المقامة الثامنة الحلوانية
روى القاسم بن جريال، قال: رمتني حين عفت الأحيان، وخفت حلول الحمرة بحرم ألحيان، وصلفت البسلة والحلوان، إلى مدينة حلوان، كفة منجنيق القدر المتاح، وكفة سحيق السفر المباح، وأنا يومئذ قرين الهراوة، خدين البداوة مرثوم الأخمصين من النعال، لعدم الانتعال، لا أجد سوى الأنجاد بجادا، ولا أستنجد لجلل الأمجاد نجاداً، فلم أزل أقابل لقصدها قبائل المخاوف، وأقاتل بوخدها مقانب الخوف الخائف، إلى أن عرفت بمكابدة المكائد، وألفت شيم مشابكة الشدائد، فد خلتها د خول الطائر المبهوت، ووصلت إليها وصول موسى إلى الخضر بعد مفارقة الحوت، فحين حللت وضين الأثقال، وأقبلت على مقاطعة عواتق الانتقال، جعلت أتقلب على طنافس المعاقرات، وأتذبذب إلى مجالس المسامرات، واجترح ملح المحاورات، وأصطبح في خمار المخامرات، حتى تزكرت بالنكت تزكر الوعاء وتذكرت النيرب تذكر الخنساء، فلما أرهف القلق شفرة الشوق وشام وسامر ناظري بأرق الشام وشام، طفقت أتطلب مواطن الركاب، وأتقرب إلى أرباب باب الارتكاب، فأخبرت أن السبيل محسومة أسباب أسبابه، لاختلاف عراب أعرابه، وقد حمل إلى سلطانها، وموطد أوطانها، رئيس شرذمة مشئمين، تحفاً يجاوز حدها المئين، ليمدهم بفرسان مستلئمين، فالتحفت بذلك الأزار، وتأهبت لابتياع الأوزار، وأحضرت عيبتي، المعدة لأيام أوبتي، فشحنتها بأسفار الدروس المأخوذة عن العلم المدروس، وأودعتها من الدراهم العظام، عدد عضل جسدي والعظام، ولما حللت بالجواء، تلو العصابة الجأواء، لاوياً إلى اللواء، مستعيذاً من نوازل اللأواء ألفيت، أفئدتهم لذلك الريح، مجبوذة بأزمة التباريح، فبينا نحن نتجوز البيد ونتدرع الجزع المبيد، لاحت لنا سرية، سابغة السنور مضرية، فماد الركب كشرب ارتضعوا المدام، واختاروا على الفشل الاصطدام، حين حملقت الصفوف، وحمحم الزفوف والصفوف، برزت كبكبة للنزال، ونادت نزال نزال، فالتحم الفريقان، وتوج القسطل جبين الزبرقان، وتعثرت بالعثير العقاب، وتغشمرت بعقبان العقاب العقاب، وما زال مجاج العجاج يحتدم، وأمواج الانزعاج تضطرم، وتبار الحذر يلتحم، وبنار المعركة يزدحم، حتى بار نار فاقدي السلاح، وثار ثار واقدي الكفاح، وفر السفر فرار السلمى، وذر الفرق وأسر الكمي، قال القاسم بن جريال: وكنت لحظت عند حدة القتال، وحدة القتال، ومعمعة الأقيال، ومغمغة الأقتال، رجلاً أشمط، كليث أضبط، وذئب أمعط وأيم أرقط، على فرس أنبط ضافي الشليل يتدفق تدفق السيل السليل، تخاله بين قواضب الأعداء، ومغابن النثرة الحصداء، كالعملس العداء، تحسبه بذلك السربال، المحشو بالنبال، كالأسد الرئبال، لا يلجأ إلى الثغور، ولا تخطئ سهامه ثنايا الثغور، يطير طرفه من النشاط، ويسبق سهم ممتطيه قبل مس السراط، فما فتئ يقدد قدود المناكب، ويخدد خدود المواكب، إلى أن سقط طرف لفامه، وقنط لده بعد انضمامه، فألفيته بعدما مر يمري مهره ويستوشيه، وطر أبكر الظعن بحواشيه، الفارس القيسري، والمداعس القوسري، أبا نصر المصري، فجعلت أعجب من قتاله، وشدة إقباله، ولم أزل أتلو، أكساءهم، وأقفو أقفاءهم، لأنظر مآل العرجة، في طلب الحرجة، حتى دنوت إلى أماكن مراحهم، ومراكز رماحهم، فأخذت أخب بأخبيتهم وأجول بين أبوبتهم، إلى أن رأيت أبا نصر المصري قاعداً على سرير الإمارة، تعرض عليه أمتعة السيارة، فتلثمت وجلت، ولثمت يمينه وقلت: شيد الله معالي الأمير الأروع الممير، ذي الوجار الشجير، والنجار المجير، ولا برح لكل خائف وزراً، ولكل حائف ذكراً، ولكل كئيب كبشاً ولكل سماء عظيمة عرشاً، أعلمك لا زلت على المكان، رفيع الأركان، ما غبطت الكرماء بالمعروف، وربطت الأسماء بالحروف، أنى ممن اترعت يم قذاته الأحزان وبرقعت وجه لذاته الأزمان، وأبلسه طلب التفضيل، وألبسه الفكر جل جمل الوجل والتفصيل، وجلية قصتي، وعدم إساغة غصتي، أنني رحلت بهذه القافلة، قافلاً لطلوع السعادة الآفلة، أسبل سرابيل العفاف، وأرفل في ثياب الكفاف، فابتزني زند وقيعتك الجرساء، وساعد سريتك الخرساء، جلساء تحوى الإصباح والإمساء، ولا تهوى إلى الإساءة مع من ساء، ادخرتها لجلاء الناظر، واجتلاء أبكار التناظر، تكلمني بلا لسان، وتصافحني بغير بنان، يفسدها الربع المسدود، ويصلحها الوعاء المشدود، أحملها وتحملني، وأجملها وتجملني، لا تمنحني إن مللتها هجراً ولا تتحفني إن هجرتها هجراً فكيف استبيت ما اكتفيت به حظاً، وألغيت تعلقي بما أتقنته حفظاً، إلغاء عمل علم المعلق بلام الابتداء لفظاً، وها أنا وقفت بمنيف حوائك، ووقفت ثنائي على شريف حوبائك، فجد بقفولها علي، ووصولها إلي، فأنت أعلى من غاث، وأحلى من أغاث، وأسمى من ارتاش، وأسنى من انتاش، قال: فلما حقق رموزي، واستحسن نهوزي، قال لي: يا ذا البنان، المزري على العنان واللسان، والسامي على السنان إن عروس غروسك، وشموس طروسك حاضرة لديك، فقر عيناً بعودها إليك، فألقيت إذ ذاك لثامي، واستدعيت له قيامي، فبادر إلى التزامي، وسألني عن زعزع انهزامي، ثم قال لي: كيف رأيت كر ذلك الكريب حين أحرقك حر حريب هاتيك العريب، فقلت: أحر من وطء الوطيس، وأضر من ضرب ضروب الملاطيس، فقهقة قهقهة الجذلان، وصفق تصفيق الغدير الملآن، ثم نظر إلي نظر الخجلان، وأنشد إنشاد المسرج العجلان: الخفيف:ولا تتحفني إن هجرتها هجراً فكيف استبيت ما اكتفيت به حظاً، وألغيت تعلقي بما أتقنته حفظاً، إلغاء عمل علم المعلق بلام الابتداء لفظاً، وها أنا وقفت بمنيف حوائك، ووقفت ثنائي على شريف حوبائك، فجد بقفولها علي، ووصولها إلي، فأنت أعلى من غاث، وأحلى من أغاث، وأسمى من ارتاش، وأسنى من انتاش، قال: فلما حقق رموزي، واستحسن نهوزي، قال لي: يا ذا البنان، المزري على العنان واللسان، والسامي على السنان إن عروس غروسك، وشموس طروسك حاضرة لديك، فقر عيناً بعودها إليك، فألقيت إذ ذاك لثامي، واستدعيت له قيامي، فبادر إلى التزامي، وسألني عن زعزع انهزامي، ثم قال لي: كيف رأيت كر ذلك الكريب حين أحرقك حر حريب هاتيك العريب، فقلت: أحر من وطء الوطيس، وأضر من ضرب ضروب الملاطيس، فقهقة قهقهة الجذلان، وصفق تصفيق الغدير الملآن، ثم نظر إلي نظر الخجلان، وأنشد إنشاد المسرج العجلان: الخفيف:
أنا والله ليث كل غريف ... وقنوع بعشر عشر رغيف
وأمير الكماة والكبش فيهم ... ومجير من كل خطب مخوف
وسبنتى الحروب ثمت نصر ... ذو انسكاب لنصر كل ضعيف
وجمال الندي أنشر فيه ... كل فن من اللطيف الطريف
لم تر الناظرون مني مقيماً ... غير هم وهمة وعيوف
وسداد وسؤدد وسهاد ... وسريع إلى السلاح زفوف
وسماح وساحر وسهام ... وسنان لحاسدي وسيوف
هذه شيمتي فمن شك فيها ... فشهودي أشلاء صيد الصفوف
قال: فبت حل حيرني بحبر ربيعه، وخيرني بين سنة سهره وتبيعه، أرتع في ميادين مشاكهته، وأرضع من أباريق مفاكهته، حتى ساور الوسن بطون الأجفان، وبادر أبو اليقظان إلى الأذان، ولما اتضح السبيل، وافتضح الهم الوبيل، أحضر الكتب مشدودة بحالها معدودة بكمالها وأوحى بأن تحضر مسرجة، وجرجة بنخب خوانه خدلجة ثم أومأ إلي بالركوب، بعد ارتضاع كأس كيسه والكوب، وأشار إلى فرسان، أحلاس الذكور حسان، لتوصلني إلى تخوم المتدبرين، آمناً من غوائل الغائرين، فودعته وقد امتطيت ذروة الأعوجية، وأثنيت على مكارمه الألنجوجية، وأخذت أخطو خطو الفوارس، وأسطو على السهر الممارس، إلى أن وردت مياه العمارة وأردت إلقاء العمارة، فنزلت عن ظهر العارة وحمدت غور غبر الغارة.
المقامة التاسعة العمادية الإربلية
حكى القاسم بن جريال، قال: صبوت مذ نبوت عن العطن إلى المعالي، وعلوت اذبلوت المنخفض من العالي، واحتذيت لاحب التجارب، وأفنيت حلل حلل المحارب، وجريت بين المضارب، جريان الأرواح في العروق الضوارب، فلما فررت من دعابة الهازل، وفررت ناب ناب الخطر المنازل، وعرفت حقائق الأمور، ورشفت ظلم ثنايا الفرص والعمور، أيقنت أن لا نظير للمصري في رائق نفثاته، ولائق منافثاته وبدور كراته، وظهور ثمر مذاكراته، وظاب مطارحاته، ورضاب مناوحاته، وكنت كابدت من صريح صده المقيم، وريح انتزاحه العقيم، ما يكابده قلب السليم، ويردى على ضيق ذرع الحليم، ويعانيه البطين من شدة الذرب، والحزين من حرقة اللهب، فاستولى علي حباب الممات، واحلولى لبعد شقته ارتشاف الوفاة: الطويل: وبت كفرخ ظل في وكر أيكة تصفقها هوج الرياح العواصف
أبيت قنيص الصبر حتى كأنني ... صرمت نصاح الصبر من عصر آصف
وكيف أرى صفو الصلاح وقد صبا ... إلى صرفه صرف الصروف القواصف
ثم إني جعلت أجول بالمخذم الخشيب، وأميل لنشوة شراب الشباب المشيب، منقباً عن بقائه، مترقباً طلائع لقائه، إلى أن رضني رشق جلاهق الإخفاق، وحضني خفق مناسم الإندفاق دفاق دفاق، إلى إربل ذات العلاء والعارفة العلياء، غب غلب الاغتداء وإعنات الذعبلة الرعناء، مع عصبة علوا لبان الاعتراف، وعلو لبان أخلاف الاختلاف، وانتعلوا أعناق المقاطع، واتصلوا اتصال الرياس بالصارم القاطع، فبسملت عند الولوج، وحمدلت لمفارقة رقة الثلوج، وأسرعت في الساع، بعد مقاطعة الإسراع، إلى تحصيل كناس ولم آل فيما رمته كناس، وحين حصلت الجواد، وواصلت الفؤاد بما أراد، ملت مع اجتلاء الزرجون والاصطلاء بحر حمر جمر المجون، إلى محالفتهم، ومحاسن مناوحتهم، لأكشف نصيف إنصافها، وأعرف رصيف انتصافها، فألفيتهم ممن اقتنوا الصلف غراراً، والرشد مناراً وناراً، والشرف شجاراً والمجرة وجاراً وجاراً، لا تذر بذر إحسانها بجلمود، ولا تفرق بين سائل البسالة وجمود، تعلو على القمم، باقتناء الهمم، وتسمو على الأمم، بإحياء الرمم: البسيط:
كأنما رضعوا من حيثما وضعوا ... ثدياً من الصدف في صدر من الذمم
أو قمطوا بقماط ضم جؤجؤهم ... حال من الحلم محبوك من الحكم
أو هدنوا بمهود هز أحبلها ... كف من الكف في كوع من الكرم
قال: فأقبلت أشتري جمل جماناتهم، وأقتدي قبب مقاناتهم، وأقطف ملح حاناتهم، وأرتشف شبم ديم مداناتهم إلى أن غال غول البين، واستطال سلطان التشوق إلى النيربين، وهجرت طيب الأطيبين وولى نهار اصطباري مكلوم العقبين، فبينا أنا أفكر في الانقلاب، ولو مع عدم الاحتلاب، وأتعلل بالارتحال، ولو مع تفاقم الحال، ألفيت وفداً وافر الوصائف، وارداً من دار الخلائف قد تواصلوا من أفخاذ البطون، وتقاطعوا تقاطع عضل البطون، فقفوت أثرهم في الخبار، ومقوت عنه قاضب الاستخبار، على أن أسوف عرف، خبره، أو أطوف ببيت من ظفر بمحبره فما انتهيت في طوافي، ولا أنهيت ميدان تطوافي، أو وجدت وصيفه رافلاً في وشاحه، متقلقلاً لثقل سلاحه، فانطلقت به إلى معاني، وأقبلت أنشر له مطوى الشوق الذي أعاني، ثم إني أحسنت عليه القيام، وأقعدت من جسد المقاطعة ما قام، ولما استعملت سير مولاه، وما أولاه يوم ولده، مدحه مدح القارب الديمة، والترائب اللطيمة، وزعم أنه مع محاورة الحرمة الحوراء، رب دست الوزارة الزوراء، وقد أرسله لمهم مع مهامه ليؤوب قبل انسلاخ عامه، فشكرت الله على إقامة سوائه، واستقامة أحوال، حوائه، وأودعته يوم الوداع، كتاباً يشهد بشدة رداع ذلك الصداع، فما نسلخ مسك سلخ شهرين، ولا نضخ مل عيون العين، حتى واصل بجوائه البريد، واتصل بوصوله، ما كنت أريد، ففضضت إحكام ختامه، ووقفت على أحكام أوله وختامه، وصنت نسخته مع ما أصطفيه، فكانت نخب نفائس المسطور فيه: أفدى الكتاب الصادر عن المقام - الأرفع الممجد، والهمام الأروع الأمجد، بل الكريم ذو زادني إقبال قدومه خلة، وألبسني من سرابيل سح إحسانه حلة، الذي أسعد الله مرسله مدى الأدهار، وأمده بمزية مخضلة الأزهار، كلما مننه وردت أقبلت أذود ذود متربتي، وأجود بها على أهل تربتي، فجعلت حين أقبل نحوي ألثمه كالحجر الأسود، والجؤذر المخلد، وأسكنته عيناً بت أنزفها، مذ غاب بدرها ويوسفها ألفاً لفضلك السابق، حيث مننت، وظلك الباسق الذي أنعمت، بامتداده أنت، وإلفاً يمد لصوب مصيرك كفاً ويروم من غيث غوثك وكفاً، فلقد أثار نضيره الإبريز، وعبيره العزيز، لأشواقي غمام الادكار، وأنار بوروده غياهب السرار، أفاض الله سني نعمتك علي، أولى مودتك فيض العباب، وأسبغ علي دروع منتك العارية عن العاب، ورد على يعقوب الكلف وجه يوسف، قرب قربك الصلف، ومن بقميص وصلك على عيني محبك الدنف، فخلته حين وصلت سطور تبره، وحصلت بدور نثره، بعد ساعد كلا، ورائد فلا، قمراً بزغ ببناني، وشمساً أشرق بشروقها مكاني، ونجم نجم جده فهداني، فلا برحت تجلا على سرر السؤدد والمنائح، وتبلى بين رماح المحافظة والصفائح، ولا زلت ممن تسود برؤيته الأسود، ويجود بجود جدواه الوجود، وأنا راج ممن به الإسعاد، أن تضمنا الدهر بغداد، لأنهض بواجب خدماتك، وأنعم بكاعب إفاداتك، وأصول على الهم ممتنعاً، وأجول مدرعاً مع حسام وصل يحسم حسم السواد، ويوطد سد يأجوج عناد الإبعاد، رزقت عزاً سلسل تناقله الرواة، وتخضع له العداة، وجدد جلباب جدك الذي بعدما تطرز، وافى شرفه لمزايلة الإشراف، وتعزز بالعز المنزه عن الإسراف، لا فتئت منصوراً بالتأييد، على مر الأزمنة والتأبيد، لتهزم جيش السقم عن ذوي القشف، وتحسم طيش النقم عن ذي اللهف، لأنك أولى من عدل عن الحيف والجنف، وأعلى من اعترف بالشرف لأرباب الشرف، قال القاسم بن جريال: فلما رغبت في إنابها الفياح، وطربت لتلاطم طمها السياح، وأعجبني ما اعذوذب وساغ، وأطربني بصنوف ما صنع وصاغ، جعلت أفكر في خلوها عن قريضه، بعد ما عودني من بدائع تعريضه، فقال لي الوارد بها علي، والمتأود تحت سحابها إلي: أراك واكف الأفكار، وارف الافتكار، فما الذي أزعج غوارب تيارك، وأتجج ذوائب نارك، حتى لقد حاق بك صدر ادكارك، وضاق بعد السعة نظام تقصارك، وتغير حسن أسلوبك، وتزيد زبد شؤبوب شحوبك فإن كان بها ما يفضي صونه إلى الأمان فاستعينوا على أموركم بالكتمان، فقلت له تالله لقد أسأت في مقالك، وأخطأ برثن رئبال بالك، لكنني كنت ألفت مذ به كلفت إتحافي في خلال رسائله الرابية على مسائله بأبيات، تظلني بأشرف رايات، ولم أر بهذه الألوكة أرياً من هذا المطلوب، ولا شاهدت بشهادها شيئاً من حلب ضرع قريضه المحلوب، وإني لأخشى أن تغيره المناصب، ويستوي لديه الجازم والناصب، وحاشاه من مشابهة الأسقاط، والمزاحمة على لقاط هذا اللقاط، فقال: اعلم أنما غشيك من يم ظنك وهم، وكبا بوهم حدسك نضو فطنة ووهم، فطلق ما أهمك وهمك، وخالع عرس ما أهمك وهمك، قال: فراجعت مكاتبته الفريدة، لأستولد مقالته المفيدة، فإذا طرفاها، قد نطقا به وفاها، ونشر عرف المعرفة وفاها، وفتح مفتاح الحكم نطقها وفاها، فكانت: البسيط:ابهة الأسقاط، والمزاحمة على لقاط هذا اللقاط، فقال: اعلم أنما غشيك من يم ظنك وهم، وكبا بوهم حدسك نضو فطنة ووهم، فطلق ما أهمك وهمك، وخالع عرس ما أهمك وهمك، قال: فراجعت مكاتبته الفريدة، لأستولد مقالته المفيدة، فإذا طرفاها، قد نطقا به وفاها، ونشر عرف المعرفة وفاها، وفتح مفتاح الحكم نطقها وفاها، فكانت: البسيط:
أفدي الكريم الذي أقبلت ألثمه ... ألفاً وألفاً لأشواقي أولى الكلف
فخلته قمراً تجلى برؤيته ... بغداد مع سلسل وافى على اللهف
بل حلة وردت نحوي ويوسفها ... أنت العزيز على يعقوبك الدنف
فلا برحت تسود الدهر مدرعاً ... عزاً تطرز بالتأييد ذي الشرف
فحين سهرت لنشوة إنشادها، وسكرت من سلافة انحشادها، أيقنت أنه مسدد الأسجاع، مؤيد بمخاذم الاختراع، سارب في مسارب هذي لأساليب، شارب من مشارب هذه الشآبيب، يتسلط على الإنشاء، تسلط النهشل على الشاء ويترنح بهذا الانتشاء، بين رقل وشيه والأشاء، ولما عجبت بانتصاب تمييزه، وانصباب لباب وجيزه وتعجيزه، وتهذيب ألفاظه وتنويهه، ونبيه إيقاظه وتنبيهه، أخذت أفكر في محض محض خطابه، وبض نض نضير ما خطابه، وفتح باب رد جوابه، وقبح إهمال رفع قدر جوابه، فكنت كمن رام من الربع الدارس كلاماً، والجهام المتقاعس انسجاماً، وعلمت أن جمانه لا يعارض بجزع حقير، وفيضه لا يناقض بنضح جزع يسير، فتقمصت قمص الإنصاف، ونقصت نقص ضرب الأنصاف في الأنصاف واقتصرت يوم ظعن غلامه، ونشرت للرحلة أعلامه، على بيتين اقتضبتهما، وكلفت القريحة لهما وهما: البسيط:
أنى أقابل بحراً فاض لؤلؤه ... بنغبة من غدير غير فياض
أم كيف أرفل في ثوب به قصر ... من الفصاحة رث غير فضفاض
ثم إني جانبت الجفول، وودعت القفول، وأودعتهما الرسول، وجعلت الوسيلة في لقاء الرسول.
المقامة العاشرة الشاخية
حدث القاسم بن جريال، قال: نبذني كر الفكر الأليم، إلى هوة هول الوله المليم، لجزع هائل، وترح غائل، يغيب لوقوعه الجنان ويشيب قبل إنسانه الإنسان، فم أزل أصحر بقفر وهم لهم، وأبحر بحومة هم لهم، إلى أن عدت أقنع بعد الإقامة بالنهم، والكنانة بالسهم، والسليم بالوشيب، والجديد بالقشيب، فحين أظم محيا الحظ الناقص، وعظم ضرع التفرع القانص، بادرت إلى احتذاء سبتية فتية، وامتطاء حربية أبية، حذراً من تسرمد الوسواس، وتجلمد مدر ذلك الإفلاس، لعلمي أن النحرير من حبس سيب بؤسه خوف الطغيان وطمس عين تنور عكوسه قبل الطوفان، فلما استويت على لاحب الإنسراب، وانثنيت لقطف ثمار خوض السراب، وانفجرت شآبيب الشؤون. وانكسرت صعاد الصبر الخؤون، أخذت أمعن في تذكر المصافات، وأطعن العطن بعامل الالتفاتات، حتى أفنيت التعلات، وأبكيت قائد اليعملات، ولما كل كلكل العبرات، واستل سيف السهو سرف فارس الحسرات، جعلت أنشد أبياتاً كان أنشدنيها أبو نصر بحاء، حين فارق أطيفاله الطلحاء، وهي: الرجز:
لا تندمن على الدمن ... كلا ولا طيب العطن
وازج الركاب فإنما ... يجني الفضائل من شطن
وانض الهموم فإنها ... خيل تشن على الوسن
كم قد لبست خويصتي ... أبغي النجاة من الزمن
ولكم قطعت تنوفة ... حذر العدو وقد عدن
ولكم نشدت ببلدة ... عند الوداع وقد ابن
يا بلدة تعلي الجهول ... وتخفض الفذ اللسن
لا حلك السح السكوب ... ولا انزوت عنك القنن
فالموت دون شماتة ... تصمي الفؤاد من الحزن
يا طالما ذل العزيز ... ورهطه لما قطن
بين اللئام فلا سكن ... عنه العنا لما سكن
قال: فلم نزل نتذكر مكاشرة الجيران، ونصافح بين الذفاري ونمارق الكيران، ونسترق رقاب المخاشن، ونشق جواشن الجواشن، إلى أن وردنا مناخ شاخ، وقد شاب شعر اصطباري وشاخ فدخلتها متفرداً عن الأخلاط، متجرداً من نصاح المصاحبة والعلاط، فحين حمدت هدية ذلك المنهاج، وسررت بسنا سراج السلامة الوهاج، أقبلت أتأمل أريحياً يمنح مما كفاه، أو حاتمياً تملأ كف تكفكفي كفاه، عساه أن يزيل عنه لباس الأدناس، أو ينيط على جسد المجالسة سرابيل الإيناس، فبينا أنا أقوم على قدم الاندمال، وأحوم حول حواء الاحتمال، ألفيت أبا نصر المصري مشتملاً بشمال الانحسار، مكتحلاً بإثمد مرود مرارة الانكسار، مرقعاً بطاقة الاختلاق، متبرقعاً ببراقع الأملاق، متمعدداً بظهارة الأخلاق، متردداً بين الإقامة والانطلاق، فشددت إليه شد الشملة الملساء متمثلاً ببيت من سينية الخنساء، فما برحت ترشق سهام الدموع الخدود، حتى ملأت من دف ودقها لأخدود، فلما انقطع شؤبوب الشهيق، وطلع نبت بيت سؤاله عن ذلك الطريق، أخبرته بسبب طلوع ذلك الويل، وغروب سهيل ذيالك الأهيل، فجعلت أمواج رناته تغول، وأفواج أناته تعول، فحين قر موج قراقر العويل، وسألني عن وصلة عاتق التعويل، انطلق بي إلى وكر أضيق، من خرت خياطه، وأقذر من ينابيع مخاطه، كأنما أسسه الزاهد أوطان أوطان حيطانه الهداهد، ثم أحضر بساطاً كاد يتقلقل من القمل، وسفرة يحملها الحولى من ولد النمل، لا يعرف لخفتها طعم الأين مشحونة ببيضة وكمئن، مع مرقة لا يعرق بحمام حميها ناب، ولا يغرق بقعر مددها ذباب، فقلت لروعي: إنا لله من خسة هذه السفرة والحلول بحرج هذه الحفرة، قال: فكأنه حدث بما حدث خلدي، وضعفت لجلله جحافل جلدي، فأخذ بيدي، وخاطبني بطيب لفظه الندي، وقال لي: يا بن جريال دع ماء الملامة ونهله، واحذر الزمن وجهله، وخد من وكف كف القدر سهله، واعلم أن الله يبغض البيت اللحم وأهله، ثم قال لي: دعنا ندع دعوة الملق، ونضع عصي هذا اللمق ونزع بقية الرمق، بمراقة هذه المرق، فأثنيت على مفاخره، وأتيت على أوله وآخره، ولما حان وقت المساء، وابتهجت لعدم الجمع بين المائدة والنساء، وصبرت على أذى ربعه المعيب، ورتعت في حمى حكمه إلى المغيب، ألفيته يسكت لأبكار افتراعه، وينكت بيراعه على ذراعه، ثم قال لي: أتعلم لم ملت عن مسامرتك، وعدلت عن مذاكرتك، فقلت له: أظنك تفكر في انهدام دار يساري، وإقدام أقدام عساكر إعساري، فقال لي: تالله لقد أصاب سهم سهمك، وما وهم وهم وهمك، وفي غد يرافقك الهناء، ويواصلك الغنى والغناء، وحين ولت ألوية الظلم السود، وكرت كتائب الشفق المعندم البنود، ناولني رقعة سنم مطي وطيها، وأحكم إلصاق غطي طيها، وقال لي: اذهب بها إلى باب رب هذه الولاية، المحسود على غوامض الولاية، واتنى بجواب أبياتها، لتحمد حلاوة آياتها، فتناولتها ومضيت، وسللت حسام اهتمامي وانتضيت، ولما شارفت وصيد داره، وسفت عبير إدرار مدراره، خفت أن يكون قد أودعها لمحنتي آفة، أو اخترعها لمخادعتي خرافة، فحللت حبك نطاقها، ومسحت جرمى ختمها وطاقها، فإذا هي: البسيط:
قل للأمير الذي أضحت مكارمه ... تطبق الناس خبرا والدنا خبرا
والمنعم الكامل الفذ الأريب ومن ... يقابل الليل ذكرا أو الوغي ذكرا
ومن له خضعت أسد العرين سطا ... يجزع القلب صبراً والعدى صبرا
ومن له منطق ذاك وذو شطب ... يصير البيض حمراً والحجى حمرا
ومن حبا وحوى مسعاه سأو سناً ... يجدد الجود عمراً والندى عمرا
ومن سما ونما فضلاً ومعدلة ... يزور الضد غمراً والورى غمرا
ومن همى وطمى طولاً ومطيبة ... يغادر الحر جبراً كيف ما جبرا
ومن غلا وعلا قدراً ومقدرة ... يروي الأرض نصراً والعلى نصرا
ومن حلا وجلا عن صدره وجل ... يجلل المدح قطراً حيثما قطرا
ومن قلا وقلا قلباً تقلبه ... أنامل البغض خطراً كلما خطرا
ومن فلا وفلا بالسيف مفتخراً ... يصر الصف هدراً كلما هدرا
ومن سرى وشرى شرياً لشانئه ... بشدة نشرت شزراً متى شزرا
ومن قرى وفرى فرياً له شرف ... يضوع الأفق نشراً أينما نشرا
ومن جنى وجنى في الحرب مشتهراً ... يطوق البهم بهراً والبها بهرا
ومن أنا وأنا في قربه قرم ... أشاهد الشوق بدراً كلما بدرا
إني غريب وإني مذ خلقت لقى ... أكابد الفقر قسرا كلما قسرا
وصبيتي يومهم بؤس يشتتهم ... يخلف الربع صفراً كلما صفرا
فاطرد خيول الأذى عنهم فما برحت ... تصافح الذل قهراً كلما قهرا
واسمع فأنت الذي ما زال مقتدراً ... يجاوز الحد قدراً كلما قدرا
قال الراوي: فلما سرت بانصبابه، إلى رحيب بابه، دفعتها إلى الحاجب، بعد مراعاة الأدب الواجب، فولج بها إليه، ونثر من جميل جمانها عليه، ثم غاب قاب أكل يعفور، أو قيد حل قيد نفور، ثم بزغ بزوغ الغين بصرتين، من النقرة والعين، فأماط عني الحذر، وألقاهما إلي واعتذر، فرجعت إلى بيته الأعليط، ببطر مطي الطرب والأطيط، فقال لي: أراك تهز عطفيك، أملأت الجزازة كفيك، قلت له: إي ومن سهل لك الوعور، وفتح لأدابك الأعين العور، ثم ألقيت إليه الصرتين، فقال: أي ما تحب من تين فقلت له: كليهما وتمراً لأجمع من جدة جدواك ثلجاً وجمراً، فنفحني بهما وابتسم، وأعرض عن عرضهما واحتشم، ثم إني نهضت إلى سوقها، بأكارع المسرة وسوقها، لأخمد من قرم القرم الهياج، وأحسم من دم داء المجاعة ما هاج، فعدت وقد بلقع أرجل الدار، وكتب هذين على جانب الجدار: الكامل:
النصل يصدأ إن أقام بكنه ... حيناً وينبو في اليلامق رشقه
وكذلك أنت فلا تلازم منزلا ... إن ضاق غربك فالإقامة شرقه
قال: فما لذ لي بعده الركون، ولا احلولى بعد تسياره السكون، فجعلت تخد بي الأمون، لأكنف من كنت له أمون.
المقامة الحادية عشرة الرسعنية
أخبر القاسم بن جريال قال: أناخ بالشام برهة من الأعوام، جمالات جدب بشرت أديم الجمام، ونشرت سرابيل السغب، على طرف الثمام، وأجزلت وساوس الإعدام، وأهزلت بها معالم الأعلام، حتى بلغت القلوب الحناجر، وشام الملأ على الجيف الخناجر، وظعن خضل النضارة، وفر، وعدن نبع تبع الضراعة وقر، فلما احلولكت حنادس الجلاء، واغدودنت غلائل الغلاء، واستدت المسالك وادلهمت، واشتدت الحال وهمت، وانتابت الغير وأهمت، وأذابت النقم قمم المقدرة فانهمت، انسللت من القراب، ومللت حلاوة الاقتراب، فبينا أنا أنسرب بالفلوات وأنتحب نحيب المقلاة، ألفيت شيخة كالسعلاة، تلو خود كالكهاة، وعزة كالمهاة، وأمامهما شيخ كالعرجون، يجر أردية الشجون، ويسرح بجلابيب حظه الجون، بين منى منى قلبه والحجون، فحين لحظت جودة احتمالهم، واكتحلت بخساسة أسما لهم، نحوتهم بجفن التجمل المشتور، لا رفع غطاء سرهم المستور، فألفيته المصري رب الفنون، الجامع بين الضب والنون، فاتصلت به اتصال القلم بالنون والحنك بالعثنون، ثم إني عدلت عن عثوائه، وسألته عن تعاظل وعثائه، فأطلعني على محاسمه حائه وانتحائه، ومصارمة صلحائه مع برحائه، فانثنيت محقوقف السواء، وألقيت إليه يقود القرواء وقلت له: دونك امتطاء ذروتها، واجتلاء جربتها، فأحلهما قراها، واختلى لها خلة النصب وقراها، ثم أخذت أحدثه بما أعاني من الخطوب، وتعذر المخطوب، ومغالبة اللغوب، ومسامرة السغوب فأرهف قواضبه الصقال، واستفتح المقال، وقال: الكامل:
تباً لدنيانا المليمة إنها ... سجن الرفيع وجنة للساقط
داراً تزخرف للئيم وتنزوي ... عن ذي الفصاحة والكريم الفارط
كم قد تعم بقسطها من مقسط ... مر الزمان وقسطها من قاسط
ولكم تخص بحلوها من قابض ... نكس يشح ومرها من باسط
ما نال منها الفذ إلا مثلما ... نال الهزيم بجنح ليل خابط
ما تطبيه لنغبة من سحها ... إلا وتنفحه بقلب القانط
فالبؤس فيها والنعيم كلاهما ... عند اللبيب كقاب ظل الحائط
فحذار منها ما استطعت فإنها ... لدن الأريب ككفة للأقط
قال: فلما نثر جمان أبياته، وبهر بانسجام شكاياته، ونصص أواذي غصصه، وقصص وجوه جدر قصصه، لحظني لحظ الشفيق، بالوجه الصفيق، وقال لي: يا بن جريال، لا تطل لترك الحياء حبل الحيرة، وقصر لطرفها طول طيل الطيرة، فقد أرغم الشرع أنف الغيرة، ثم قال: ألا تحب بأن أصاهرك، وأطلع في سماء المصاهرة زواهرك، لأزيل بلابل ميلك، وأطيل ذلاذل ذبلك، وأنا أقنع بسنا سهيلك، ولا أطمع في هيلمانك وهيلك، فانظر بمن أروجك، وبأي الدرر أتوجك، فإنها أخفر خريدة وأفخر فريدة، ثم إنه رفع نقاب الفتاة، فتأودت تأود القناه، فما تمالكت أن قلت له: من لي بذلك، والاستضاءة بوميض ذبالك، فقال: طب نفساً، وأنعم بها عرساً وغرساً، فإذا جزعنا البراح، وجرعنا راح الراحة والقراح، نواصلك بمحضر من الشهود، ولا نفارقك إلى اليوم المشهود، قال: فارتفع بما قال قدري، وانشرح بما صدر من صدره صدري، ثم أخذنا في ذم ذميلنا، وإلحاق سيل المسايلة بحميلنا، ولم نزل نمج ذلك الخندريس، ولا نذيق التعريس العنتريس، حتى وردنا راس عين، مرملين من زاد وعين، فحثنا قطيع القطوع الفظيع ومهمه المضيعة الذي به الماهر يضيع، إلى خان: لم يتجمل دهره بدخان، معروف بالمفاليس، تطوف ببيت حوبه حزق المناحيس، فلبست قدر حلب شاة، أو صرام بلح أشاة، ثم انساب بعياله، يسحب غلالة اغتياله، فجعلت أقفو إثرهم وهم يوجفون، ومن التحيل يرجفون، لأنظر ماذا يصفون، وبأي أشجار الحيل يصفون، إلى أن دخلوا دار ولايتها، ومدار إيالتها فوقفت تجاه الوصيد، لأبصر مضمون بيت القصيد، فلما وقفوا لدى الوالي، وانهل لؤلؤ دمعهم واللآلئ، سن الشيخ سنان زفراته، واستن في ميدان عبراته، وقال: السريع:
يا أيها الندب الذي خيمه ... طال على النسر بنشر جميل
ومن إذا حل حروب العدى ... طال على الصف بصافي الصهيل
أنهي إلى ساميك يا ذا النهى ... ومن شاء الشم بلبس الشليل
قد كان لي نجل يحب العلى ... يهوي إلى الفخر هوي الخليل
بقامة أعدل من صعدة ... وسالف شبه الحسام الصقيل
ففاجأته الحين في خيسه ... فخر كالجذع السحوق الطويل
وعاد بعد السبر في سربه ... ملقى لقى مثل الكثيب المهيل
ما تحته غير بساط الشقا ... سحقاً له من حلس بوس وبيل
من بعد ما كان كثير الثرا ... ينوع كالغصن بعيد الأصيل
يجر في روض النعيم الصبي ... ويكسب الجد بجد أثيل
فوا رميتي أنه ميت ... ما زال في الأحياء عين المنيل
فلم يزل الوالي وغشاته يحولقون، وحشده ووشاته يترققون، وبرقتهم ورقتهم يترفقون، ثم إنه أبرز من أبريزه، ما يرصد لمصالح تجهيزه، فانصرفوا غب قبضه، واعترفوا بنض فضله وعرضه، قال: فلما رأيت قبائح فعالهم، وتساوي رؤوس رياستهم ونعالهم، آليت ألا ألتفت لشبقها والتل، أو تأتلف العبن والحاء في الثلاثي المعتل، فراجعت الخان، وبردت ذلك الأسخان، فوجدته قد أغبر، واحتذى الصعيد الأغبر، بعد أن أخلى حرمه، واستملى حرمه، ونبذ مرافقتي، واستصحب ناقتي لفاقتي، فبت باكياً على أموني، نادماً حيث نادموني، ثم نويت مفارقة الريف، ولويت ليتي نحو الغريف، وطرقت باب المعرف والعريف، وفارقت الفندق مفارقة حروف النداء لام التعريف.
المقامة الثانية عشرة البحرانية
روى القاسم بن جريال قال: نزلت بالبحرين بعد مكافحة الحين ومناوحة البرحين وأنا حينئذ خفاف ذفاف لا يلفني عفاف ولا يكفني إعفاف أخوض في غضارة مضية وأروض ذا نضارة مرضية يسعدني إسعاد القود واسوداد الفود ورواج الثواج وازدواج النتاج واحتواش المطاعيم وانتعاش الأناعيم مع رعاء أولى ثلة لبيع رغاء وثلة فلما ابتليت البوس وأبليت اللبوس وأزلت العبوس وزايلت العصبصب العبوس أقبلت استصحب الوشاء واستصبح الانتشاء وأبيع الشاء لمن شاء وحين عرضت الأثمان وأعرضت عمن نجش ومان، جعلت أتورد سلسل المساكن، وأتردد في ترجيح الساكن، إلى أن ساقني سنان القدر، إلى فندق واكف القذر، مملو من العير، محشو من الحمير، لا يسمع به سوى الشخير والنخير، والاختصام على الحقير الوقير، معروف بالمخانيث، محفوف بإخوان إبليس الخبيث، قد أحدقت به طفاوة الخبائث وعلقت به براثن الزمن العائث، فخلعت لباس التوقير، واستأجرت بيتاً كالقير، دون دور النقير، لظني أن سأرحل بعد ليلتين، كاسياً من مكاسب الصفقتين، فعسر الدهر ما قدمت لأجله، ويسر علي إقدام سح الضرر ونجله، فبينا أنا ببعض الليالي الطوال، أكابد أهوال الهذر الطوال، رأيت شيخاً مكشوف المنكبين، محفوف الشاربين، يمور بتلك الأحوية، مور الأهوية، ويضطرب بهاتيك الشية، اضطراب الأرشية، وقد أخذ مخنث بزيقه، وهم بتمزيقه، والشيخ يزعم أنه سمع حلحلته، وقد سرق مكحلته، والمخنث يدعى أنه خطف ميله، وقصده مقيله، فدنوت قيله إلى الباب، دنو الذباب، لأنظر في صياره، لمن يكون غلب تياره فألفيته الصل الحبوكري، أبا نصر المصري، فلما تعاصف ذاك الهبوب، وتكاثف بينهما ذلك الخبوب، خلع المخنث غلالتيه، ونهض قائماً بسوأتيه، وقال: إن كنت أيها الدويهية من الكاذبين ولست لمكحلتك من الغاضبين فمنيت بالصفو المفاصل، وأوجاع المفاصل، وانسداد الصراط، والسعال المقرون بالضراط، وانحلال الإحليل، واحتلال التحويل وأسقام الخبال وإلجام الرئبال، وإعراض الصريف، وأعراض الخريف وغسل الثياب، وعسل الذياب، ونتف العذار، ونزف الأقذار، واصتراط المنصل، ووطء أوراق أصول العنصل وصد النصير، وعد خيوط الحصير، والنواح في المآتم، والرواح في السحيق القائم، فقال له أبو نصر: بل إن كنت أيها الفويسق من الصادقين، وعلى اتهامك من المصدقين، فلا جمع بين مكحلتك والميل، وجرعك فقدان الغراميل، ورماك بحك الجتار، ولا قرن شراء تينك بالخيار، ونشر شرع مساويك، ونصر من يناويك، وجدع ما نتافيك، وقلع أعداء مالك من فيك، وأزعجك بشدة الأنين، وزوجك بالعاجز العنين، وأجج نياط قلبك أقطيقوس، ولا ولج باب ديرك الناقوس، وخفض من ردفك ما ارتفع، وملأ من جوف جفنك ما خفع، وقطع من ثوب غنجك ما رفل، وأطلع من شعر خدك ما أفل، ولا ذاق فم فخذك اللثق، طيب طعم ما مقلوبه أثق، وقوض حواء حسن كفك الكسير، وقيض لقلب يمينك حفظ باب التكسير: الطويل:
على أنني لو جاء ألف مخنث ... لسبي ولسبي خطتهم في نصاليا
فكيف تراني يا أخا الخزي والخنا ... وأخبث خلق الله عند نضاليا
قال: فلما رقدت عيون ذلك العوار، وخمدت ذوائب ذياك الأوار وبزغ الفجر المنير، وفارق عنق كل من ذلك النير، نهضا إلى والي مدرتهما، لإطفاء شرر شرتهما، محفوفين بكل زبال وحبال وطبال بطال تحيط بذلك القلاب، حزق الكلاب وتخيط خرق الحسن الساق، عساكر الفساق، وأبو نصر يتبرج تبرج متطاول، ويتدرج تدرج متطايل، ويتغترف تغترف سلطان ويتغطرف تغطرف شيطاني ليطان، وكنت هممت بأن أساعده على قبائل الفسوق، فخشيت أن يلحقني حدة سعر ذلك السوق، ولما وقفا بحضرة الوالي، وتهدفا للمصاع العالي، نظر الغلام نظر من نظر العين، ورجح على عقد الثلاثين التسعين، ثم قال: ليجهر كل منكما بدعواه، ولا يهجر في شنيع عواه، فازبأر أبو نصر وزأر، وحدج ذلك العكر وعكر، ثم أنه استنجع سحب فكره الثقال، واسترجع عاتق مقاله، وقال: الكامل:
يا والياً بسماحه ورماحه ... أحيا الرميم وحير الأحياء
وإذا تهدمت المكارم واعتدى ... صرف الزمان أفادها الإحياء
إني فقدت بحسن عدلك غادة ... تقني الحياء وتقنئ الأقذاء
وإذا خلوت بها آمنت بقربها ... طول الحياة وعيشك الأمذاء
وإذا دنوت لها وجدت أديمها ... يحكي الصقيل صقالة وصفاء
وإذا قطنت فلا تروم تعظماً ... حين الطول لخدرها وصفاء
وإذا ظعنت فلا تكلف طاقتي ... عند الرحيل مطية وجناء
لم تطعم الماء الزلال ولم تذق ... طعم الطعام ولا ترى السيراء
صاحبتها شرخ الشباب ولم أنل ... منها المراد تعففاً وحياء
حتى إذا انبجست شموس ذوائبي ... وغزا الصباح بمفرقي الإمساء
أنكحتها رشأ رشيقاً شادنا ... يحكى الغزالة في السماء سناء
حلو المحيا لا يزال مجاوراً ... لجمالها لا يعرف الإغفاء
جوناً بلا جوف أصم مواصلاً ... جفناً جسا أو مقلة رمداء
فجعته فيها النائبات فأصبحت ... عيناه تذرف للبعاد دماء
فافحص له عن عرسه يا ذا الذي ... ساد السماء وطرز الأسماء
قال الراوي: فلما رشف كؤوس عجوزه، وعرف بدائع رموزه، أفكر في تحصيل ذلك الناعم، وأمر بإخراج العماعم، ثم قال للشيخ: ما أخاله يسرف ما يساوي الفتيل، وأنى تصادم البقة يوم الكريهة الفيل: فقال له: أقسم بمن جدد الجميل، وجذذ الحميل ما برأته وأحطت حوله التأميل، إلا ليسرق من تحت أثوابك الميل، فأطرف الوالي بذلك من لديه، وقهقه إلى أن غشي عليه، ثم قال: إني لأسمح لك بدينار، كضوء ذي نار، ولا تبغ باليمين منونه، فلشان، ما أرهف الفارس نونه، فقال له: عجله بالوزن الوافر، واعلم بأن النقد عند الحافر، فدفعه إليه وهرف، وأثنى على علمه واعترف، فدحرجه في كفه وانحرف، وأولجه في فمه وانصرف، ثم قلص قميصه لسحه، وتخلص تخلص الحبارى بسلحه، فتظنيت أنه امتطى متون الهوج، أو اعتلق بأسباب البروج، بعد الخروج من العوج، والولوج بين تلك العلوج.
المقامة الثالثة عشرة النيسابورية
حكى القاسم بن جريال، قال: عدلت عن معاطاة المغالق، ومداناة خبت المخاتلة، والحالق حين فليت قمم السمالق، وقليت امتطاء النمارق، إلى أن بت أجتزئ بمسامرة الرئال واجترئ على أسود المساورة والرئال، وأجوب فجاج الرمال، غير محتفل بعساكر الإرمال، عل أن أعل راح الاجتراح من أنامل الانتزاح، وأفل صوارم الأتراح قبل مصافحة الصفاح، فبينما أنا أنتهب المناهدة نهبا، وأجعلها شعار همتي دأبا، إذ وجدت الحظ المحبور، والسير المسبور، قد اقتادني إلى مدينة نيسابور، فوردتها بعد مفارقة اللبد، ومزايلة اللبد وقد أغلق باب البلد، فتوخيت المبيت بين الأشجار، بعد حط الشجار، ثم إني نضيت لباس الإيجاس، ومضيت إلى المهراس، مضي الهرماس، فتكرعت للركوع بعد كسر سلامي الجزع والكوع، ثم ملت إلى المطية فأمجدتها وانسللت إلى العيبة فشددتها، وحين أحجمت جحافل حام، وحالف الحذر ذلك الالتحام، جعلت أجول بين الشجير، خالياً من المخاتل والشجير، فلم يمض وهن من الظلام، أو تبسم ثغر القمر تحت اللثام فتجردت حلائل الروح وغردت ورق الحمائم على الدوح، وبينا أنا أحاذر الهجوم، وأجاور الهجوم، سمعت على عين جارية، منافئة أعذب من نغمات جارية، فربطت، جرجة العين، وتأبطت عضبي نحو العين وقعدت من حيث لا أرى، وقلت غب الصباح يحمد القوم السري ثم ما برحت التقط لؤلؤ الكلام، بأظفور الإلمام، وأجرد قواضب الاهتمام، لذلك الانضمام، حتى رأيت حالبي ذياك الثمين، وجالبي ذيالك الكمين، شيخنا المصري، وولده اللوذعي، وهما محتفان بالشمول والشمائل، ملتحفان بالخمول والخمائل، فقلت: تالله لا أفاجئ جريالهما وأضيق في حلبة المباحثة مجالهما، أو أنظر إلى ما يؤول آخر النبيذ، مع ولده الخنذيذ، فما برحا يحولان في كاهل المنادمة، ويجولان في جلائل المناسمة، إلى أن حان حل النظام، وخان خل الجفون ظام الانتظام، فقال له: يا أبت لقد سئمت السفار، واجتويت السفار، وكرهت القفار، ونهكت مني القفار الفقار، فهل ترى حزامة حوبائك، وترى على آرائك آرائك، بأن أصير بأجوية الملوك، بعد اقتناء السابح والمملوك، متوشحاً بوشاح الوشاء، مترشحاً إلى كتابة الإنشاء، فإنها رتبة جليلة، ومرتبة نبيلة، فقال له: يا بني لقد رمت مسلكاً وعراً، لا ترى الراحة فيها الراحة إلا نزرا، مشحوناً بالشحوب، معصوباً، بعصائب الحوب، تفتري على سالكه الأوغاد، وتقتري أثر هفواته الأضداد، وتفري أديم عرضه الحساد، ويقرى مخدومه الإسآد وتسري إلى نضاله الآساد، ويشري أدم إجلاله الإيساد اللهم إلا أن تكون ذا براعة مشهورة، وبلاغة مسجورة، ومهارة فاخرة، وعبارة زاخرة، وآلة كاملة، وإيالة متكاملة، وفكرة جائلة، وفطنة غير حائلة تنقاد لك المعاني انقياد العاني، وتتمكن تمكن الجاني من هذه المجاني، فحينئذ يذعن لك ما تشاء، كما يذعن للمساجل الرشاء، وتنحو بابك الحرشاء، وبين أنيابها الإرشاء، فقال له: إني وبك لعقاب هذا اللوح وعذاب هذه الحنانة الدلوح، وسرحوب هذا المضمار، وطخرور هذه الأمطار، فقال له: يا بني لاتك ممن يطبيه طبعه، ويطغيه طمعه، ويغره الجهام، ويستغره الكهام فتمسى حرضاً بهذي الظباة، وغرضاً لقذذ القاذف والشباة، وها أنا مقترح عليك، ومجترح لديك، فإن أنت ضاهيت ما ابتدعه وأتيت بمقل ما اخترعه، علمت أنك ممن يعوم بعباب هذا الحباب، ويقوم على قدم هذا الانتداب، ويستحق امتطاء هذا القارح، ويسترق أرباب الأدب بين هذي المسارح، فقال له: تالله لأنهضن بهذا الفادح، نهوض الأسد الكادح، ولأبيضن وجه ظنك الصادح، ولأغيضن يم عبوس وهنك الكالح، لتعلم أني فنن دوحتك، وزنن مزنتك، والشعاع المستنتج من بوحك، والشعاع المستخرج من يوحك فقال له أبوه: هبني أنني لك مخدوم، وأنت وعاء لجملة الأسرار مختوم، وقد ورد علي رسالة سرية، يحجم عنها من له روية جرية، لا يخامر سطور يراعها ألف، ولا يجاور خد إبداعها كلف، تتضمن تهنئة بقفولي من السفر، ووصولي بالفوز والظفر فخذ المثال، واحذ التمثال، واكتب لأمنيت ببينك ولا رميت بحجر حينك، خدين فخرك، وخزين سرك، ومخذم ملبسك، وخويدم مجلسك، مجد سمو سعدك وتسرمد، ووطد علو جدك وتجدد، وجللت غصون صولتك وقرت، وتهللت غضون دولتك وفرت، وطغت بحور سورتك وطمت، وسرت سير سيرتك ونمت، وسمقت همم برك وعلت، وتدفقت برم برك وغلت، وزكت سيوف نصرتك، وقلت وذكت سعير سطوتك وقلت، ووحمت خلك خيولك وحمت، وسمت سبلك سيولك وسمت، يخدم بنثر وقريض، وشكر مستفيض، وحمد يبوح، ومدح يفوح، يطيب عرفه ذو شرد، ويجلبب سوفه من له سرد، ويلذ نفحه ويفوق، ويشده من نشقه ويشوق، وبعد فعبد علي منتك، ومتقلد در سطور منحتك، متع ربه ربه ونصره، وزعزع بزعزع قهره من قهره يجهر بحمده عز جل مذ قدم قدم قفولك وحل، وقرب بمن ترب من وفر قربك وخل، فلقد تشوف بجلي وصوله وترشف وتشوق بحلي حلوله وتشرف: الطويل:
قدوم له طيب رطيب وكوكب ... يسير فيسرى فيه شرق ومغرب
يحل فيحيى جوده كل معسر ... ويسني فيجني منه فدم ومعرب
فلنحمد من نفح محبيه بملبوس جذل، ولفح من يحتويه بلبوس بوس ووجل، رفع مبدعه دور رفعته وعمر، وخلع على عبيد عزه خلع مننه وغمر، وطول طول نعمه وكمل حيث وعم عبده بعوده وتكمل فلينعم بمهمه ولو تسنم ملى قدوسه نفسه وسلم، وصلى على نبيه محمد وسلم قال الراوي: فلما فزع من ألوكته اليتيمة، الوافرة الديمة، قال له: قل ضوع الله لمعك وفتح مسمعك، ولا أسأل مدمعك، وجبريل معك، فهمهم همهمة الهموس، وغمغم غمغمة الغملس الغموس، ثم إنه تلبب لمصادمة المنون، حين أرهف له غرار ذلك النون، وأنشأ رسالة كاللؤلوء المكنون، وهي: ورد شريف حضرته، ووريف نضرته، ذو بزغ بوصوله قمر شرف يؤبد روحه وضوءه. بل ولي تحف يحمد سحه ونوؤه، وحزق مرح يتدفق سروره وفرق فرح يترقرق ميسوره خلد مرسله تخليد عصوره، وجدد مجده تجديد دهوره، وترنحت دوح جد جده وحلت، ورنحت، رتب حسدة حوله وخلت، وصفت شمس ضد فضله وضفت، وعفت شمس ضد فصله وغفت، وربت بيض سعوده وبرت، ووهت عصم خصومه وهوت، وشرق نيل جوده وبسق، ورشق نبل جوده وسبق، ولحق من بحج نجح محجته، قصر وحلق ورمق بعين معدلته، من تعدى ومرق، بنخب منظومة، وسحب مسفوحة، وشموس مشرقة، وغروس مورقة، وحكم وسيمة، وديم جسيمة، وعهد وفي، وحسن يوسفي، يوذن بوصل قطع قريب، وقطع وصل قلق غير قريب، وينطق بعلم عميم، ويمنطق بعقد فخر نظيم، ويغنى بضرب ترصيعه ويربي بزهر بديعه على ربيعه، متبرج بسيح سحره، ومترجرج بموج حلو بحره، يسود لون نقسه وطرسه، خضرة ليله، ونور شمسه، فقوبل بحمد مديد، وشكر شديد، سد من دلوحه رحيب بوحه، وسعة سحوحه، جسيم سوحه، فجمل بوروده عبده، وتجمل بعده من عنده، بعد وقوفه عليه، ووضعه فويق عينيه، وقوف من بهت بروض غريض، بل بفيض سح وسمى وميض عريض، يسفر عن محبره، ويخبر بكنه طبيب مخبره: الطويل:
شريف به در شريف مشدف ... يسح له در غريب ويعرب
له ضوء شمس في رطوبة لؤلؤ ... ولفظ به قس يقيس ويعرب
فلله عنبر عطر يدي حبره، وتقطر لدي خبره، وحبره وعبير عبق بقدومه نشره، ونضير نضر عرنين من نشره، نشره متع برشف شهد بشه، وبلقع ربوع عشه، من جيوش عشه، فليشرف بمهه ليتشرف، وطد موجده ركنه ونيف، وسرمد ملة خير خلقه محمد وشرف. قال: فلما قرن بين زبدة الزبد وتمرها، وجمع بين نقاخ خمرة النخب وخمرها، جعل أبوه يفكر في تلفيه وتدقيقه، وينظر في تحقيقه وتطبيقه، ويطرب من فقر مقاليبه وحسن تجنيس أساليبه ويعجب من حذفه ولزومه، ورد عجز معجزه على حيزومه، وإجادة مغازيه وجودة متوازنه ومتوازيه، ولغة طيه، وطيب نشره وطيه، وترصيعه واشتقاقه، ولهاذم مطرفه ورقاقه، ثم أقبل يقبل بياض غرته، ويقلب سواد بياض نضارته، فعندما راقه رقة ذلك الغرار، وفاقه بحذو ذياك الغرار، قال له: أفادك الله بامتياح عيني، وأعاذك من عيون البشر وعيني، فلقد أثريت قراحي بهذا اقتراحي، وأوريت مصباحي باقتباسك من صباحي، فأنت أحق من لعلمه الرجال كعمت ولا دابه الرجال عكمت، وعليه قدمت الرياسة وسلمت، وإليه تقدمت السياسة وسلمت، ولنقص حظه الورى تظلمت، ومن أشبه أباه فما ظلمت، قال القاسم بن جريال: فحين غمد حسام مساجلته، وعمد لارتشاف مدامته، ودهشت بانسكاب ذلك الصبير وشدهت بارتفاع عرف ذيالك العبير، جنحت إليه جنوح الأنوح، ومنحت كفه سرعة الاستلام السحوح، فقال لي: أهلاً بالنمر الجسور، والمنهمر المسجور، ذي الحظ العازب، والعزم اللازب، ثم قال لي: أأطربك ذلك الرواء، حين اختلسته من وراء؟ فقلت له: إي، ومن رفعت به السماء، وتعسعست بقدرته الظلماء، فقال لي: أتحب بأن احتضن كنانة المسامرة، لتحمد شحذ سيف سفرتك الزاهرة، وأعتقل رماح المحاضرة، لتشكر شيم ليلتك الناضرة، فقلت له: حبذا الربع الخصيب، فعلى مثلها كان يدور الخصيب، قال: فأفاح على ذلك