ما من أمة تسعى لأن تحتل مكاناً مرموقاً بين الأمم ، إلا وأولت العملية التربوية اهتماماً بالغاً
تستطيع
من خلالها بناء جيل واع متمثلاً في ثقافته أولاً ثم قادراً على التكيف مع
معطيات التكنولوجيا الحديثة ثانياً . وحيث أن مهنة التدريس بأبعادها
المختلفة ذات أهمية بالغة في الوصول بالعملية التربوية إلى الهدف المنشود
فقد أولت الدول قديماً وحديثاً مهنة التعليم العناية الفائقة ؛ فهي رسالة
مقدسة لا مهنة عادية ، وهي تتميز عن غيرها من المهن الأخرى ؛ذلك بأن المهن
تعد الأفراد للقيام بمهام محددة في نطاق مهنة بذاتها ، بينما تسبق مهنة
التعليم المهن الأخرى في تكوين شخصية هؤلاء الأفراد قبل أن يصلوا إلى سن
التخصص في أي مهنة ، ولعل هذا ما دفع الكثيرين إلى أن يصفوا مهنة التعليم
بأنها المهنة الأم ، ومن هنا فإن نجاح هذه المهنة أو فشلها إنما ينعكس على
المهن الأخرى في المجتمع ؛ ذلك لأن المعلم هو أداة التغيير في المجتمع .
"وإن
الاهتمام بمهنة التعليم في أي مجتمع من المجتمعات ؛ إنما يشير إلى مدى
مسئولية ذلك المجتمع تجاه مستقبل أجياله ومدى حرصه على توفير الخدمات
التربوية لأبنائه ، إذ أن أي إصلاح مستهدف للأمة أو تعديل لمسارها بغية
تقدمها ؛ إنما ينطلق من البصمات التي يتركها المعلم على سلوكيات طلابه
وأخلاقهم وشعورهم وعقولهم “ ( متولي 1993م:ص180). ولقد نالت مهنة التعليم
مكانة رفيعة عند علماء المسلمين ،وحظي المعلم بنصيب وافر من الاحترام
والتقدير والإشادة به وبمهنته يقول الغزالي :"إن من علم وعمل فهو الذي
يدعى عظيما في ملكوت السماوات فإنه كالشمس تضئ لغيرها وهي مضيئة بنفسها ،
وكالمسك الذي يطيب غيره وهو طيب ". ( الغزالي 1967م:ص79). ويشير فردريك
ماير إلى أهمية مهنة التعليم ودور المعلم فيها حيث يقول : إنها المهنة التي
يحاول المعلمون من خلالها أن يجددوا ويبتكروا وينيروا عقول طلابهم وأن
يوضحوا الغامض ويكشفوا الخفي ويربطوا بين الماضي والحاضر ، كما أنهم يسهمون
بلا حدود في رفاهية مجتمعاتهم ، وتوحيد أفكار أبناء أمتهم وتشكيل مستقبل
مجتمعاتهم ، وذلك من خلال تشكيلهم لشخصيات الشباب منذ بداية أعمارهم .
ومفهوم مهنة التعليم لا يقتصر على نقل المعلومات بواسطة المعلمين إلى
الأجيال القادمة من حيث تثقيفها للعقول وتهذيبها وتنميتها للاستعدادات
وصقلها لها ، فهي ليست مجرد أداء آلي يقوم به أي فرد ، ولكنها مهنة لها
أصولها وعلم له مقوماته وخصائصه .
وحيث إن المعلم هو المسئول الأول
عن أدائها على أسس فنية وعلمية ، وهو المسئول الأول عن نجاحها أو فشلها
فهو يلعب دوراً خطيراً في حياة الفرد والأمة ، فهو يحمل رسالة مقدسة وأمانة
عظيمة ، وحيث إن " الرسالة هي الوديعة التي يحتاج نقلها وتوصيلها إلى
أصحابها أمانة ،وبدون هذه الأمانة تضل الرسالة طريقها وتفقد جوهرها
ومضمونها ، فالمعلم الحق هو من اجتمعت فيه خصلتان ، حفظ الأمانة وأداء
الرسالة ، فهو بهاتين الخصلتين معلم ومرب " ونظراً لأهمية مهنة التعليم ،
فإنه ينتظر من المعلم ( صاحب المهنة ) أن يكون له أدوار ذات خطر عظيم
يؤديها .
فالمعلم هو عصب العملية التربوية ، والعامل الذي يحتل
مكان الصدارة في نجاح التربية وبلوغها غايتها ، وتحقيق دورها في التقدم
الاجتماعي والاقتصادي ، ومن هنا فلا يمكن الفصل بين مسئوليات المعلم
والتغيرات الأساسية التي تحدث في المجتمع .
ومما يضخم مسئولية
المعلم في تحقيق أهداف المدرسة أن تطور الحياة الاجتماعية والاقتصادية جعل
المدرسة مركزاً هاماً من مراكز الإصلاح ، وجعل المعلم عاملاً هاماً من
عوامل النهضة ، تعتمد عليه الدول في تحقيق أغراضها وبلوغ غاياتها ،وإن جهود
المعلمين إنما تقاس بالرقي الاجتماعي الذي أسهموا في تحقيقه ، لأن جهودهم
لا تقتصر على حفظ التراث الثقافي فحسب ، بل تشمل أيضاً تحسين هذا التراث
وتوجيهه نحو المثل العليا التي تتطلبها الحياة الحديثة .
ونظراً
للمسئوليات الجسام الملقاة على عاتق المعلم ، فإن منطلق نجاحه في القيام
بهذه المسئوليات إنما يتوقف على معلم كفء يتمتع بشخصية مستقرة منفتحة ،
قادرة على البذل والعطاء والابتكار والتجديد ، يتصف بثقافة عامة ، وإعداد
أكاديمي متنوع وكاف ، متفهم لحاجات التلاميذ ، وخصائص نموهم ، مهيئا
لاكتشاف مشكلاتهم ونقاط ضعفهم . قادراً على توجيههم وإرشادهم ، وتيسير
التعلم لهم .
ومما يجدر ذكره أن العالم اليوم يشهد تغيرات وتطورات
تكنولوجية وعلمية متصارعة ، مما يدفع الكثير من المؤرخين أن يصفوا هذا
العصر بعصر الانفجار المعرفي ، ومن هنا فهذه المستجدات العصرية أضافت إلى
المعلم واجبات ومسئوليات متعددة ومتجددة مما يستوجب إعادة النظر في إعداده
وتأهيله لهذه الأدوار .
ولهذا كله وانطلاقاً من الدور الهام الذي
يضطلع به المعلم ، وإيماناً بفاعلية التأثير الذي يحدثه المعلم المؤهل على
نوعية التعليم ومستواه ، فقد كانت القناعة بأهمية دور المعلم وراء ما شهده
العالم في السنوات الأخيرة من مؤتمرات ودراسات وندوات عالمية وعربية ومحلية
، لبحث الموضوعات المتعلقة بمهنة التعليم وأدوار المعلم وإعداده وتدريبه
" .
دور المعلم في المستقبل ؛ آمال وطموحات :
إن المعلم
الذي نبحث عنه في دوره المستقبلي ، هو المعلم الأمثل ، هو ذلك المعلم الذي
ينتمي فعلاُ لمهنة التعليم قلباً وقالباً ، ويحافظ على سمعتها ، هو المعلم
المتغير في أدواره والمتجدد الذي يواكب كل جديد .
وهذا الأمر ليس
بالميسور ولا بالسهل ، بل يحتاج إلى مجموعة من الكفايات والمهارات والقدرات
التي يمتلكها المعلم ، ليتمكن من القيام بأدواره المرتقبة ، وهذا يستوجب
تكاتف الجهود ، وإعادة النظر في أساليب إعداده وتقويمه حتى يستطيع القيام
بهذه المهام ، بل يحتاج إلى دافعيه من ذات المعلم لأن يطور ويجدد ويغير من
نفسه وأدواره .
ومن الأدوار التي تأمل أن يقوم بها المعلم مستقبلاً :
1-
دور المعلم النموذج الذي يقتدي به تلاميذه فيقلدونه في جميع شئون حياتهم
ويقتفوا أثره ، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة إذ كان
قرآنا يمشي على الأرض
2- دور وسيط التغيير للتطوير الاجتماعي.
"3- دور المعلم الذي يضع احتياجات المجتمع في بؤرة الفعل التربوي ودوره المهني .
4- دور المعلم صانع القرار ، القادر على التغيير ، ولديه قدرة علمية على الإقناع ويمتلك في ذلك البراهين والحجج المقنعة .
5-
دور المعلم المبدع والمفجر لطاقات الإبداع لدى تلاميذه ، الذي يبتكر وسائل
تأثير جديدة على تلاميذه ، ويصمم خططاً تمكنه من الحصول على حلول جديدة
للقضايا التربوية المطروحة أمامه .