منتديــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــات جبال البابـــــــــــــــــــــــــــــــــور
منتديات جبال البابور ترحب بك زائرا و مشاركا و عضوا
منتديــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــات جبال البابـــــــــــــــــــــــــــــــــور
منتديات جبال البابور ترحب بك زائرا و مشاركا و عضوا
منتديــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــات جبال البابـــــــــــــــــــــــــــــــــور
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــات جبال البابـــــــــــــــــــــــــــــــــور


 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 المقامات الزينية ج03

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Bouchair Abdelmadjid




عدد المساهمات : 73
تاريخ التسجيل : 01/01/2011

المقامات الزينية ج03 Empty
مُساهمةموضوع: المقامات الزينية ج03   المقامات الزينية ج03 I_icon_minitimeالسبت 8 يناير 2011 - 1:43

المقامة السادسة عشرة الصادية الظفارية

روى القاسم بن جريال، قال: نحوت ظفار، يعد عدم الاستظفار، لضر بهرني ورض قهرني، ونكس حملني ناره، ووكس حملني على عبء المعرة عاره، فلما نبذت بها جرابي، وحمدت غبر اغترابي، لبست لنوادر لغاتهم، وغرائب مناغاتهم، لباس التصبر، وارتديت برداء التدبر، لعلمي أن من دبر تدبر، ومن تصبر، تبصر ومن أبر تمر، ومن دخل ظفار حمر، وحين أدهش شجب الحزن وخر وأورش شجر الشجن واشمخر، واحتال كمين الكرب وكر، واغتال، غول الغيل، واسبكر أقبلت أتسلى بمن سلف، وأتحلى بما يرفع الكلف، فبينما أنا أمور فيها واضطرب، وأميل إلى ثدي الدماثة وأحتلب، إذ حثني بارق الكمد، إلى حاكم البلد، فألفيت مجلسه قد حف بالازدحام، وجمع بين العندليب والنحام، فطردت طرف الفضول، مع سوء الطالع المنضول، وولجت لسبر تلك الرزان مع ما أجد من حرارة الأحزان، وإذا به صبية، وارفة البراعة أبية، يسح منها وابل الفصاحة، وتغرد بقلل اطراحها بلابل الوقاحة، آخذة بشملة شيخ مكسوف المحاسن، متجرع ماء بوسه الآسن، مسرف في اعوجاجه، مشرف على نهل مهل احتجاجه، فهدرت هدير البازل العقيل، واصلتت فصلاً كالصارم الصقيل، وقالت: حصن الصمد حصان الصدر الصالح، النصر الناصح، الصادق النصوح، المصادق الصفوح، الناصر الصدوق، الباصر المصدوق، فاصم عصم العصاة، قاصم صنم المعاصاة، صيقل صنوف الانتصاف، فيصر أصحاب الإنصاف، مبصر الأمصار، مقصر الإصرار، صيب الصعلوك، مصوب الصكوك، صيرفي الخصام، مصطفي الاختصام، عصامي الصلاح، عاصمي الإفصاح، قصفت عواصفه قصور مفاصيه، وصفت صدور نصائحه لمصافيه، ووصلت صلاته لقاصيه، واتصلت صرامته لمقاصيه، وهصرت لأواصره النواصي، وانتصرت بعناصره عراصي، صفائح بصيرته مصقولة، ونصائح منصبه موصولة، وصعاد صباحته مصفوفة، وأصفاد مصالحته مرصوفة، خلصت خصائصه فواصت، وصلحت فصائله فاعتاصت، وصبت لمصافحته الصلحاء، وتعصبت لفصاحته الفصحاء وصفا نصر، نصره، فنصر واصطفى نصر نصره مستنصره فانتصر: الخفيف:
منصف مصقع يصوب انتصافاً ... بصلاح وعصمة وقصاص
صدع الصخر والصعاب بصدق ... صادق الصدق خالص الإخلاص
خص بالصون والصفاح فأصمى ... بصدور الصفا صدور المعاصي


صروف اقتصاصه حاصبه، وصفوف اختصاصه واصبة، وصنائع صلته واصلة، وصواقع نصرته، متواصلة، وصلادم وصلته حاصلة، وصوارم صولته خاصلة، ومخاصمة قاصمها، ومصافحة مخاصمها قصيرته، الحصان وقوصرته المحصان نصته، لوصب صر، ونصب أصر، وصغو صرم، وصفو انصرم، وحصر قصم، وصبر انفصم، وصف مماصعة صدم، ومصف مصارمة اصطدم، وصراع مصاخبة صدع، وصواع مصاحبة انصدع، وصدى مفاصله صفر، وصبى مواصلة صفر، فصحبته بصفر صحاح، وصافن وصفاح، وصفوف صفوف، وحصوف عصوف، وصوف موصوف، أصارم لوصله النصيح، وأخاصم لصدعه الصحيح، وأصفي لصبوحه الفصيح، وأصفي لصلوحه الصرائح والصريح، فوصلته برصائف، وواصلته بوصائف، وخصصته بخصائص، وأحصصته قلائص، فمصع صولجي بصولجان صعلكته وقصع صناديد الصرر بصارم مصارمته، فأصبحت أصف بمصابرته نقصي وأقصف لإصلاح صحبته قرصي، فتصفح صفائح قصتي، وتصبح بقص قميص غصتي، لينفصل بصبرك الخصيم، ويتصل بنصرك الفصيم، أصلحك لصلاح مصرك، وصبحك صباح صالحي عصرك، بأصفيائه الصديقين، ووصفائه المصدقين، قال الراوي: فلما نثلت جفير مجاجها، وفصلت عير عبير احتجاجها، وأنعشت بوريق حجتها، وأدهشت ببريق لجتها، قال له القاضي: تالله إنها لتنزف من سحاب سحوح، وتنفث من جنان مقروح، فما الذي تترجم مع دهائك، وتلاطم إبائك، ورداءة، رأيك، قبل تفاقم دائك، فقال له: ألبسك الله ملابس الإرعاد، ولا سلبك سرابيل الإسعاد، إنني اتصلت بهذه الخريدة عند إقبال أوقاتنا الجريدة متبجحاً بجزالة الإشباع، واتساع الباع، وحلول الارتفاع، وسيول الانتفاع أيان أخطر بين الخيام، وأدرأ أدواء الفيام، وأمنح البزل لزوم الأوام، وتدعو طبولها لنا بالدوام، فحين انكدرت نجوم عزتي، وتكدرت بحور أعزتي، وبانت الحبة والمحبة، وظعنت الحبة والأحبة، وتمزق زيق المقدرة وانعط، ورسب طافي المسرة وانغط، ونفر بازل المنازلة وشط، ورقد قضيب قرابها بعد ما أشط، مصصت معها نقيع الصاب، لفقدان النصاب، ولسبت سموم عدم الانتصاب، لتتعتع الأعصاب، ولم أخلها أخلت بجوابي، إلا لخلو الجوابي، وما تأملت تجوابي، إلا لانقراض تجابي، ولا شاهت بإهمالها إلا لأسمالها، ولا فاهت بملالها إلا لإرمالها، ولم تزل تسمح برغفانها، وتطفح بطافح طوفانها وتجود من جفانها بعدد عضل أجفانها، وما سرني بأن جبت النساء، وحبت سخالها الرؤساء، وقد قبح فعلها وأساء، ومع هذي المزية، وتعاضل هذه الرزية، وجودة همتي والارتياد، وذبي عنها ذب ذب الرياد، فقد آلت ألا تحتمل إفلاسي، وألا تحتلس أحلاسي، حتى يقبل ريع الوقف النقل، وتجيز أن أبيع بغير شرط القطع البقل، فأنى تلام في كفورها، ومشاكهة فورها ونفورها، وقد علمت أن الملمة تحب الملم وتبغض الهم المدرهم، فليتني لم أقف بهذا المقام، ولنم أعرف عقام هذه العقام، ثم إنه سكن سم لسانه الجرار، وانكدر در دمعه معه الدرار، وأنشد بعدما تبرج وسيمها، وتأرج عاج بهجة الترائب وسيمها: الطويل:
أما والذي أهدى الحجيج فأزعجت ... إلى بيته خوصاً رسيم رسيمها
لقد كنت قبل اليوم يسحب مطرفي ... على روض تنعيم النعيم نعيمها
وأرفل في ثوب الدلال ولم أزل ... أخا دعة يسمو النسيم نسيمها
يطاوعني صرف الليالي كأنني ... بذي حبب حلو الحميم حميمها
وتَسعَى إلى أرضي العُفاةُ عواطلاً ... فيرجع بالعِكم اْلعَكيم عكيمها
وينتابني العافون والعامُ معتمٌ ... فيفعِمُ عيشاً للعديم عديمها
ويعلو يَراعي والقِراعُ وعزمتي ... إذا عَل شرياً بالعظيم عظيمها
فلمّا نأى عنِّي الصَّلاحُ وصافَحتْ ... أناملُ حالي والأديم أديمها
تأخَّرَ عنِّي الخيرُ والخَودُ والرَّخَا ... وواصلَ خَيمي رخيمي وخيمُها
وضاقَتْ يميني بعدَ يُمني وأنَّني ... لفي فِكَر مُد فَر رَيمي وريمها
فأف لدنيانا الذميمة إنَّها ... تُذِلُّ عظيماً كي يلذَّ ذميمُها
فبِت عديماً واستفادَ عديمها ... وظِلْتُ سقيماً واستقامَ سقيمُها


قال القاسمُ بنُ جريال: فحينَ أحكمَ انحشادَ حكمتِه، وأتقنَ إنشادَ كلمتِه، قال لها الحاكمُ: يا هذِه لو انثنيت عن قِماصكِ، وتأسيت بخِماصِكِ، وأويت لصبابته، واكتفيتِ بمصاحبتِه، واجتنبتِ سبيلَ شِرَتي، وركبت منهاجَ مشورتي، لكانَ قَدراً جبيراً، وأجراً كبيراً، وعيشاً وثيراً، وعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل اللهُ فيهِ خيراً كثيراً فلما تأملتُ صفوَ نحيه والبديغ، تألمتْ تألمَ اللديغ، وقالت: ما أصنع - أعزك اللهُ - بمَنْ أقفرَ فأفقرَ، وأقمرَ فأمقرَ، وضَعُف متينُهُ، ونَخَرَ وتينه، وقصر باعه، واندثر رباعه، ورقدَ متاعهُ، وفسَدَ استمتاعُهُ، ومُزِّقَت ثواجه، وتمزقت أثباجه. وجلا عشارُه وخَلا تعشارُهُ، وطفحَ ارتعاشه وتطحطح انتعاشه، وقد قشفهُ وهد وند ترفه وانهدّ، وجاور إربُهُ الخفرَ إذ جفَرَ، وخالفَ قلبُهُ النفرَ مذ نَفَر، وأنا - أيّدك اللهُ - في قلق لروقُّ لهُ النِّطاقُ، وحَمل حِمْلِ صيم ضَيْم لا يُطاقُ، أبيتُ في رداءٍ رَثٍّ، وغذاءٍ غَثٍّ، وازديارٍ جث، وازرار مجتث، ودموع لازبة، وقطوع ناصبة، يخرف بي خرف الخَروفِ، ويسوفُ بأنفي ريح عرْفِ المعروفِ حتى لقد ضب سحابُ ذلّتي وشبّ شبابُ مذلتي، وغاضَ ماء منتي، واستفاضَ قَيْظ يهماء أنّتي، وبدرعي من الرقاعٍ لديهِ، عددُ الخارج من قَسْم تِسْع وتُسع عليه، وما كلفتهُ مذ عرفتُه دِرْهماً، ولا سألته بالرقمتين سلجماً، فليتني مِتُّ قبلَ هذا بجُمع ولا ولجتُ لجَلَلِ توجُّع هذي المجاعةِ بجمْع، وها أنا أخاطبُه مخاطبَةَ الأسوف وأقول مقال مَنْ رافقَ قمرَ قُربهِ غَسقُ الخسوفِ، لا حاجةَ لي بباحتكَ بلاَ صَباحتكَ وفصاحتكَ بلا نصاحتكَ، وعرفِكَ بلا غَرْفِك، وعِرْفِكَ بلا عُرفِكَ، ومن التي تتسلّى عنِ الدَّجاج بالمُجاج، وجميل الزواج بجميل الازدواج، فلستُ لي من الأزواج ما اقترنت الأفرادُ بالأزواج، ولا اجتمعَ ألفك بصادي، أو يجتمع غلّ وري بصادي، فأفْر أطمارَ الأوطار، واقْر قلبَكَ سلامَ سورة الانفطارِ، قالَ: فلمّا سَمعَ الحَكَم كلامها، ومهَّدَ العُذرَ بعد ما لامَها، تنّسمَ نسيمَ عَولها وتبسَّمَ ضاحكاً من قولها، فأسبلَ الشيخُ من عَيْن عينه العيونَ، وأرملَ من دمع حُضّارهِ العيونَ حتَّى رثَى لَهُ القاضي ورق، ورثّ حبلُ الرواح للرواح ورقَّ، ثم إنه وعز لهما منْ عباب عينهِ، بعددِ عضل عينه، مشفوعة مع حِدّةِ ذلك الرجاء، بعدةِ صورِ حروفِ الهجاء وقالَ: حسِّناً بهذِه بالكُما ولا تردا رَبْعي بعدَها لا أبا لكما، فما كُلُّ مَنْ سَجَعَ فجع، ولا كلّ منْ أجدبَ انتجعَ فخرجا خروج مَنْ سَدَّ بعظم قِدْحِهِ الفضاء، واستخرج نَارَ زنادِ قَدْحِه فَضاءَ، ولَمْ أكُنْ قبلُ أستطيعُ النظرَ إليهما، لانحشار البشر عليهما، فلما خَلوْتُ به في البَرَاح، وجلوتُ عروسَ خلوته قبل براح بَراح، ألفيتُه المِصريَّ ذا المصائدِ الوريفَةِ، والطرائفِ اللطيفةِ، فقلتُ لَهُ: إلامَ تغتالُ عقولَ الحُكّام وتحتالُ على حُصول الحُطام، وتبلَعُ ولا تشبعُ، وتكرَعُ ولا تبضع، حتى لقد صِرْتَ بهذا السِّقَاء الدائم الاستقاءِ، بمنزلةِ صاحب الاستسقاء، فأدبرَ اذبارَ الفيل، وأجفلَ إجفال الأجفيل، وحين حِرْتُ بنَفَار غادته، واستمرارِ عادته، قرْنْتُ باطر عرهِ إلى عُنوانهِ، وضمَمْتُ ذلكَ العَجَبَ إلى صِنوانهِ، وعجَبّتُ من مُصمياتِ صوّانهِ، وصُنْتُ ما صدر منهُ في صِوانهِ.
المقامة السابعة عشرة المصرية
حَكَى القاسمُ بنُ جريالٍ، قالَ: دعتْني أناملُ الهوىَ الحاكم، والجوَى المتراكم، والأَرقِ المتفَاقِم، والقلقِ الراقي على الأراقم إلى مِصْرَ أيَّام نضارةِ الأديم، ومحاضرةِ النَّديم، واحتمالِ الرسيم، واشتمالِ النشاطِ الجسيم، فترعتُ إلى شارتِها، وأطعَتُ حاجبَ إشارتِها، وظعنَتُ لا أعطِفُ على عَقَارٍ وَقَارٍ، ولا استعطفُ ذا وقارٍ واحتقارٍ، لأشبُرَ سناسنَ نزاهتِها، وأسبرَ شناشنَ نباهتِها، وأشيمَ بارق عُجابِها، وأسيمَ النظرَ في نواضرِ أنجابها، مَعْ خليلٍ يخوضُ الحَزْنَ والرغابَ ولا يذكرُ الغابَ إذا غَابَ، تُشعر أفعال أتباعهِ بحُسْنِ اتِّباعهِ، وعدمُ أطباعهِ بطيب طيبِ طِباعهِ، ما ألفيتُهُ لفائتٍ حَزيناً ولا خَزيناً، مذَ جعلتُه لسِّرنا خزيناً، يدافعَ الجَزَعَ، إن رُزينا، ويُمسِي لرِزِّ الرزايا رزيناً رزيناً: المتقارب:

فما زالَ يدرأ عنِّي الهُموم ... ويُزعجُ في البِيْدِ عيناً فعينا
فكانَ المتينَ وكانَ الوتينَ ... وكان الظَّعين وكانَ الطَّعينَا
فَلَمَ نَزَلُ نلاعبُ كواعبَ التهجيرِ، ونجانبُ مشاجرةَ الشَّجيرِ، ونُبارز قَنابلَ الإسراع، ونُعانقُ عواتقَ الإيضاع، حتى ولجناها بعد مفارقةِ الأنيس، بُكرةَ يوم الخميس، والبلدُ زاهٍ بزهوه الأريج، والزَّبَدُ طام بتلاطُم الخليج، والقَصْفُ يرفلُ بالرِّفلِ النبيلِ، والروضُ يُثنى على انثيالِ تنويلِ النَّيلِ، والجوُّ يبرئُ حرارةَ الغليلِ، برسيم نسيمهِ الصحيح العَليلِ، والنورُ في ذلك الإبّان، قَدْ توَّجَ جباهَ الكُثُبانِ، وجنَاحا المَرَح مسبلانِ، ومَها الأرائك تُغانِجُ جاذرَ الغِزلانِ: الكامل:
فكأنَّني لمّا ولجْتُ ربوعَها ... ساع على زهْرِ الجِنانِ الأزهَرِ
فكأنَّها في القَدْرِ دُرةُ غائص ... وكأنَّها في الرِّيح ريحُ العبْهَرِ
وكأنَّها في الحُسنِ شَمسُ ظهيرةٍ ... تُجلا على بدرِ السماءِ الأنورِ
وكأنّما الماءُ القَراحُ بنيلِها ... شُهْدٌ تدفَّقُ من عبابِ الكوثر
وكأنما الرَّند المضوَّعُ في الرُّبَى ... مسْكٌ تضعَ في لطيمةِ عنْبرِ
تالله ما تركَ الزمانُ لغيرها ... حظّاً من الفخرِ الرفيع الأوقر
كلاّ ولا باع المَسودُ مِراحَها ... إلا وباكرَهُ المسوِّدُ يشتَرى
كلاَّ ولاَ نَشرً الأنامُ مُديحَها ... إلا تأرَّج في بروج المشترِي
فعلامَ يهجُرها الجَهولُ وينبثَني ... عن عَرْفِ ريَّاها الذكي الأذْفرِ
قال: فلمّا قبّلنا حلائلَ ذلكَ الإحبال، وأقبَلْنا على قبْلَةِ ذيّالكَ الإقبال، جعلنا نختلسُ بِها بهاءَ الجَذَل، ونلتمسُ لَها لُهَى لُجَينِ الجَدَلِ، ونَرْتعُ في ربيع ذلك الخَول، آمنينَ مِنْ عَوَر المعاندةِ والحَوَل، إلى أن حَظِينا بالسعودِ السوافرِ، وحَمدْنا حلاوةَ بحر التبحُّر المديدِ الوافر، وحين حللْنَا حمائلَ المحادثاتِ، وارتحلْنا جمائل جَدِّ المنافثاتِ، سَنَحَ لنا حاجةٌ إلى دار الوزارةِ، تشتملُ على إجارة التجارة، فل حضرتُ إيوانها، وشكرتُ أعوانَها، وخبرْتُ بُرَّها وزوانَها ألفيتُ صاحبَ دَسْتها، وقاسم دَرْبَسْتها، العَضبَ العبقريَّ، أبا نصر المصريّ، فشددْتُ إلي شدَّ مَنْ شَيّدَ قدَرهُ وعلاَّهُ، وظَفِرَ بفَوْزِ مُسْبلهِ ومُعَلاَّه، فأظهرَ كمينَ شِقْشَقَته، وأقعدَني على نُمرِقتهِ لِمقَتِهِ، وأقبلَ يسألني عن استصعابِ الطَريقِ، واستصحاب ذلك الصديقِ، فصدقتُ في أسِّ تلك الأبنيةِ، وأصدقْتُ عروسَ مناسمتهِ كَثْرَةَ نِثَارِ الأثنيةِ، ثم إنّي قلتُ لَهُ: في طَيِّ تيك المحالفةِ، على مَهْيَع المُلاطفَة، جَلَّ مَنِ احتنك، إلى الحَيل مركبكَ، وعلى كاهلِ الكَهانةِ أركبَكَ، وفي أيِّ صُورة ما شاءَ ركَّبَكَ، فضَحِكَ حتَّى فرَّ فاه، ثُمَّ مالَ إلى قَدِّ قَميص وقَاره فرفَاه، قالَ القاسمُ بنُ جريالٍ: فبينما نحنُ نرتجلُ مُلَحُ الغرائب، ونرتحلُ مخافَةَ العائبِ، عَنْ عَطَنِ المعائب، إذ تُقُدِّمَ إليهِ بإصدارِ مكاتبةٍ إلى بعض الأمصار، ثابتةِ الإصارِ على زعزع التنازع والإعصار، تعجز ألسن القبائل، تتضَمن المعَاتبة لقطع مواصلةِ الرسائلِ، فلمّا استنشقَ نسيمَ قولهِ وقابلَ بالطاعةِ مراسيمَ قيلهِ، شَبَّ شُبوبَ الضِّرام، وهبَّ هبوبَ الأسدِ الضرغامِ، بعدَ أن شكرَ طَوْلَهُ وِزادَهُ، وأنشأَ ما أرادَهُ وزادَهُ، ثُمَّ أرسلَها إلى مخدومِه، ليقفَ على بدائع مختومِه، فكانتْ: عندي أطالَ اللهُ ارتقاءَ الجنابِ العالي المولوي الملكيّ العالمي العادلي.
الأوحديّ العَضُديّ المجاهديّ الأطوليّ المتطولي المفضّلي الأفضليّ.
ذي المناقب الجائلة والمواهبِ الهائلةِ والمِنن السامية والهمم الهامية.


ولا بَرحَ في سعادةٍ لا يُكْفَتُ ذيلُ سِرْبالها ولا تكفُّ كَفوفُ الغير كفوفَ آمالِها. ولا انفكَّ في سيادةٍ لا يغيبُ بدرُ كمالِها، ولا تثلُم وقائعُ القدر قواضبَ إقبالِها. مؤيَّداً بنُجح جَلالةٍ لا تحجِمُ نضالها، ولا تخيمُ عَنْ خيول المِنَح جحافلُ إفضالِها مقلّداً بلهاذم هداية لا تُفْصم عُرى مجالِها، ولا يقصمُ جارحُ الوَجَل جناحَ إجلالها. من التَّوق المبرح العاكفِ وشَدّة الشوق الشديدِ المتضاعفِ.
ما كَثرُ لرصْفِ وصفه الطُروسُ، وعجزَ عن دفع أعباءَ عيائهِ جالينوسُ. الفكرُ الذي حرّم حُميَا المِراح، وأحرمَ بجُحفةِ إجحافِ حلاوةِ حدّ الصُّراح. وسلبَ طِيبَ لذَّةِ المهادِ، وسكَبَ بَنَانَ كراهيتهِ كأساتِ الاضطهادِ.
فاللهُ يجُودُ بجَودِ عِهادِ ذلكَ الشهاد، ويُعيدَ عيدَ سَحِّ إرعادِ ذلك المرعادِ.
أيّدَ اللهُ الخادمَ على حملِ مِنَنِكَ المورقات، وحَمْدِ مِنحكَ السابقاتِ الباسقاتِ.
وأراحه من بُرَحاء أرقه وشفَاهُ وأهّلَهُ لمدْح تكِلُّ عن بثّهِ الألسنُ والشِّفاهُ.
وقد كانَ عوْدنا كَفُّ كرَمِكَ الكامِلُ الأنعام، وأرضعنا ثَدْىُ بَرِّكَ ما أنسَى مرارةَ الفطام.
وأتحَفنَا سَيْبَ رِفدِكَ بما يُغنى عن الانتجاع، ويُوجبُ لكَ القيامَ على ساقِ السَّمع والطاعَ.
فعلامَ نَصلَ اخضرارُ ذلكَ الخِضابِ، وهطَل قِطْقِطُ طُولِ القطيعةِ والانقضاب.
وأنا طرت رماحُ حُسنِ الاتحادِ، وظهرتْ رياحُ المَللِ من بيوت عادِ الإبعادِ.
فما أجملَ بجنابكَ قدَّ هذه الرِّقابِ، لنَحْسِمَ الحاسدَ بحسام حسده العاري عن القراب.
والانقلابِ، لتتابُع المَبرَّات المُبراتِ، وعَلّ عُقارِ المَرَح من يَد المسَّراتِ المُسرّاتِ.
والأحسنُ بكَ احتساءُ قَهوةِ الوَفاءِ، لنصولَ في صهوةِ المواصلةِ والصَفاءِ.
وندرسُ بفوارس المسرةِ نفوسَ الحاسدينَ، ونقلع بإصبُّع المعاهدةِ عيون المعاندينَ.
ضوّعَ اللهُ المحافلَ بعَرْفُ عرفهِ الصَّفيِّ، ورضّع جُمانَ الجلالةِ بتاج مجدِ جدهِ اليُوسفيّ.
وأسبلَ ملابس إحسانهِ السَّحابيِّ، وأجزلَ نفيس اَمتنانهِ الحَبْيِّ الأبي.
بعدَ استعراض سانح مُهمَّاتهِ، والتماس ما يتجدَّدُ من إباناتِ لُباناتهِ. والسَّلام.
قال الراوي: فلمّا وقفَ على البواترِ التي مَقاها، والجواهر التي استخرجَ نُقَبَها واَنتقَاها، خرجَ حاجب الحاجبِ إليه، وأثنَى لدى ناظرِ الناظر عليهِ، وقالَ لَهُ: إنها الوافيةُ المبانِي، كافيةٌ عن استماع المثاني، بيدَ أنَّا لا نستحسنُ الإسهابَ، فاختصر الخطابَ، فقالَ لهُ: ألق مِنْ بينِ كلِّ سطرينِ سطراً، وأسطُرْ ما تخلَّفَ من المكاتبةِ مرّةً أخرى، تَجِدْهَا جسيمةَ الجلَلِ، مُنَزَّهة عن مجاورةِ خَلَلِ الخَلَلِ، فولجَ بها إلى وَحَاهُ، وشرحَ بحَضرته ما إليهِ أوحاهُ، فاستحسنَهُ واستراهُ، ولو باعَ دُرَّها بدُرَرهِ لاشتراه، وقال: إنَّها لعديمةُ النظير، ناظر بما يُغنى عن نَضَارةِ النضيرِ، غيرَ أنَّ إسهابهَا بَعْدُ لائحٌ، وسحابَها في سماءِ الإطالةِ سائحُ، فقالَ لهُ: ضَع مِنْ بينِ كلِّ أربعةٍ سطرينِ، وقَدْ حَصَلَ الغرضُ كلمحةِ العين، ثَم عليكم بها منافثةً، وإنْ شئتُم اختصرتُها مرّةً ثالثةً، قال: فحضرَ السفيرُ لديهِ، ثمَّ عاد مسرعاً إليه وقالَ لَه: إِنَّ الملكَ قد شاءَ، واَستجودَ الإنشاءَ، فقال لهُ: ذَرْ مِنْ بينِ كلِّ خمسة ثلاثاً، واجعلْ الراحةَ بيننا أثلاثاً، فظهر بعد الوقوفِ على مذهبها، والعكوفِ على رُقومُ مذْهبها، قائداً بغلةً رضيّةً، وبدلةً قاضيةً مشفوعةً بحُلَّةٍ عبقَريةٍ، وبَدْرَةٍ مصريّة، فرفعَ الحُلَّةَ إليهِ والذهبَ إليَّ، فشكرتُ على ما جادَ بِثَجَّاجهِ عليّ، وجعلتُ أعجبُ من فضلهِ النفيع، وأفكرُ في مطمئنِّ الإقامةِ والرفيع، إلى أن خرجْنَا متجملين بحُلّتِهِ، متحملين سحائبَ خُلّتهِ، رافلينَ بدَنادنِ مَّنتِه، قافلينَ بقلائص نعمتهِ.
المقامةُ الثامنةَ عشرةَ الدّجليّة
حدّثَ القاسمُ بنُ جريالِ، قالَ: رحلتُ في سفرةٍ من الأسفارِ، حالَ مجاورةِ الجِفارِ، بخليلٍ طاهرِ الحيزوم، صابرٍ على مصابرةِ الحزوم، واكفِ الصوابِ، عاكف على منَاسكُ الآدابِ، لا يعيبُ بَدَنَ مداناتهِ حُماقٌ، ولا يشينُ قمرَ مقاناتهِ محاق: الطويل:


فكانَ لقلبي مُهجةً ولخاطري ... صقَالاً رَبا فوقَ الصَقالِ صِقالا
وكنتُ أسيمُ السَّمعُ في روضُ نُطْقهِ ... وأَسْرَحُ في السَّحر الجلال حَلالا
فَلَمْ تَرَ عَيْنِي بعدهُ قَط قُرَّةً ... ولا ألفَتْ بحدَ الوِصَالِ وِصالا
ولا خصَّني مُذْ خَصَّني بوِدَادهِ ... زَماناً كأربابِ المِلال مِلالا


فَلَمْ نَزلْ نُسْرعُ إسراعَ اليَعافير، ونُشْرعُ رماحَ المَرَح لطَعْنِ جَفير ذَلِكَ النَّفير، حتَّى عُرِفْنا بمقُاطعةِ الرِّباع، وعكَفنا علَى معانقةِ السِّباع، وأَلفْنَا سَوْفَ هَذا المَلابِ، ووصفْنا بنَهْلِ شرابِ ذَاك الحَبابِ، وكُنْتُ أيَّان معادلتهِ، وأحيانَ مُزاملتهِ، كثيراً ما أمنَحُ شَغَافَهُ، وأقصِدُ إتحافه، بذكرِ أبي نَصْر المِصْريِّ، ذي الجَنَانِ المِصقَعِيِّ واللسانِ المِرقَعِّي، وأبثُّ له يانع مجالساته، وبدائعَ منافساتهِ، إلى أن استحوذَ على فؤادهِ الشوقُ، وأمَّل بإنْ يؤولَ للقيانه ذلك السوقُ، فبيْنَا نحنُ نتناوحُ تناوُحَ الزَّميل، ونكتحلُ بميل ميل ذلكَ الزَّميل، ألفينا حِبالة منصوبة، وأَضغاثَاً مقضوبة، تُجَاهَ شَيْخ بارز السَّناسنِ، متداخلِ الجنَاجِنِ، متقمّر كهمَوسهِ متنمِّرٍ بازاءِ ناموسهِ، فملنا لاستخراج خبرهِ، واستنشاق عبْهرهِ، فإذا به شيخُنَا المِصْريًّ فارسُ حومةِ المحاورةِ، وممارس فوارس المساورةِ، فقلتُ لصاحبي: ها هُوَ مَنْ كُنْتُ أسهب في وَصْفِ إنصافه، وشدّةِ هبوبِ إعصافهِ، وأمدحُ سحائبَ نَجْلِه، وأذُمّ حبائلَ المِحَنِ لأجلهِ، فلمّا نُصِر بمقالتي، ورأى أبو نصرٍ اندفاقَ ناقتي، قالَ لي: يا بنَ جِريال إلام تقطَعُ غواربَ دأمائك، ولا تقنعُ بمعاقرةِ دَامّائكَ، وتقومُ لفضح وقورِكَ، وتَمورُ بلَقَم صخوركَ وقورِك، فقلتُ لهُ: أرحنَا من عِقَار ملامِكَ، وانْفَحْنَا بطيبِ عُقار إلمامِكَ، ونوِّلْني عهادكَ المعهودَ، لأُجدِّدَ بمجالستِكَ العهودَ، ولنقتنِصَ بِغاثَ منامِكَ، ونختطفَ كؤوسَ انسجامِكَ، فَقَدَ تاق رفيقي إلى اقترابِكَ، ومعرفة ليوثك من ذيابكَ، فقالَ لي: حُبّاً لرفيقكَ وَلَكَ، وسَمعاً لما انهجتَهُ مِقولَكَ، فَوالذي خوَلكَ، وإلى هذه القُتْرةِ حَوَّلَكَ، لأسمعَنّهُ من طُلاوةِ المناظرةِ، ما يفوق نسيمَ الرياض الناضرةِ، ولأرينَّهُ من نِفاس المساهرةِ، ما يُطربُ قلوبَ العيون المساهرةِ، ثمَّ إنَّهُ احْتَلسَ بساط الطاعةِ، وقعَدَ قعودَ المِطواعةِ، وقالَ لنا: اعلما أنَّني مُذِ اطَّرحت رحالتي، وناوحتُ حِبالَتي، وألفْتُ مداومةَ الصَّدَ وشُعفْتُ بمعاشرةِ المَدَرِ، وصِرْتُ نسيَاً منسياً، لَمْ أرَ بهذهِ البُقْعَةِ إنسيَّاً، ومتى استعرَ بها سعيرُ مسامرةِ، أو اشتهر شُعاعُ معاشرة، كان سبباً لحِرمان الحُوش، وطَمْس سِكّةِ غرَض هذا المنقوش، ولكنِ انهضا بنا إلى مكانٍ سحيق، لأَفُضَّ عليكُما أفضلَ رحَيق، فإنَّ صَيْدَ الأحباءِ أحلى من صِيُودِ الظِّباء، ومنادمةِ الجلساءِ، أشهَى من قنصي جآذرِ الوعساءِ، قالَ: فقُمْنا بعد مقالهِ، وأرقلْنا بُعَيْدَ إرقالهِ، ثُمَّ لم يزلْ يخوض أمامَنا الخَمَرَ، ويستصبحُ بينَ أقدامِنا القَمَرَ، حتَّى وقفْنا بماءِ دجلةَ النميرِ، وقد امتدّ رواقُ بدرِنَا المنيرِ، فخلَعَ جلبابَ الإباءِ، وافترش كِساءً مِن الأباءِ، فقعدْنَا بحذاءِ قُترتهِ، نرتقبُ ما سيظهرُ بعدَ طول فَترته، ثم مالَ صاحبي إلى ما تخلَّفَ من زادِنَا، ولطائفِ أزوادِنَا، فآلى بمن يخفِي الثواقبَ ويُخفيها، ألاّ يضعَ أناملَ يدهِ فيها، ثمَ قام إلى مُحِلاّتهِ، فأخرجَ ما بقي من نُفاضاتِ مِخْلاتِهِ، فقلتُ لَهُ: أراكَ احتذيتَ حِذاءَ القناعةِ، واجتديت جداء هذى الاستطاعة، وأجحمتَ على الزهادةِ، واقتحمتَ مَهْيَعَ هذهِ العادةِ، فقالَ لِي: إيّاكَ أنْ تُعَنِّفَ أخاكَ، ولو ضربَكَ بحسام المحاسمةِ فأحاكَ، ولا تَرجُ من وكف كَفَّيهِ البليلَ، ولو بهظ دَرُّيدِكَ مِن حوْبائه التليل، واقنعْ بدني فُتاتِكَ، ولا تطمعْ في حُليِّ فَتاتِكَ، وادكَرْ وفاتَكَ، واعتبِرْ بمَنْ فَتّهُ وفاتَكَ، وخُذ معَ الوَرَع حَلالكَ، وعَدِّ في البِدَع عمّا حَلالَكَ، وأصْلِحْ خِلالك، واسكن حيثما خلالَكَ، ثم أنشد بَعْدَما تشعّبَتْ شُعَبُ تألمه ومَفارِقُهُ، وخَفَقَتْ ألويةُ تململهِ وبيارقُهُ: البسيط:
لا تيأسًنّ على ربْع تُفارقُهواَحذَرْ فديتُكَ من خلٍّ تُماذِقُهُ
واقطَعْ رجاءَكَ منْ رِفْدٍ تُؤَمِّلُهُ ... ما دُمْتَ حيّاً وإن شِيْمَتْ بوارقُهُ
واحسمْ بحَدِّ حُسَام اليأس إنْ سَمَقَتُ ... روضُ الرجاء وطالتْ منكَ أعذُقُهُ


ولا تمدَّ لجمِّ الجُودِ جارحةً ... فالحُر تكرهُ حَمْلَ المَنِّ عاتقُه
واخترْ لنفسِكَ جأشاً لا يُفارقُها ... فالوغدُ تشبههُ في الرَّوْع عاتقِهُ
ولا تَبِتْ بفراش الإفكِ تَخْلُقُهُ ... فالإفكُ يدنو لثوبِ المجدِ يُخلقُهُ
ومَنْ يجمِّعُ مالا لا يمزِّقُهُ ... يجولُ فيهِ معَ الدنيا يُمزًّقُهُ
فالحزمُ عندي لِمَنْ أَمْسَى وخَاطِرهُ ... مُحَقِّق أنَّ جودَ اللهِ رازقُهُ
قال القاسمُ بنُ جريالٍ: فلمّا لَسِبَ حلاوةَ محاضرتهِ، وسَلَبَ لبَّهُ بمحاسنِ عظاتِهِ، وجَلاَ لدينا عرائسَ راحتهِ، وتلا علينا سُوَر صُحُفِ فصاحتهِ، أقمْنَا عندَهُ تَتِمَّةَ الغَسَقِ، مسرورين بحُسْنِ النَّسَقِ، ولما نتجَ الليلُ الصباحَ، وتلجْلَجَ لسانُ السَّمرِ بعدَ ما أَفْصَح وباحَ، نهضنَا ذلكَ التّسديس، إلى امتطاءِ الدِّرفْسَةِ والسَّديس، يَغْمُرُ كلّ بدَمْعِهِ العَبيطِ، أرجاءَ غاربهِ والغَبيطِ، غِبَّ أنْ غَضَضْنَا لديهِ راحَ المصاحبةِ فَأبَى، وعَرَضْنا عليهِ دروعَ المعادلةِ فنبا، وسألناهُ فَكّ ذيّاكَ الحُبَا فما حبا، ثم إنّهُ فكّر وارتأى، فيما رامهِ ورأى، ونفرَ نفورَ اللائي، ووثَبَ وثوبَ الوائي، وعاود ذلِكَ المُنتأَى، وودَّعنا وانتأى.
المقامةُ التاسعةَ عشرةَ القُدْسيَّةُ
أخبرَ القاسمُ بنُ جريال: قالَ: دعاني أوانَ غابَ الغباوةِ المغمورِ، إلى بيتِ المقدس المعمورِ، كفُّ زندِ الزمنِ الغَرورِ، ومُحيْعَلُ الطمَع مِنْ منارة الغُرورِ، فكتمت لذلكَ الغرض ما خفيْتُ، وأظهرتُ لَهُ ما كنتُ أخفتُ، ثمَّ أرخيتُ شُرُعَ الامتيار، وانتحيتُ لاختبارِ تلاتلِ الاختيارِ، وصِرْتُ بعُروض حَميدةِ الإحماض وعروض عريضةِ الأعراض، إلى أنْ أنْختُ بِها كلكل الكلالِ، ونفختُ في نار وقود ذلك الاستقلالِ، ثم بادرتُ قبلَ اتخاذِ الغرفةِ المنيفة، إلى زيارَةِ الصخرةِ الشريفةِ وحينَ صارمتُ مصاحبةَ الأمزارِ، وأمَّلتُ حَطّ حقائبِ الأوزارِ، أقبلْتُ على المبيع وأخذتُ في عَبِّ ربيع ذيّاكَ الربيع، وكنْتُ مَعَ ذلك الإلهام، ورَفْع تِيجانِ هذه الهام، عازماً على مجاورةِ صخرتهِ، طامعاً في اقتناءِ ثَوابِ آخرتهِ، فَيسَّرَ اللهُ ما ارتجْيتُهُ، وقدّمَ القدرُ القدمَ الذي أرجيتُهُ، فلمّا انقضتْ مدةُ الأسبوع، وبَقي لبزوغ شمس الخطابةِ مسافةُ الأصبوع قصدْتُ المصلّى وصلّيتُ بحلَبةِ المبادرةِ مَعْ مَنْ صَلّى، وعندَ ما استبانَ طلوعُ الخاطب، وبانَ ظهورُ حفول المصاطِبِ، برزَ ساعياً عَلى حسامه، راقياً، إلى مراقى مَقامه، فحينَ وعَى الآذانُ، ودَعَا لدَعوةِ طيبِ خطبتهِ الآذانُ، عطفَ لشغْلِ يدهِ وقال، واَستوَى قائماً على صَمْصامه وقالَ:


الحمدُ للهِ المدركِ، العالمِ المهلكِ، الحاكم الراحمِ، العاصمِ الكاملِ، الطاسمِ الواصلِ، وعدُهُ المواصلِ، سَعْدُهُ السالم، عهدُهُ المسالم حدُّهُ المومَّلِ الإعطاءِ، الوعودِ المسؤولِ، لإسداءَ السعودِ، مسوِّدِ الحُمرِ والسودِ، ومرعرعِ الحُمُرِ والأسودِ، مسعسعِ، الأَسحارِ، ومعسعس الأسحارَ، عالَ عرام سَحِّهِ ولَمَّ، وأحالَ حلول حَسهِ ما ألمَ، ودَرَّ دَرُّ حَمْدهِ وساحَ، ومَد مدُّ وردِه وماحَ، هادم الأعلام، لا إله إلاّ هو الملكِ العلام، أحمدُه وهو المورودُ، وأسألُهُ وهو المُسْعِدُ المَودودُ، حمداً ملأ دلوحه السماءَ، وسُحوحُهُ العَراءَ، أرسلَ رسولَكُمْ وسَحُّ السَّدادِ مسكور، وعاملُ الأعمال مكسورٌ، ومدارُ الصلاحِ مصلوم وصِدارُ الإصلاحِ موصومٌ، ورأسُ الأمةِ محسومٌ وسِراط السَعادةِ مطسوم وصوامعُ الإعلام مردودة، وطالعُ الإسلام مسدودة، وألْوادُ العَدالةِ مهدودة، وأولاد الدلالةِ موؤدة، سهل اللهُ مسالكَ مَعادهِ، وسوّرَ عساكر إسعاده، وكرَّرَ لآلهِ أكملَ الصَّلاةِ، وأركسَ لهام هِمَمِهِ هَامَ العُداةِ وأسعد الملسوعَ مساعدَهُ وعُمر، وأدامَ مَعْلَمَ علوهِما وعَمُرَ، وسما صِهراهُ صاهلُ السموِّ، وكاهلَ السَّعْدِ والعُلُوِّ، وعلاَ أهلُ دارهِ وآلُها، ما لألأ آلها، وطأطأ رأسُ المِلَلِ كمالُها، وطالَ هامَهُ المكارِم إكمالُها، إعلمُوا عمّركُم اللهُ واعملوا واعلموا عودَ عَمَمَ العَمَلِ، واعملوا وسرحُوا عروسَ إهمالِكُم، وأصلحوا رؤوسَ أموالِ آمالِكم وسارِعُوا لمحاسمةِ الكسَلِ الدِّروَاس، وادرسوا طرُوسَ دروسِ الوسواسِ، وسهِّلوا سلوكِ سراطِكم، واصرمُوا طِوَلَ طُولِ إلطاطِكم، اللهَ اللهَ ومَهالك الدُّولِ، وسمَاعِ مصارعَ الملوكِ الأولِ، حرِمُوا واللهِ محالسةَ الكِلَلِ، وعَدُموا مصادمَةَ الأسَلِ، وحاسَمُوا سُرورَ السُّرورِ، وصارموا صُدورَ الصّدورِ، وهدمَ دُوْرَهم المِحالُ وردمَ درُورَهُمُ الأمحال، وهدَر الدهرُ ما هدروا، وسطر المَلكُ ما أملَوا وما سَطُروا، كَمْ سلَّ مَهْلكَاً، وسدَّ مَسلكاً، وململَ العالمَ، ودمَّرَ المَعالِمَ، وكوّر الطاعمَ، وكدَّر المَطاعم، طالما أَلْهاكُمْ المَدَدُ، وأوهاكُم اللَّدَدُ وأصماكم المَللُ، وأعماكم العَلَلُ، ودهاكُمُ الطِّماحُ، وأعداكُم الاطِّراحُ، وأرداكم الراحُ، وحداكم المِراحُ، أما سدادُكُمُ السِّلامُ، أما رُوّادُكم الدِّمامُ. أما المعاد داركُم، أما الأرعادُ مدارارُكُم، أما حَسَمكُم العَدَمُ، أما أسلمكُمُ السدم، أما وعَدَ وأرعدَ، أما هدّدَ وأرعدَ، أما أسرَ الأكاسرة، أما كسرَ مِرداة المرادةِ الكاسرةَ، إلام أسعدكُم اللهُ سعادة سالمةَ الإكسارِ، ساملةَ الإسكار، أراهط طمعكِم طامرة، ومعاهدُ هلعِكُم عامرة، وأراء لهوِكم دامرة، وأمراءُ وهمكِم آمرةٌ، رُحماً لكم حال حَسْم السّواءِ، وطمْس الحِواء، ومواصلةِ الصّلودِ، وعكس أدلةِ الصَّلود، ومساورةِ الوهادِ، ومحاورة الأصلادِ وهدم أساس الإحساس، وممارسة السدَرِ المرّاسَ، وصَلْصَلَةِ صوارم السَّام، وحَلْحَلَة حُمَام الحِمام، ألا احملوا سِلع عملكُم وعاملوه، واسأَلوه سدَّ سمِّ سدَرِكُم وسالموهُ، واسمعوا أَمرَهُ وأسمعوهُ، وأرسلوا سَلْمَ مُسالمةِ رَمْسِكم وأسمعوهُ، وامسحوا عُصْمَ معْصَم عدوِكُم واصدعوهُ، أهَّلكُمُ اللهُ لدعِّ المحارم، وردع أدواءِ الطَّمع العارم، وعصَمكُم سُوْر سُورة الإسراء، ومهَّد لكم سُرَرَ سَورة السَّرّاءِ، قالَ الراوي: فحينَ سقطَ لؤلؤ نِثارهِ، وغَبَطَ كُلٌّ بلاغةَ إكثارهِ، ورفَلَ في حُلَل حبره، ونزل عن صَهْوةِ منبرهِ، ألفيتُه المصريّ مُحَلِّي جيدَ النُّجباءِ، ومُجلِّي حَلْبةَ جنْد الخُطَباءِ، فأرجأتُ الاجتماع إلى فراغ المفروضةِ، إسْوة بالخطبةِ المأروضةِ، ولما فَصَم سجودَ مَسْجدِه، وعزَمَ على مُباينةِ مَسْجدِه بادرتُ إلى استلام يدهِ، واستلآم سلاح الأدب لسلِّ مهنَّده، فانطلقَ بي إلى وَكْرهِ، والغَدْرُ ينْضَخُ من سحائبِ نَكرَه ثم قَالَ: لأربَابهِ وَمنْ قصدَ لُبابَ بابهِ: الحمدُ للهِ الرَحيم، المتفضل بردِّ الصِّنْوِ الحميم، الذي كَفَّ عني حروبَ الحوادثِ، وعفَّ بعدي عن محادثةِ المُحادث، فمذ ذُقتُ مرارةَ نَواهُ، ومُزِّقْتُ بقَواضبِ ما كان نواهُ، ما مددْتُ يَدَ التودُّدِ إلى سواة، ولا شددْتُ

ظهرَ المُظاهرةِ بسوى سواه، فهو الذي أطلعَ سُهى التنبه لمَنْ سَها، وزها ثمرُ اتحاده وانتهى، ونهى عن مُجانبةِ النّهي وانتهَى: الكامل:هرَ المُظاهرةِ بسوى سواه، فهو الذي أطلعَ سُهى التنبه لمَنْ سَها، وزها ثمرُ اتحاده وانتهى، ونهى عن مُجانبةِ النّهي وانتهَى: الكامل:
وهو الذي ذرأ الخُطوبَ فأَحجمَتْ ... من بَعدْ إقدام عليَّ ونَهْنَها
وهوَ الذي أهدَى الهدوء لخاطري ... مِنْ بعدِ ما رقدَ الدُّنُوُّ ونبها
خِلّ بهِ قَمَرُ الأخوَّةِ ما بَدا ... من قُبْح خَسْفِ خيانةٍ مُتشوِّها
قال: ثم لم يزلْ مدةً حَلِّ بِطاني، يُطمعنِي في مُقاطعةِ أعطاني، ويصرُفني مذ حَلَلْتُ أشطاني، عن مراجعةِ أوطاني، فبينَما أنا أفكِرُ في نَشْدِ جنَاح ضَوء الضَّواحي، وأخُطِرُ في مَسارح الأقاحي مِراحي، إذْ سَحَبَ طَرف مطرفي في مَساحب طَرق طُرَفي طِفْل أسرعُ مِنَ الجرْبياء وألطف من الجارية الجرباء وقالَ لي: أرى قد ضعفَ سببُ انسيابك في إحْضارِ إنسابك، وانقطَعَ صَبُّ صَيْب إرزامكَ عن جوازل ألزامَك فما هذا الفتورُ، وقد تناقَصَ قَرارُ قلبكَ المبتورُ، وما هذا الانفساحُ، وقد تقاصَرتْ خُطَى صبركَ الفسِاح، قالَ القاسمُ بنُ جريال: فلما سَمعْت قَعْقَعةَ تلك الصّواقع، وامتقعتُ بيْرقانِ ذاكَ القولِ الفاقع حَسِسْتُها مَنْحَسةً انسجَمْتْ من مَعينِ أبي نصرِ اللعين، فقلتُ لَهُ: أراكَ هِجْتَ ما بي بجرِّ جِلْبابي، واتَّهمْتُ بالي، بما لم يُؤذِنْ به بَلالُ بَالي، فار حتى من سُكْر هذا المُدام، وأطلعني على طليعةِ إكام هذا الكلام، فقال: اعْلَمْ أنَّ خليلَكَ الخطيبَ، ومَنْ سكَبَ من صِفاتِكَ القَرْقَفَ القطيب، أرسلني أمس عندَ الأثاربِ، إلى بعض أربابِ المراتبِ، برُقعةٍ رقعت من حالكَ ما انخرَقَ، وبرقعَتْ برقَ إملاقِك بعدَ ما بَرَقَ، فنَشْرتُها لأنْظُرَ سطَورَها، وما الذي أَودعَ مَسْطورَها، فإذا فيها: الطويل:
يُقبّلُ كفا عودت بثلاثةٍ ... بجُود، وتَقْبيلٍ وحَتْفٍ للإثم
فلا زال خافيها ثِمالاً لمُدْقِع ... ولا أنفَكّ ضاحيها مَحّلاً للإثم
ويُنهي إلى نُبله الواضح الآثار، ونَبْلهِ الصالح الأثأر لا برحَ محفوفاً بالأبصار، مصحوباً بصوارم الأنصارِ عَريّاً عن العارِ، مليّاً من الغار أنَّ أخاهُ عازم على السِّفارِ، مجرِّد عضْبَ عَزْمهِ الماضي الشفار، لإحضارِ أشبالهِ الصغارِ. حذَراً أن تنوشَهُم صِعَادُ الصَّغَارِ، لنُنفِقَ بقيَة الأعمارِ، في مُناسمةِ الأغمارِ، فلا خيرَ في شَيم الغِرارِ، لشمِّ العَرارِ، وتركِ العَمار، لقَطْع الغِمار، ومعلوم أنّه باعَ عُروضَهُ على التِّجار، والبنّاءِ والنَّجار، والنّساج والقَصّارِ، والطِّوالِ والقصارِ، وأصحاب الشرار، إلى غايةِ هذا السِّرار، والمُستَمَدُّ من إحسانهِ الدَّرارِ، العاري عن الذِّرار، وكَفّهِ الواكفِ الأسرار، المطفئ أشعةَ الأشرارِ، أنْ يتَطّولَ مَعَ النصَّارِ، بمائةٍ من النُّضَارِ، إلى أيام اليَسار، وانسجام مَسيل يُسْره والبسار، لا زِلتَ قانص التيّار، قابض البتار، دائراً بصحَاف قدْركَ الأعشار، على ذَوى المذلَّة والإعسار، والسلام، قالَ القاسمُ بنُ جَريالِ: فَهرَولْت إلى الكِنِّ، لأعْرِفَ حقيقةَ الأمرِ المُسْتكنِّ، فألفيْتُ الخطيبَ قَدْ طارَ بأجنحةِ اغتيالهِ، وأوقعني في حِبالةِ احتيالهِ، وقد أرسلَ إلي أصيحاب المناصبِ، مِنْ حُسْن صِّيبهِ الواصب، عَشْراً مِنَ الرِقاع، على نمط هذه الأسجاع، وقد فرس مِن أموالها ما فرسَ، وَالتمسَ بها ما بَها التمسَ، والجَلاوزة تُخرِّقُ مسايلَ سُمِّ الحَنَق القاتِل، وتُحِّرقُ علىَّ حِدادَ النيوبِ القواتلِ، فجعلْتُ أتوارى بوهادِ القُردودِ، وأظهرُ ظهورَ الخُفْدُودِ إلى أن نَسيتُ زَهْوَ العيشةِ الزاهرةِ، وأنسيتُ مَهْو الشبيبةِ الباهرةِ، ورحلتُ عَنِ الساهرةِ، رَحيلَ الوَسَنِ عَنْ مُقْلَتِي الساهرةِ.
المقامةُ العِشرون العانيِّةُ

رَوى القاسمُ بنُ جريال، قالَ: لمّا اشتملتُ بشَمْلَةِ شأو الرَّشاد، وارتحلْتُ حِلالَ الحلاوة الإرشاد، اطَّرَحَتُ محاورةَ ذلك الجَناب، وسَرَحْتُ بينَ أطناب ذيّالكَ الإطنابِ، وجعلتُ أستنشِقُ ريْحَ البَرَم والبانِ، واستنجع لبِانَ ذيّاكَ اللَّبانِ، وألازُم حِمَى المناسماتِ، وأنادمُ دُمَى المنادماتِ، وأنتَهِبُ ذَهَبَ أباريقِ المِزَاج، مِنْ يَدِ أشكالِ أباريقِ الزَجاج، وأجتَنِي مَعَ مجانبةِ الظَابِ، شُهْدَ مَراشفِ العَطَر الرضابِ، فما برحَ ذلكَ من نَطافةِ شِعارِي، وشهامةِ عشارى، وسلامةِ يُعاري، ومباعدة عَرِّى وعاري، عِلاطاً لانخراطِي، وسِراطَا لاختراطي، إلى أن عُدْتُ عرَيفَ كَلِ دسكرةَ، وغريفَ كلِ مُسكرةٍ، وجليفَ كلّ حانة، وحليفَ كل ريحانةٍ، وأليفَ كلِّ عانةٍ وخليف كلِّ مِظعانة، فبينما أنا ذاتَ يوم على ثَبجَ المسروج، أتنقلُ في بروج المروج، ألفيتُ سيّارةً تسرحُ في رفاهَةِ، وتنفحُ بنسم نبَاهةٍ، شارعةً هوادِيَ الألهوب، راتعةَ في ذلاذل الذُهوب، فسألتُهم عن العَطَن والحلول، وغبَرّ ذلك الجفولِ، فقالوا لي: أمّا المعهدُ فغانة، وأما المقصدُ فعانه، فقلتُ لَهم: يا للَعجب أتنضون مِنَ المغارب سَمنَ الغارب، وتنصّون طَلبَ المآربِ، بإثارةِ الأثاربِ، أفٍّ لِمَنْ يعجبهُ الإهرابُ وتضوي به العِرابُ، ويستخفّهُ الإترابُ، ولا يملأ عينَه إلاَ الترابُ، فقالوا: يا هذا نراكَ غيرَ مكترثٍ بخَجَلي، ومشرقاً من العجلةِ على وَجل، ولكنْ خُلِقَ الإنسانُ من عَجَلِ فقلت لهم.: إنني مِنَ المسرفينَ، ولهذهِ الجرأة من المقترفين، فاصفحُوا رعاكم الله حيثُ ترعون ولا مُنعتُمُ العون أين تسعُون، فقالوا لي: أما إذ زجرتَ نفسكَ بالإنذار، وسَدَلْتَ لهفوتِكَ ستورَ الاعتذار، فسننبئكُ بتأويلِ مرادِنَا وطلوع شُموس أرادنا ثم قالُوا: اعلمْ بأنِّنا ممَّنْ فارقَ ولائد الكِناس، لمواصلةِ خرائدِ الكأس، وباع بدائعَ الأحلاس، لشراءِ جلائلِ الجُلاّس، فأنت مِمَّنْ يستضيء بضوءِ هذا النبراس، ويسُلُّ سيوفَ المنافسةِ ليوم هذا المراس، فقلتُ: أنا مِمّنْ اعتلَى ظهور الجلامدِ، واشترَى الذهب الذائب بالجامدِ، وأنفقَ صُرَرَ آلافهِ على ألافه، وأراقَ دمَ سُلافهِ لدى أسلافهِ، فهلْ لكُم في مرافقتي، مع وجودِ نفقتي، وامتطاءِ مطيتي، معَ صَفَاءِ طويّتي، وامتلاء سابي، معَ سَعَةِ اكتسابي، فقالوا: أهلاً بمرافقتك، ولو مع فاقتِكَ، وسهلاً بانتسابِكَ، ولو بعدم اكتسابِكَ، ومرحباً بحسْنِ اكتسابِك، ولَوْ بفسادِ سابِكَ، قال القاسمُ بنُ جريال: فانسلكتُ بأمراسِهم، وشكرتُ نفائسَ أنفاسهم ولم نزلْ نشقِّقُ شِمَال الشمالِ، ونخرّق بنائَق جدُدِ الجُدَد والأسمالِ، إلى أنْ ولجْنا عانة، وأنضْينا العيرانةَ الريعانةَ، ولمّا كسْرنَا عُصِيَّ الإدلاج، وأسرْنَا فوارسَ عساكر الإدلاج، طفِقْنا نسرحُ لرَبّات الرَّناتِ ونتصفحُ صَحائفَ الحاناتِ، معَ منادمةِ الرَذاذِ والوابلِ، واليراع والنابل، حتى حَوَيْنَا ألبانَ تلك الحُلوبِ، واهتديْنَا لهدايةِ الخائنِ الخلوبِ، ثمَ إنْ صيتَنا اتَّصلَ بأمير مكانها، وسائس سكانِها، فأرسلَ إلينا أحدَ أتباعهِ، ليجعلَنا مِمّنْ يَنعمُ بمرباعهِ، ويُنعُم بكرائم رباعه على رباعه، فحينَ حصًّلنا إلى حِوائهِ، وحصَلْنا على لطائِف حِبائه، وأعجبهُ جَنىُّ منافستِنا في مناسمتِنا، وأطرَبهُ حَبِيّ محالفتِنا على سُلافتنا، نَفَحنا بصحةِ النيّةِ، وأتحَفنا بالخلع السنيةِ، مشفوعةً بذواتِ الأرسانِ، والسوابح الحسان، فبينا نحنُ ذاتَ يوم بندوتهِ، متجِّملين بجلابيب جَلْوتِه، وقد أَزَّرَ الزَهرُ بَراحَهَا، وسلَّتِ السحُب على الحدائِق صِفَاحَها، خرجَ بجِفان كالأزهارِ، وفتيانٍ كالأقمارِ، وأبكار كالبدورِ، وأخدان خارجينَ من خلالِ الخُدورِ، فلَمّا قعدْنَا لتناوُل شرابهِ المشمولَ، وشملنا شفه الحَسَنُ الشمول، وألفينا سرابيلَ المسَّرة تَسْدكُ، وجمائلُ التجمّل ترْتك: الكامل:
والكأس يَنْهضُ والقَناني تَبْرُك ... والمُزْنُ يبكي والحدائقُ تَضْحكُ
والشُّرْبُ يَشربُ والمَغانِي تَطْرُبُ ... والخَمْرُ تُسكَبُ والمعاني تسُبَكُ


لمحنَا الأميرُ لَمْحَ مَنْ حَنَّ إلى قَرينه وهن، وسَنَّ سنان قَلقه وأنَّ، وقال لنا: اعلموا أنّهُ ورَد عليَّ بهذهِ الأيام القريبة، رَجُلٌ مُستحسَنُ النقيبةِ، ما أغمضَ جَفْنُ مجالستهِ ولا جفا، ولا لَبسَ خِفاءَ مخالفتهِ مُذْ خَفَا، ولولا أن أشُقَّ عليهِ، لأشرْتْ بالخروج إلينا إليه، فقلنا له: إنّنا ممّنْ يرعَى حقوق حديثه وقديمهِ، ويستر معائب نديمهِ بأديمهِ، ومعَ ذلك فنحنُ لا نُؤثِرُ استدثارَ سلوتكَ، ولا نستأثر عليهِ بخَلْوتكَ، بل نخلعُ على مَجْلَسكَ وصالَهُ، ونَتْرُكُ طيبَ نسيم هذه الصَّبا لهُ، فقال: معاذَ اللهِ أن أفارقَكُم أو أقايضَ بالعَسْجَدِ وَرَقَكُمْ، بَيْدَ أني أعرِّفهُ، بما انسَرى مِن حِفْظِ سّركم وأصِفهُ، ثم إنه أرسلَ إليه من حالِه، برُقعةٍ خاليةٍ عن انتحالهِ، فلمّا حقّقَ قَرْطسة نبَاله، ودقّقَ بصرَهُ لإقباله بأقباله، تجلَّلَ جَنانُهُ بالمَرَح واحتيج إلى العلاج بالترحَ، لشدةِ مصافحةِ ذلك الفرح قال الراوي: فألفيتُ حينَ لاحَ قمر إرقالِه، وفاحَ أرجُ حَلّ عِقالِه في مَقَاله، أبا نصرَ المصري شيح سرورِ الأمير، وشيخَْ معازِف تلكَ المزاميرَ، فأظهرتُ البشاشةَ خَوْفَ التنغيصِ، وخْلِتُ أنْ قًد ظَهَر عليَّ الأسدُ مِنْ مَغَابن العِيص، فضمَّني ضَمَّ المشيمةِ الجنينَ، وأخذَ يبثُّ شوقَهُ والحنينَ، وأقبلَ يُعَرِّفُ الأميرَ دماثَة ودادِنا، وملاحةَ عروس اتّحادِنَا، واحتلابَ عنقادِنا، ونشرَ عَرْفَ عبير اَعتقادِنا، فلَّما فَهِمَ كلاَمهُ، وعلم أنْ قد أسعدَ القَدَرُ أقلامَه، قالَ لنا: الآن يجبُ بأنْ نجولَ حول هذا الميسورِ، ونفْترعَ ذروةِ هَذَيّا السورِ، لمناسمةِ هذا السُّرسورِ، قال: فعدلْنا عن الخِلافِ إلى جَرِّ ذَيلِ الجَذَلِ والخلافِ، ومِلْنا في ذلكَ الانعطافِ، إلى كلّ عَزّة ناعمة الأعطافِ، وأبو نصر يسُحّ لذَلك الذّرور، سُحوحَ المُسْبِل الدَّرور، ويُظهرُ بينَ تلكَ الصُّدور، ما يُعجزُ لسانَ المِصْقَع القَدورِ، حتى أنساني بألفاظهِ القُسِّيَّةِ، علَّ عَلْقَم الوَقْعَةِ القُدسيّةِ، هذا والأميرُ منعطفٌ إلى لُبَدهِ، متعطشٌ إلى معرفةِ بلدهِ، والمصري يزجرني برفع حاجبهِ، ويُسكَتني بنَصْبِ نصْبِ رواجَبهِ، إلى أن ألانتْ لُبَّ الأمير سُحبُ سحْرهِ الهطّال، وآنَت منه طَلِبَةُ مدح أزهاره والرّطالِ، وجَعلَ يعرِّض بوصفِ الرياض، وحمرة خَدِّ خَنْدَريسنا والبَياض، فالتَفتَ أبو نصر وقالَ لي: كُنْ كما أعرفُكَ مجلُيَّ الإعصافِ، والصِّدْقُ عندي من جملةِ الإنصاف، فقلتُ له: كَلا، ومن أنزلَ سُورةَ السكينةِ وهل يُفْتَي ومالك في المدينةِ، فأطرقَ لقولي أطراق المستري، وصافَحْت يدُ جَوْدةِ إجادتِه شناتِر المشترِي، وقال: الكامل:
شرب السلافةِ في الربيع المُزْهرِ ... بين الرَياض على غِناءِ المِزهر
وبنفسج بينَ الخَمائِل حفَّهُ ... أنفاسُ سَوْسنهِ كمِسْكٍ أذفر
فالنُورُ من نوْرِ الحدائقِ ساطعُ ... يحكي بياض سبائبٍ من جوهر
في أحمرٍ قانٍ وأبيضَ مُشْرق ... يقق يَروقٍ وفاقع من أصفر
والياسمينُ معَ البَهارِ كأنَّهُ ... مضنى يُعاتبُ شادناً في عَبْقَريَ
والبان ذو الرَّنْدِ الذكيِّ كأنَّه ... مِسْك تأرجح في صَلايةٍ عنبر
والنرجسُ الغضّ الجنيّ كأنّهُ ... حَدَق تُراقبُ غادةً مَعْ جُؤذَر
وتضُّرجُ الوَردِ النضيرِ مُنْضَّد ... حولَ الزلالِ ورائقِ اللينوفر
من أزرقٍ يَحْكِي السماءَ وأصفِرِ ... شِبْهِ النُّضَارِ على بِساطٍ أخضَرِ
أو وَطْءِ أخفافِ المَطِيِّ وقَدْ غَدتْ ... تحت الأحبةِ في الصَّعيدِ الأعفرِ
ووجداولٍ شِبْهِ السيوفِ كأنَّما ... شُهرَتْ بيوم كريهة وسَنَوَّرِ
ما بينَ منبجس وبينَ مُسلَسلٍ ... ومجَعِّدِ ومَصفِّق ومكسَّرِ
وجآذرٍ مثلِ البدور خوامصٍ ... ما بَيْنَ مُدَّرعٍ وبين مُحَسرَّ
تحكي الشُموسَ إذا قرُبْنَ بمغرَبٍ ... في جَرِّ أذيالِ الحَرير الأحمرِ


أشهَى من الأمن الشَّهيِّ وقد بدا ... بِعدَ التشتُّتِ في العَراءِ الأغبرَ
في ظلِ مولانا الأمير ومَنْ علا ... فرقَ السِّماكَ على المَحَلِّ الأكبرِ
فاللهُ يَحْرسُهُ ويَعْصِمُ مجْدَهُ ... مِنْ أنْ يزولَ إلى قيام المَحْشَرِ
قالَ: فلمّا اجْتلَى الأمير لُمَعَ وميضها، وابتَلى زبدَ اغريضِها وعبقَ عَرْفُ أسجاعها التي وكَفتْ وكفَتْ، وسمعَ من بدائع إبداعِها ما وصفَتْ وصَفتْ امتطىَ صهْوةَ الطّرَبِ، وألقَى إليهِ صُبرتين مِنَ الذهبِ، فدفعَ إليَّ صُغرى الصُّبرتينِ، بعدِ الذّبّ عن أنْفِ أنفَتهِ واللُبدتَيْن، وقالَ لي: خذْها إليكَ، واعلم أن الحربَ تارةً لكَ وتارةَ عليكَ، ثُمَّ إنّهُ نهَضَ إلى الخَلا، وقد راقَ وقتُنا وخلاَ، ففرَّ من وقته وجلاَ، بعدَ أن جَلا مِن عرائسهِ ما جلا، فغادرَ وعساءَ آَنْسِنا كالصَّفا، ورنَّقَ من عيشنا ما
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
المقامات الزينية ج03
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» المقامات الزينية ج01
» المقامات الزينية ج02
» المقامات الزينيةج04

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــات جبال البابـــــــــــــــــــــــــــــــــور  :: القســــم الأدبــــــــــي :: القســــم الأدبــــــــــي :: منتدى الروايات و القصص-
انتقل الى: