت العروس، وزفت أزاهير المزاهر والغروس، وخلت الدار من النظار، خلو المفضال من النضار، وربط ريط الدويرة، وانخرط بفرخه الفويرة، فأقبلت بعدما كمل وطره، وحمل حق الحيل وقطره أقوف أثره، وأذم مخبره، إلى أن ألفيته خادراً بحديقة، متدفقة الجداول وريقة، فقلت له: أف لفعلتك الذميمة، وتف لألفتك المليمة، فكهر وجهه وكر، وعقد ناصيته وازبأر، وقال لي: أراك تسرع اسراع السحابة المطلة، وتحنق حنق الحية المغلة، وتنغض رأس غيك الخصر، وتعرض عن تدبر قصة موسى مع الخضر، فلسنا بك من السارقين، ولا لسبابك من الوادقين، ولا لك بالمرافقين المنافقين، ولئن تجنيت وسللت ظبى ظلمك وتظنيت أن ابني ربق السرق وسرق، وترمق المرق ومرق، فأعرفه لا يعرف الافساد، ولا يتسنم الفساد، ومن أراد الفساد فساد، وأما الآن فأنا أنبئك بسبب سرقه، وتضرجه بنجيع الأشر وشرقه، ثم قال: اعلم أنها منذ حلت بداري، ورأيتها لا تدري ولا تداري، لاح من تغطرسها مخائل الخيلاء، فضربت زمام تعززها للزلة الزلاء، ثم دار ابني على خضاضها دوران المنجنون، لعلمك أن الشباب شعبة من الجنون، رغبةً أن يحج عرفة معرفة عقلها ويعود، ويعج برمى جمار جهازها ويجود، ولما وردت هذا القليب، وأردت في متجر الندامة التقليب، بادرت لأبل غلتي، وأبل من مرض هاتيك علتي، فشغلت لوجود الالتياح، وعدم الارتياح، بالماء القراح، عن حلي الأحراح، فهبط فيه مذ هبطت، وسقط في يدي ريثما سقطت، فكنت كمن حفظ الفرث وأفسد الحرث، واعتاض عن السمين الغث، والملاب الشت، وأنا أيد الله قواعد قدرك، ولا دخلت الجوازم فعل أمرك ضعيف الجلد، ولا أطيق النزول في المسد، وطفلي في الطمطام، كالسيف الكهام، ومتى نازل شوازب حبابه، نزلت زلازل النوازل بأحبابه، وأما أنت فقد زادك الله في الخلق بسطةً، فلا تبالي ان غططت في الماء غطةً، قال: فرفضت إيابي، ولظت ثيابي، وخلعت نعلي، وقذعت فعله اللي ثم انخرطت في الأشطان، وقلت: هذا من عمل الشيطان، وعند مجاوزة الظلماء ومجاورة يهماء الماء، طأطأ رأسه إلي، ثم سلم علي، وقال: احمد الله إذ ألقاك في هذا المضيق، أسوةً بيوسف الصديق، فعمم هامتك بهذا الرشا، فما أنت بأول من ارتشى، وهذا ما رمته من الرشى، على تزويج ذلك الرشا، فصرخت صرخةً حللها البكاء، وانحل لها شناق المشقة والوكاء، فسمع انسان صراخي، بعد طول التراخي، فأنقذني بيديه، ورمقني بأسوديه وأنا كآدم ذو بأس بلا لباس، كأنني ممسوس من الجنة، فطفقت أخصف علي من ورق الجنة، ثم التفت غب اليسار، وكسر يمين الميمنة واليسار، فألقيت قد كتب على التراب، وضربني بقواضب الإضراب، بعد أن كدر عيشاً صافياً، وضيع خلاً مصافيا، واستصحب قلباً جافيا، وأظهر ما كان خافيا: الطويل
تفنّن بحمد الله عريان حافيا ... وعدّعن التزويج ما دمت باقيا
فإن ساءني ما ساء خيمك خيّمت ... لدىًّ مدى الأيام قمصى حذائيا
وإني لأجني سوء ظنّي وأنضوي ... إلى خالق مخلولق لاحتذائيا
وأجعل إن صلّيت لله قانتاً ... مقيماً إمام الخمس مني حذائيا
وأُمسي واسمي بعد بزّك بزّتي ... إلى جبهة الجوزاء خوف ابتزازيا


فلا تركنن يوماً إلى ودّ صاحبٍ ... فكم صاحبٍ أصلى الصديق المصاليا
وكم مبعدٍ أضحى من العرّ عارياً ... وكم من أخٍ أمسى من المكر كاسيا
قال: فوقفت على الأبيات، وانصرفت إلى الأبيات، وأنا ذو وبال ذميم وبال دميم، أتهافت تهافت سقيم غير مستقيم، كأنني غلام فارق اللبان، وحسام طلق الجربان، ولم أزل منذ بانً، وأبان ما أربى على أبان، بعدما بعد وآن، واصلولب ولان، ألعنه إلى الآن.
المقامة الثانية الطوسية
حدَّثَ القاسمُ بن جريال، قال: رُميت عن كبِدِ قوس القضاءِ، الجزيلِ الأنضاء، الوارفِ المتاعب، الوافرِ المعاتب، إلي مدينة طُوْس، وقد طرحتُ الحظ الموطُوسَ واطّرَحْتُ الناموسَ، وحكيتُ بالحِكمَ بطليموسَ، وأنا إذ ذاك طاعمٌ وكاسي، سارحٌ ما بين سَيْنى رِياسي وكاسي، لا أحرنُ لضيقِ قيض يوارى، ولا أحذر ازدحام ضيف فيْض أوارى الواري، فتَخِذْتُ بها صَحباً اتخذوا الأدبَ دِثارا، ودارةَ القمر، دياراً، والمَرَحَ حِواراً، وزُبَدَ المزايا مَزارا، غير أنَّهم - مع مفارقةِ العُنّةِ، ومواصلةِ الأعنةِ، ومقاطعةِ مظنّةِ الظِنة، ومتابعة مُنة المئنَّةِ - أَقْحَل من الأسنّةِ، وأفلَس من رواجبِ الأجنّةِ، فوجدتُهم - بعدَ التجلِّي، والتملِّي بذلك التحلِّي: الطويل
بحوراً بلا غَوْر، بدوراً بلا دُجىً ... صخوراً بلا مَوْرِ صقوراً بلا شَكْلِ
مثالُهم في الفضل رأس بلا غِطاً ... وغيرُهُم بالجهلِ نعلٌ بل رجلِ
فبينما نحن نَدْأَبُ لتحصيل الشارع، ونطلبُ صَفيَّ المَشارع، ونحمدُ جُودةَ الطالع، بين هاتيكَ المَطالع، إذ اجتزنا بناد اجتمعَ فيهِ كلُّ مناظر أريب، وبرعَ بهِ كلُّ عُراعَرِ أديبْ، وخَزَمَ عَوْدَ عِرْفانِه كلُّ بارع لبيبٍ، وجزم وضينَ أضغانه كلُّ مقارع مَهيبٍ، ففاقَ كلَّ مربع خصيبَ، وشاق كل مَرْتع رحيبٍ، فانخرطنا في نصاحِهم، وغبطنا غرائبَ فِصاحِهم، فلحظَ أكليلُهُم زُلالَ ورْدِنَا، وأخذَ يستنشِقُ ماءَ ورْدِنا، ولمّا دار كوبُ الفَضْلِ الماضَر، وطار لعُقابِ الزُّبدِ يعقوبُ الحزنِ الناظر، وأمعنوا من ثِمارِ عُودِنَا، وأذعنوا لِزماجر رُعَودِنا، أقبَلَ يصولُ صافِنُ المذاكراتِ، ويجولُ جارحُ الجَدَلِ في حمائم المحاضراتِ، وتَطْمِسُ المحادثةُ عيونَ المَلالِ وتُخرسُ المباحثة ألسنة الكلالِ، إلى أن قرِن بقرنِ تلك القروم نظمُ المنثور ونَثرُ المنظوم فكلٌّ إلى ذاكَ آل، ورفضَ المالَ والمآلَ، وكانَ قد ولجَ في سلوكِ تيك الكُبراءِ، ومَرَج بمروج هاتيكَ الكُرماءِ، رجلٌ أنفقَ في النُكَتِ غمْرَهُ ومزَّقَ لتحصيلِ النكت عمرَهُ، وسَعَّرَ في كل بحثٍ وطيساً، وصيَّرَ علمهُ عنِ البشرِ أنيسا، وشُب فَهمه وقَدْ وَقَدَ، وحُبِّ هُجْر هَجْرهِ فقد فقَدَ، صاحبُ غاياتٍ قد انفَذّ، وجالبُ راياتٍ هِمَم فلجَ بها وبَذِّ، فقال: يا أخوة الفِطَنِ، وصفوَة الزمنِ، هل سمعتم بمنظوم سُبِكَتْ حروفُه فعادَ منثوراً مفهوما، أو منثورٍ أخُذَ بكمالهِ فصار في
العَروض منظوما، ظَعوناً بالسيادة، مصوناً عن النقص والزيادةِ، فإنَّ سَلْب المعاني غيرُ مبتكَرٍ، وسَلْبَ الحروفِ شديدٌ غيرُ محتَقَر، فقلنا: لا ومن طرقَ بالاَ إفضالِه الأوّادْ ونطقَ بشُكره لسانُ الأزمنةِ حين سوَّاه فإنَّ ذلك مما تثُور به البرَحاء، وتبورُ لكفاح حروبهِ الفصحاءُ، ولم يُسْمَعْ بمثلهِ منذ كسا أدمَ آدمَ الوَرقُ، ودعا الفضلاءَ لأبوابِ الغباوةِ الوَرِقُ، فهل في عُرام علمكَ الجرَّارِ دُر من هذا الأسلوبِ، أو غمام عَزمِكَ الدرّارِ دَرٌّ من ذلك الشؤبوبِ، فقال: لا ولكن نَشيمُ برُوقَ القرائِح لهذا اللائح، ونُديمُ خُفوقَ الفِكَرِ الفائح لهذا السيلِ السائح، فمن ابتدَعَ منهُ شيئاً، جعلنا له من أموالنا فيئاً، قال: فرفلنا لذلك الإشعارِ، في فَدافد الترسل والأشعار، وأرقلنا بذلك الإسعار، لمعرفةِ ارتفاع القيَم والأسعارِ، فعُدنا من تحتِ ذيَّاك الغُبارِ، ومكابدةِ الاختبارِ، وقد قادنا أقرادنا وأبادَنا اجتهادُنا، وانكشفَ ذلك الضَّبابُ، وانكشف ذلك الضبابُ، واعترفنا بمعالجة عَوْم عسير، مذ اغترفنا بمَتْح كَفِّ كُوع كسيرٍ، وإذا بشيخ قَد نهض من طُرّةِ الطّراف، متضائلَ الأطرافِ قد احدودبَ ومالَ، وسئم، سِربالَهُ الأسمالَ، وانتشر من ثَمَر قوّته ما صنف وانعطفَ من بَطَر نهضته ما تثقفَ، فلمّا حاذى السماط، وخلعَ نعلهُ الأسماطَ، دب دبيب حامل، وحيّا تحية خاملٍ، وقدَّم اعتذارَ فاضلٍ، وتقدَّمَ تقدُّمَ ناضل مناضلِ، وقال: يا هجَانَ الهِجانِ، ورجانَ الرِّجانِ، وجُمَانَ الجمان وأساةَ زَمنىَ الزمان، أعلمُكم أنّنَي ولجتُ ناديَكم، وكنتُ بهذه الساحة ساديَكم، فربضتُ بأطرافِ الذَّلاذلِ عندَ مطافِ الأراذلِ، خاطباً حبائبَ فوائدكم، لا طالباً خبائبَ موائِدكم، ولعلمي بأنَّ عيصَكم أفضلُ الأعياص، دخلتُ عليكم دخول الميم الزائدةِ على الدِلاص، ولم أر زعيمَكم بالاقتراح، إلاّ كمَنْ يبغي اجتماعَ النار والراح، أو كمن يستجدي العداء من الغربَان، ويستهدي الغذاءَ من الغَرثانِ وقد كنت حين خَبَتْ سيولُ أذهانكم، وكَبَتْ خُيولُ رِهانِكم، ونَبت سيوفُ أفهامِكم، ورَبَتْ زُيوف اهتمامِكم، أغضى على قذى احتمالِكم، وأمضى في أذى احتيالِكم، فلما تمزَّقت أهباؤكم، وتدفَّقتْ أعباؤكم، نهضت هِمّتي نهوضَ السوذنيقِ لعجزِكم عن ركوب نيقِ ظَهْر ذلك الفنيق، وقد تحتم التقدّمُ لهذا الحال، تحتَّمَ تقَدم مالا يتصرفُ على الحالِ فانظروا إلى عَسيب حرفتي لا عسيب حِرفتي، وقشيب حلّتي، لا قشيبَ حُلّتي، وصميم خَلَّتي لا رميم خِلَّتي، فمن قنعَ بملاحةِ غِمْدِ عَضْبه، فاتَهُ الظَّفَر يومَ حلولِ حربه، وإياكم والاحتقار، فإنّهُ يورثُ البوارَ، فلما قَدَ ما قدَّم من كلامه، وجدَّ ما جدَّ من جَموم جمامه جثا من وسَطِنا أوسطنا وأنشطنا للطلب وأضبطنا، وقال له: يا صاحبَ الصّدف المملوءِ بالصَّلَفِ، وكاسبَ الشرف العاري عن الترفِ، إنْ أتيتَ مما ارتويتَ بما حكيتَ، كان لك منا ما أوعيت لما وعيتَ، وإن أبيت عمّا عنيت إذ ادعيت، ساءك خَسْر ما اشتريتَ بما شريتَ، وضُر ما أفديت مذ افتريتَ، وإن شِئتَ خوّلناك أجملَ لباسنا، وأكمل أفراسِنا، وهو أشرفُ قَبولا، وأمتُن سولاً، وأحسنُ هدى ونسولاً، وللآخرة خير لك من الأولى، ثم قال له: اعلم أنني تصفحتُ أمس كتابَ الحماسةِ، العالي على العقيانِ في النفاسةِ، فأطربني منه قَولُ الصمةِ الكئيب، الواردُ في أولِ باب النسيب، إذ تجللَ جَوادَ المجالِ فجالَ، وتقلقلَ لمقانبِ الانتقالِ فقالَ: الطويل:
حننتَ إلى ريّا ونفسُكَ باعدتْ ... مزارك من ريّا وشَعباكما معَا
فما حسن أن تأتي الأمرَ طائعاً ... وتجزعَ إلىْ داعي الصبابةِ أسمعا
قفا ودِّعا نجدا ومَنْ حلَّ بالحِمى ... وقلَّ لنجد عندنا أن يودّعا
ولمّا رأيتُ البِشرَ أعرضَ دونَنا ... وحالَتْ بناتُ الشوقِ يحنن نزَّعا
تلفت نحو الحيِّ حتى وجدتني ... وجِعتُ من الإصغاءِ ليتاً وأخدعا
بكتْ عيني اليُمنى فلمّا زجرتُها ... عن الجهل بعدَ الحِلْم أسبلتا معَا
وأذكرُ أيامَ الحِمَى ثم أنثني ... على كبدي من خشيةٍ أن تقطّعا


وليستْ عشياتُ الحمى برواجع ... عليكَ ولكنْ خَلِّ عينيك تدمعَا
فقد اخترت أن تحصرَ حروفَ هذه القصيدةِ السديدةِ، في رسالة تدلُّ على المقاطعة الشديدةِ، فقال له: تاللهِ لقد رمت الحبَبَ من سَحوح، والخَبَبَ من سَبوح، والانسجامَ منْ الغَمام، والإقدامَ من المقدام، ثم إنه أطرقَ لاستدعاءِ أبكارهِ، واستهداءِ تحَفِ ابتكاره، والعيونُ محيطةٌ به إحاطةَ النطاقِ بالخَصر، والعِتاقِ بالحَصْر، فِلما حرَّرَ ما صنع، وجَرّز أذيال ما اخترعَ، قال: اكتبوا ما تسمعون، واسموا ما تسمعون، وستذكرون وتشكرون، وها هي ما أملي وتسطرون: عَرفُ أدب الحُلاحل العَليِّ، الناميِّ الرضيِّ، أمجدَ اللّهُ رأيَهُ وسرمدَ، وبرعَ باعُ عزيمتكَ وأيَّدَ وعًنّ عن معانكِ عِنانَ الإحَن وشرَّدَ، سامٍ على طيبِ المَلاب الذكيِّ بل الأناب الأرج التنكتي، ولآيةُ أنيقِ خطابكِ الجنيِّ أحسنُ مِنَ الدُّرًّ السنيِّ، فَلمَ سحَّ بُعْدُ ازديار منادماتكَ، واشتدَّ زَنْدُ عِبْءِ صَدّك، غِبَّ انتجاع مناشداتكَ، مَعْ تحقُّقِكَ أنَّ خيرَ ما نجعَ مُزْنَةُ وَلاءِ، وأحقُّ ما تُوِّجَ تاجُ صفاءٍ آلُ إخاءِ، فعييت عن عَنَنِ حنين وحيت، وشيع شياح تتعتع عانيتُ وما جنيت، ولو حويت من العَياء ما حويت، لثويت مِن أعباءِ العناءِ فيما ثويت، قال الراوي: فلمّا رصفَ ما رصفَ في مكاتبته، ووصفَ ما وصفَ من معاتبته، ونَجزَتْ سحائبُ فكريه، ونَجَزَتْ غرائبُ مألكتهِ، طَفِقَ القَومُ يحصونَ حروفَ كلماتهما، ويستقصون في فحص محكماتهما، فحين استُحسِنَ التساوي، وتيقَّنوا عدمَ مساجله والمُساوي، أنغَضوا رؤوسهم من العَجَبِ، واضطربَ طِرافُهم من الطَرَب، وقالوا: إنَّ هذا لبديعٌ حَسَنٌ، وبَديغُ تيقُّظٍ لا يُسامرُ إنسانَه وَسَنُ، ولا يخامر يفن افتنانهِ أفن، فهل تقدِرُ على أن تعيدَها أبياتاً، وتجعلها لكمالِ حروفها كِفاتاً سنيةً في الروى والوزنِ، منيةً لمصادمةِ الشامخ والرزن، جليةً في الإذاعةِ والحَزْنِ، خَليّةً من الخلل في السهولةِ والحَزْن، أتيةً في الإقامة والظَعنِ، أبيةً عند طعنِ ذابل الطعنِ، فإنه أصعب وأصلف، وأعذبُ وألطفُ، إذ النظمُ حال بحَلى العَروض، والنثرُ خالِ من المخبونِ والمقبوضْ، فقال له: وايمن الله عندي صرام لخلال خلالك، وضرامُ لإضرام سَيَال سؤالك، وانسكاب لانبساط راحك، وشهابٌ لإحراق شياطين اقتراحك فإن راقكم فاحفظوه وحفَّظوه، واحتفظوا به ولا تُحفِظُوه، وها هو فاسمعوه وعُوهُ، وإن أبيتموه فدعوه ودعُوه: الطويل
أنيخا يمينَ الحيِّ في الجزع واسمعا ... بكاء يُعيدُ الطودَ دكا مصدّعا
وإنّا ونثّاهُ اليمنى وحدِّثَا ... عن العَيِّ لما انهلّ حين تشيّعا
ولم تنسني حينَ ارتحلنا وبيننا ... أنينٌ أطال الخلو مني التوجّعا
فجاءتْ بقدّ قيدَ رمح وخَلْفها ... جَنان على تلّ من الكور أتلعا
فشَقّت شَعاعا عن شُعاع وأبرزتْ ... بنا كلكلاً حاكى لُجيناً ممنَّعا
ونصت براح عن بَراخ وكلَّمَتْ ... بذي ترف حازَ الملاحة أجمعا
وعضت بدر عندما غبّ أن سقَتْ ... من النرجس الوسميِّ ورداً تمتّعا
وجئتُ إلى التشييع كَدًّا وعزّني ... حميمٌ أبادَ الكِبْدَ منِّي تتعتُعا


فلما شرف بإشاراتهِ النّطاف، وأطرفَ بتنبيهاتهِ اللطافِ، وأفادَ أسماعَنا وفادَ، وأستادَ عقائلَ انتقادنا وسادَ، أُفرغ لديهِ من الولاءِ أصفاهُ، وأحضِرَ إليه من الحِباءِ أضفاهُ واعتبرتْ حروفهما اعتبارَ إتقان، فكانتا كفرسيْ رهان، ما نقص حرف ولا زاد، ولا أخطأ المرادَ، فقالوا له: إنك ومستحقّ التبجيلِ والتمجيدِ، لكالأنفحةِ في التحليل والتجميد، فحينَ حقّقَ إقبالهم عليه، وتحقَّقَ انثيالُهم لنصاعةِ صناعتيه، قال لهم - وقد تأثّفوهُ واستوكفوه، وفاض بالدررِ فوه - : يا مطارف الهوف وصياصي الملهوفِ، اخلعوا الخز، واترعوا البزَّ، وارفعوا العزَّ والبَزّ فمن عزّ بزَّ فأحضروا لحكمهِ المِحضيرَ، واستحضروا لهُ النضيرَ، وشكروا لفظَه المشتارَ، وجاءوا إليه بما أشارَ ليشتار فبادرَ إلى إنهائه، وغادرَ كلاً بإهابهِ والتهابه، وانثنى يستصحبُ الحقّ، وامتطى الطِّرفَ الأحقَّ وانتهز الفرصةَ بسكرِ مواتٍ، وأحرز من العسجدِ جذر تسع مئاتٍ، قال القاسم بن جريال: وكنتُ حينَ كفتَ خروقَ أطمارهِ، وانكفَتَ إلى شُموس المجلس وأقماره، أمعنُ لمعرفتهِ، لأعرفَ نكرةَ نُكرهِ من معرفتهِ، إلى أن ظهرتْ ظواهرُ ألفاظِه، واستظهرتْ جواهرُ استيقاظهِ فعلمتُ أنهُ أبو المصريّ، غوّاُص اللآلئ، وقنّاص أبناء الليالي، فهممتُ عندَ ذلكَ بمجازاته، واسترجاع إجازاته، لأرحضَ عني الونيم، وأنتهبَ النهدَ والنيمَ وأدركَ منه الثأرَ المُنيمَ، بَيْدَ أني كرهتُ انطفاءَ ضَوءِ قمرِ قدرهِ، والانكفاءَ لاستردادِ ما وقعَ في قدره، وعفْتُ انتشار فواحشه في الأحشاء، وادكَرت ما ورد في إفشاء الفحشاء، ولمَا حصلَ على زُييته وحَوْصَلَ لحواصل بيُتْه، وتوشَّح بوشاح النجاح، وترنح ترنحَ الجحفل الجحجاح ملْتُ إلى إيثاره، وتتبُّع آثاره، وجعلتُ أنحُوهُ كاللصِّ المحصور، والصلِّ المصحور بعد أنْ هوَى هويَّ الصقور، بين القصور، وصافحتْ أكفُّ لحَاظنا يد ققائه الممدود المقصور، فحين قَرُب من عرينه، وكادَ ينقلبُ إلى قرينه، نظَر إلى نظر الصِّيد، أو الموالي بالغَصب إلى العبيدِ، وأقبَل يتمزَّعُ منَ الحَرَدِ، ويتوقع فري إفساد ذلك البرد، وجعل يتعامس علي، ويثب ويثيب أبي وثاب إلي فقلت له أقسم بمن خصك بخصال القليب إنّك لصاحب يوم القليب، فقهقه لارتجال قوافيه، وعجاج سوافيه، واختصرت على تلافيه لما تلافيه فقال لي: يا بن جريال، لا تقنط لدفع ما هر، ولو اسمهر، ولا تسخط لشرب ما أمر، وقد مر، فأعرفك السليم السليم، الشارب بيد الحميم الحميم، فقلت له: انتصف من اعترف بما اقترف، عفا الله عما سلف، فأغمد لصحفي النصال، وضارع القصال، وقصد الانفصال، ومال لجذم الصخب وصال، وأنشد بعدما سكنت ألوية بطشه وعصائبه، وبركت ركائب طيشه ونجائبه: البسيط
واحفظ وصية من أوصاك معترفاً ... أن الزمان جزيلات عجائبه
لا تفرحن بما أوتيت من نعم ... فربما عاد في الموهوب واهبه
واصبر إذا نزلت كرهاً نوازله ... إن الصبور عزيز عز جانبه
واركب مع العفو طرفاً لا يعارضه ... يوماً عثار فإن الحر راكبه
والبسْ ثيابَ الحجى والحِلْمُ مُدَّرِعاً ... دِرْعاً تجولُ على العَليا مساحبُه
وَخُذْ مِن الورد ما يكفيك من ظمإ ... وخَلِّ بعدكَ كي تَصفُو مشاربُه
وارحلْ إذا كنتَ في الأقوام مطّرحاً ... واترك حِجاك بلا شَوق يجاذبهُ
وعدِّ نفسَكَ عن باب اللئيم فما ... يدنو إليكَ بما ترضاه حاجبهُ
واخفض عدوّك لا تنصب مصادرَه ... لا انْجَرَّ جازمه، واعتل ناصبُه
قال: فلما فَرَغَ من مفيدته المُزهرةِ، وخريدته الخيّرة المبهرة، قبضَ يدي قبضَ البازِ وتملّق تملّقَ الخازبازِ، ثمَ إنّه اعتذرَ لفراقي، وابتدرَ إلى عناقي وأمطرَ حيَّ شؤونهِ، وأظهرَ خبيّ شُجونهِ، بعدَ أن تململَ تململَ الحَبْر، وتذلَّلَ تذللَ الجَبْرِ، ومسخَ صورةَ الغَدْرِ، ونسخَ سُورةْْ الغَضَبِ، منْ مْصحَفِ الصَّدْرِ.
المقامة الثالثة اللاذقية

أخبر القاسمُ بن جريال، قال: نويتُ مفارقةَ اللاذقيةِ والأقرانِ المُماذِقيَّةِ، لغَلبة غلباء، وسَنَةٍ شَهباءَ، ما لمعَتْ لها بروق، ولا لمعتْ بها لاقحٌ ولا بَروق، وكنتُ في تلكَ المجاعاتِ، وتهافتِ الجماعاتِ صاحبَ صِبيةِ، ومصاحبَ صَبْوةٍ وصَبيةٍ، أربحُ من لَببِ اللُبابِ، وأبرحُ عن سَبَب السِّبابِ وأرمحُ لِعُبابِ العيابِ، وامرحُ في ثيابِ الثوابِ، ما عُرِفَ لي تُفُوه، وأنا مشفوه المشارب مشفوهٌ، فحينَ نجِمَ دخان خضرائها، وأنجمَ دخانُ غبرائها، وانجزمَ نسلُ نسائها، وانجرمَ النسلُ بأرجائها، وصهَرَ حَرورُ يوحِها، وهصَر بفودي الإفادة ماء طوفان نوحِها، منحتها مُرَّ الطلاقِ، ونفحتُها بانطلاق المطلاق، واحتلست مطية فاحمة الأطمارِ، متزاحمة الاختمار، مائلة عن النفارِ، عادلةً عن العثار، مبرّأة من البُرى، مفدّأة في السُّرى، لا يناهزُها الإرزام، ولا يُجزّ حَيزومَها الحزامُ، تَزْفِنُ لشدّةِ الاضطرابِ، زَفْنَ الشاربِ لنشوة الإطراب فأبرز الرايسُ شُرُعاً كان أنشأها، وأحكمَ إتقانها وأنساهَا، وأصبحَ مَصافحَ مجراها ومرساها، وقال: اركبوا فيها، باسم اللهِ مُجراها ومُرساها فلم تزل تنازل فوارسَ الأهوالِ، وتغازلُ عوائس الأوهال، وتجانبُ جحافلَ الإجبالِ وهي تجري بهم في موج كالجبالِ، حتى شرِبنا كؤوسَ السعادةِ الكِسرويّةِ، بأكفِ معالم الإسكندرية فولجتها وأنا من الميدِ كالمجنونِ، والقيظِ كالمفتون، فأقبلتُ أتقلقلُ لمفارقةِ الرفاقِ، ومرافقةِ الفِراق، إلى أن وقفتُ بالجامع ذي السوائر، وقفةَ الحرونِ الحائر، فألفيتُ غِلمةً واكفةَ الشؤونِ، ونسوةً منشورةَ القُرونِ، وعتاقاً مقلوبَة السروج، ونياقاً مكبوبة الحُدوج فقلت لمنحبٍ واقفٍ، ومكتئب لحنظلِ التحرق ناقفٍ: ما هذا الفَرْيُ الفظيعُ الواقعُ، والشَّرْيُ الشنيعُ الناقعُ، الذي ميطتْ له البراقعُ، وعجزَ عن إصلاح. خَرْقهِ الراقعُ؟ فقال: إنَّه قد دَرجَ صاحبُ دِيوانِ الوزارةِ، المشهورُ بحسنِ الإشارةِ، ذو الضيفِ والقِراع، والسيفِ واليراع، والخلّةِ والخوان، والجِلَّةِ والجفانِ، فقلت: تاللهِ لا أزالُ أو أذوقَ بعدَ حُور محاوراته، مُرّ مُرار مواراته، فإنَّ استماعَ العِظةِ مصقلة للقلوب، واتّباعَ الجنائز مَرقلةٌ عن الزلل والحوب، ثم إنِّي ولَجتهُ وعلوتُ بعيرَ العِبَر، وحدجتهُ فوجدتُه مغموراً من الغاشيةِ، مسجوراً من الغاشيةِ والماشية وبين تيكَ الحِزَق، وهاتيك الخِرَق، وُعّاظ تلبوا للعَصَبْصب الشديدِ، وترتبوا ترتيبَ أسماءِ التأكيد، فابتدرَ واعظٌ أفصحُ من قُسِّ المقالِ، وَأرجحَ بالارتجال في ذلك المجال، فدنوتُ لقبض عقاص تلك الخِلاص، وفضِّ عِفاص ذلكَ الإخلاص، فكان مِمّا رعيتُه بالاختصاص ووعيتُه من خَصاص الخِصاص: ابنَ آدمَ إلامَ تعومُ في بحارِ هفواتِكَ، وتقومُ لقطفِ ثمارِ خَلواتِك، وتكرع من فراتِ الآثم، ولاَ تركع لردع زفراتِ المآثم، وتُنْظِرُ إصلاحَ حالِكَ، ولا تنظِرُ سوادَ ذنبِكَ الحالِك، وتحكي نفيسَ مالِكَ، ولا تبكي لخسيس آمالِكَ، وتمنعُ من فضولِ غَمرِكَ، ولا يُطمعُ في أفولِ غِمْرِك، وتركبُ وتصيدُ، ويُلثمُ لكَ الوصيدُ، ويجبى بك الحَصيدُ، وقد انقرضَ آباؤك الصِّيدُ، فلا يردعُك الواعظ، ولا تخدعُك المواعظ، ولا يرفعُكَ فعلُ مَليحةٍ فتغنمَ، ولا ينصُبك تمييزُ قريحةٍ فتعلم ولا يخفِضُكَ خافِضُ فضيحةٍ فتندمَ، ولا يجزمكَ جازمُ قبيحةٍ فتسلم، وَيْكَ أما تفزعُ من ركاب حَيْنِكَ، وتجزعُ من ارتكابِ مَينِك وتَقلعُ شجراتِ شَيْنِكَ، وتُقلع عن شهواتِ عَيْنك، تاللهِ إنَّ الموتَ ليشذِّبَ موادَّ سعيكَ، ويقرّب نُوادَّ نعيكَ، ويبلقعُ خَدور مغانيكَ، ويقطِّعُ صدور غوانيكَ، ويقلِّم قدودَ أعوانك ويكلّم خدودَ إخوانكَ، أتخال أن تمنعَكَ حصونُكَ إذا آنَ منونكَ، أو ينفعَكَ مخزونُكَ، إذا استعبَرَ محزونك، أو يرحمَك آلُك، إذا حان سؤالُكَ، أو تعصمُك أقيالُك، إذا أدبَر إقبالُكَ، أو ينصُرَك سُوْرُكَ، إذا اخْتُطِفَ مَيسوركَ أو تسترّك ستورُك، إذا انكشفَ مستورُك، أم تحسِبُ أن سيسعدُك أودّاؤك، إذا فُقِدَ دواؤك، أو يعضدُك عبَّداؤك إذا أعضلَ داؤك، أو تجبرُك وعودُك وعودُك إذا انحسمَ وجودُك وجودكَ، أو يذكرُك وصفاؤك وصفاؤك، إذا انقطحَ وسناؤك وسناؤك، فأنَّى تفوزُ وأنتَ عن منهج الحقّ جانحٌ، أم كيفَ تجوزُ مفازةَ فوز ما سنحَ لك بها سانح، تطفحُ بخلٍّ من هناتِكَ، ولا ترشَحُ لّخلٍ من هباتِكَ، وتفرَحُ بربيع ظابَك ولا تترحُ لخريفِ انقضابِك، ففي غدٍ تُلدَمُ بكفِّ مساورة تُرابك، وتَسْدَمُ لسَورةِ مسامرة ما تُرابكَ، فحتَام تخلوِ بمخازي خلائكَ، وتجلو بدائعَ البدَع لمُختالةِ أخلائكَ، وأنتم أيها الغافلون بلباس الدنس رافلونَ، فسوقَ الفُسوقِ تفتحون، وسَوْق الفَسوقِ تربحون، ومنهاجَ الكسلِ تَطُون، وأثباجَ المَلَلِ تمتطون، وقَعودَ القُعودِ تركبون، وجَمودَ الجمودِ تصحبونَ، فآلَ الاحتراثِ أما تشبعون، وإلى الأجداثِ ما تشبعون، أفلا مِنَ الموتِ تجزعونَ؟ ولا لخبَبِ خيولهِ تَخشعون، فعن قريب تَزارُ ليوثُ الوَجَل فتجأرونَ وتمطرُ غيوثُ الإغاثة، فلا: تُمطَرون، وتطلعُ شُموسُ المكاشفةِ فتأفلونَ، وتطفو سَفينُ المحاسبةِ فترسبون، ويُبرقُ برْقُ الموافقةِ فتبرقون وترشَقُ قُذَذُ المناقشةِ فتُصْعقُون، أتظنون أنكم تَسلموِنَ، إذ تُسلَمون أم تَطمعون أنكم تُمْهَلونَ حينَ تُهملون، أو يرقأ دمُ الندم يوم تهلعون، أو يدرأ الحُطمة الحُطامُ الذي تجمعون أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون ثم إنهُ أنشدَ أهلَ مُصابِه بعد نَصِّ لِيته وانتصابِه: الكامل:
لا تحزنَنَّ مدى الزمان وصَابه ... واصبر لما أولاكَ من أوصابهِ
وتدَّرعَ الصبرَ الجميلَ فإنَّه ... دِرْعٌ تقدَّسَ ربُنا أوصى بهِ
وتيقنن أن الزمان لجهله ... سكران فاجيءْ حربَهُ أو صابِه
واعلمْ بأنَّ حِمامَ نفسِكَ واردٌ ... في شهد مَشربِكَ الجني أو صابِه
قال الراوي: فلمّا سًدّ أدعيةَ عظاته، وشدَّ أوعية مبكياتِه، أتحفَ بهبةِ جميلة، وأسعفَ بجُبة جليلية، فَجَعل يَتَخَنْدَفُ للمَع فُصوله، ويتغطرفُ لمنتَخب محصولهِ، ويتطلّسُ لمفصَّلهِ، ويتغترس باقتناص مُحصَّلهِ، ثم أخذَ بعدَ جزالةِ جزائِه في شُعَبِ لُغيزائه حتى خرجَ منَ القوم خروج السقْب من سَلاهُ، والنَّدْبُ عمنْ قربَه وسلاه، وأنا خلفَه أخضب مشيب مشيتي، بَكَتم كَتْم حِسِّ وطأتي، إلى أن طرقَ بابَ حديقةِ بعيدةِ الأرجاءِ رغيدة الأفياء فبرزَ إليه فتى ألطفُ من اللفظِ اللطيف، وأقضفُ خصْراً من القُصْنِ القضيفِ، وقال له: ما الذي عافاك،وباعدَ قفولكَ وملقاك، وأنهلك عُقار التقاعس وساقاك، حتى توَّقفَتْ قدماً قدومك وساقاك، فقال له: تأخّرُ وقيص احتيالي، وبطءُ دخولِ قنيص حِبالةِ محالى وبعدَ ما استبعدَ الغلامُ الأجلَ، اطرَّح الشيخُ الخجَلَ، وأغلقَ حُرْجُولَه وارتجل: الطويل
خليليَّ لولا حيلتي ونخيُّلي ... على الناس لم أبصرْ مدى الدهرِ واهبا
ولكنّني أسعى بكل فضيلةٍ ... وأضربُ شرقاً في الورى ومغاربا
وأنصُب نصب النصب في كلِّ مَنْصب ... وأجعلُ خيلَ الختل فيه مخالبَا
وأطردُ طِرْفَ الطّرفِ فيَ كلِّ طُرْفَة ... وأعطف عطفي للمكاسبِ كاسبا
فطوراً تراني في المجالس واعظاً ... وطوراً تراني في المنابر خاطبا
وطوراً تراني في المحافلِ شاعراً ... وطوراً تراني في الجحافلِ راكبا
وطوراً تراني في الجوامع قارئاً ... وطوراً تراني في الصوامع راهبا
وطوراً تراني في النوائبِ واهباً ... وطوراً تراني في الكتائب ناهبا
فهذا شِعاري ما حِيَيْتُ لأَنَّني ... وجدتُ بياضَ الفضلِ في الجهلِ راسبا


قال القاسم بن جريال: فحين فاهَ بجليَّةِ حالهِ وتاهَ بسريّةِ مِحالهِ في محُالِه، أيقنت أنَّه المصري بلبلُ بُستانِ السرور، وقُنبلُ محراب دهاءِ الدهور، ولمّا علمتُ بقعودهِ، وقرِمْتُ إلى اختبار عُوده، صرتُ بينَ أقنانه لافتراع فرائدِ افتنانه، فألفيته بين مِزاح يَموجُ، وأقداح تَروجُ، وأغصانٍ تنوع، وحوْذان يضوع، وغِناء غريب، وغَنَاءِ رغيب، وكِباءٍ رطيب، وخِباءٍ وطيبٍ، فعِفت سربالَ التدلس، وعرفتُ ما ذكر في جرِّ جلبابِ التجسس، وندمتُ على تحلَّيتُه، وقدِمتُ إلى ما صنعتُهُ فلحيتُهُ وكرهتُ أن أكون بعدها قريباً رقيباً، أو اجعلَ عِرْض كلَ منْ وجدتُهُ بالأدبِ رحيباً حريبا.

المقامة الرابعة الشينية
روَى القاسمُ بن جريال، قال: ألفت إيّان نهابي، وإبّانَ طَراوة إهابي، وإجتلاءِ حَبابي، واختلاءِ أفانين لُبابي، مداومةَ السِّفار، ومنادمةَ الأسفار، وانتيابَ المخارم، واجتنابَ المحارم، وأنا - مع مناسمةِ السَّرْو الساكب، ومُكاسرةِ السأو الكاسب - ذو حَدِّ غير محدود، وخَد غير محدود، ما خالطَ مسكَ فوديَّ كافورُ يُهاب ولاَ خامرَ مِسكَ جنبي فضول تعاب فلم أزل أضارع نعامى، وأجعل الخبب طعامي وأسير بالدو الدامي، وأصير النخب إدامي، إلى أن أدتنى شحوة الشحناء والقتنى مناسم العنس العنساء، إلى نواحي البصرة الرعناء، فألفيت حياً موسوماً بالسباء، محسوماً عن الاستباء، فأرخيت إليه زمام التقريب، وقد مالت الجونة للمغيب، وكنت خشيت شدة الاضطرام، وازدحام حام الظلام، لعلمي أن هذين إذا حما أشد من التشنج بعد الحمى، فلما دلفت إلى باحته، وكلفت بعظم مساحة ساحته، وجدته أعظم حي، وأنا كالميت في صورة حي، قد غادرتني أوجال السفرة الحجون كالعرجون، وأوحال الحزون كالمحزون، فوقفت محني القرى ألتمس المبيت وعقرى، فأقبل إلى ألطف عبقري، في أنعم عبقري، وقال لي: مرحباً بك من منادم، وصادم صر مصادم، هلم لنكرم مثواك، ونختم المسرة بمسراك، فعندنا أشرف فئة، وأكرم إبل مدفئة، وطعام مركوم، ومدام، وكوم، ومن المحاضرة الإنشاء، ومن المسامرة ما تشاء، قال: فاستويت بعد جلوة منته الحسناء، والاستصباح بسنا مسايرته والسناء، ومزايلة جوانح الوجناء، على روضة روضة إفضاله الغناء، فجعل يسير وعندي الخجل اليسير، وأنا خلفه أسير، ولفضل سعيه الأسير، وحين حللت بحوائه ورفعت بين العرب ألوية ثنائه أشار إلى كل مشارف، بإحضار شارف، وإلى كل قريع، بنحر نحر قريع، وإلى الرعابيب بقضب الرعابيب، وإلى الطهاة بالإنضاج، وإلى السقاة بالإزعاج، فلما قدمت القدور، وبادرت إلى المعازف البدور، وتقدمت الخمور، وجعلت العبدان عندها تمور، أمر بقدوم إخوانه إلى خوانه، وحضور خزانه لا حضار خزانه، فظلنا بين شدو ونشيد، وشاعر مشيد، وداعر نجيب، وذاعر مجيب، تجانبنا جنائب المجانبات، وتحاببنا حبائب المحاببات: الطويل:
وبتنا نشاوى من حديث كأنه ... جنى النحل مقطوب بريح القرنفل
لطيف أو الراح المشوب بعنبر ... يخامره طعما شهاد وفلفل
وملنا إلى الأضواء نرتع في الدجى ... بروض سديف كالقطن المفتل
بكل صبيح مع فصيح كأنه ... سحوح سحاب مسبل أي مسبل
تراه ربيعاً في المحول وموئلاً ... مع الخوف حتى الدهر زاداً لمرمل
وكل قؤول للقريض مبرز ... على كل نظام جميل مجمل
ترى عنده قس الفصاحة باقلاً ... وشمساً كنبراس وليثاً كتتفل
كذا عنده أوس بن سعدى وحاتم ... وأهل الأيادي مادر في التطول
شديد لدى شد الكماة مكرم ... كريم المحيا منزل حيز منزل
يتيه على من تاه قدماً بقوله ... قفا نبك من ذكرى وحبيب ومنزل


قال: فلما لاح مصباح الصباح، وفاح ريج رواح الصباح، طفقت أثني بلسان مقتي، وأنثنى لامتطاء ناقتي، بعد أن خزمتها، وشددت العيبة وحزمتها، ثم إني ركبتها، ومددت وضينها وركبتها فقال لي: لن تذهب ومن عرف المصيف، وشرف المضيف، وحمد محاسن اللين، أو تذهب شدة أحرف المد واللين، فأقبلت أتردد في إهمال الإمهال، تردد إن المخففة بين الأعمال والإهمال، وعند جنوح الترجيح، وسنوح قد الإقامة الرجيح، سرت سيرورة الإعجال، إلى تلك الحجال، وطرت طيرورة المعجال، لمجاورة الرجال، ولما آن وقت العشاء، وحان حين حلب البوازل والشاء، أقبل ذو عمامة قفداء، على مطية ربداء مرثومة المناسم، تسيل سيل السيل الراسم قد ملها النطيح مما تطيح، وبلها المسيح مما تسيح، وبيده اسمر كشف المحبوب، أدور من الماء المسكوب من فم الأنبوب، وقد أوثق لثامه حذر حروره، وأطلق زمامه لإسراع عيسجوره وأمامه غلام قد نزل عذاره وانخزل ذراره، على صافن سحوح محبوك الجوانح جموح، فلما ورد سوح السرادق، وتورد دلوح تهتانه الوادق، رفع يده وأطلع من وطاب الطرف زبده، وقال: يا رباب الرباب، وأرباب الأرباب وعوان الخطب الخطير، وأعوان العاني القطير أين أميركم؟ ومميدكم ونجيبكم ومجيبكم، ذو يتطول في اللهيم، ويعول على معاليه في العويم، قال الراوي: فأرسله القوم إلى صاحب خبائنا، ومجمع اختبائنا، فلما وقف برحابه، ووكف سحوح نحابه، وهمر قطقط قحابه، أبرز رجله من غرز ناقته، ووضعها على نمرقته ومضى في إظهار ساتره، وشور إليه بشناتره، وقال السيد السكوب، السند الكسوب، السابق النسيب، السابق الحسيب القسور، السفاح الأسور، السحاح الباسل، السني الناسل، السرى المداعس، الخميس المنافس النفيس المستأسد السديد المسعد السعيد، أسعد السلم سراء سيادته، وسرمد سراء سعادته، وأسبل سربال حماسته، وأرسل مرسلات حراسته، وسدل ستور مسرته، وسجل سيب انسكاب سورته، وسمل بسداد سيرته، وسمل إنسان حسدته، بمسبار حسن سريرته، أسح سول، وأسمح مسؤول، وأحمس حابس، وأشمس سائس وأشوس فارس، وأشرس ممارس، وأسد خيس، وأسد خريس، وحاسم رسيس وطاسم وطيس، وسمع فرسان، وسمع سلطان، وحسام مسحوت، وانسجام سبروت، وسرد لحاسد، ودرس لساحر، وسلامة مناسم، وأسامة محا، فسجلك سالم، ومساجلك مسالم، وميسورك مقسوم ومقسورك مسقوم، ومحسوسك محسود، وناموسك مسعود، وسير سماحك تسير
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
bioud abdelghafour

bioud abdelghafour


عدد المساهمات : 6
تاريخ التسجيل : 10/01/2011

المقامات الزينية ج01 Empty
مُساهمةموضوع: موضوع جيد   المقامات الزينية ج01 I_icon_minitimeالثلاثاء 11 يناير 2011 - 4:59

موضوع لاباس به
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
المقامات الزينية ج01
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» المقامات الزينية ج02
» المقامات الزينية ج03
» المقامات الزينيةج04

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــات جبال البابـــــــــــــــــــــــــــــــــور  :: القســــم الأدبــــــــــي :: القســــم الأدبــــــــــي :: منتدى الروايات و القصص-
انتقل الى: